الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنان الدابة وهو ما تقاد به، كأن كل واحد من الشريكين أخذ بعنان صاحبه، لا يطلقه يتصرف حيث شاء (1).
وهذا النوع من الشركات هو السائد بين الناس (2)؛ لأن شركة العنان لا يشترط فيها المساواة لا في المال ولافي التصرف، فيجوز أن يكون مال أحد الشريكين أكثر من الآخر، كما يجوز أن يكون أحدهما مسؤولاً عن الشركة والآخر غير مسؤول، وهي من أجله ليس فيها كفالة، فلا يطالب أحدهما إلا بما عقده بنفسه من التصرفات، أما تصرفات شريكه فهوغير مسؤول عنها، ويجوز مع ذلك أن يتساويا في الربح أو يختلفا، فيوزع الربح بينهما حسب الشرط الذي اتفقا عليه، أما الخسارة فتكون بنسبة رأس المال فحسب، عملاً بقاعدة:«الربح على ما شرطا، والوضيعة على قدر المالين» .
2 - شركة المفاوضة:
المفاوضة في اللغة. وسمي هذا النوع من الشركة مفاوضة لا عتبار المساواة في رأس المال والربح وفي القدرة على التصرف وغيرها، قال في الهداية: لأنها شركة عامة في جميع التجارات، يفوض كل واحد من الشريكين أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق. وقيل: هي من التفويض؛ لأن كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه على كل حال في غيبته وحضوره. وقال المالكية والشافعية: سميت مفاوضة من تفاوض الرجلان في الحديث: شرعا فيه جميعاً.
(1) مختصر الطحاوي: ص 107، المبسوط: 151/ 11، فتح القدير: 20/ 5، البدائع: 57/ 6، رد المحتار: 373/ 3، الشرح الكبير: 359/ 3، المغني: 13/ 5، مغني المحتاج: 212/ 2.
(2)
يختلف معنى شركة العنان بين الحنفية والمالكية، فعند الحنفية تتضمن هذه الشركة توكيل كل شريك لصاحبه في التصرف، وذلك ما يجعل له حق الاستقلال به إذا أراد. أما عند المالكية فلا تتضمن ذلك، ولا يملك أحد الشركاء أن يتصرف منفرداً إلا بإذن صاحبه، وفي هذه الحالة تكون الشركة شركة أملاك عند الحنفية وإذا كان الشريك مطلق التصرف في رأس المال مستقلاً بدون إذن صاحبه فالشركة مفاوضة عند المالكية (راجع الشركات في الفقه الإسلامي للأستاذ علي الخفيف).
وهي في الاصطلاح: أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يشتركا في عمل بشرط أن يكونا متساويين في رأس مالهما وتصرفهما ودينهما أي (ملتهما)، ويكون كل واحد منهما كفيلاً عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع، أي أن كل شريك ملزم بما ألزم شريكه الآخر من حقوق ما يتجران فيه، وما يجب لكل واحد منهما يجب للآخر، أي أنهما متضامنان في الحقوق والواجبات المتعلقة بما يتاجران فيه، ويكون كل واحد منهما فيما يجب لصاحبه بمنزلة الوكيل له، وفيما يجب عليه بمنزلة الكفيل عنه.
فهما يتساويان في رأس المال وفي الربح، فلا يصح أن يكون أحدهما أكثر مالاً من الآخر، كأن يملك أحدهما ألف دينار والآخر خمس مئة، ولو لم يكن المبلغ مستعملاً في التجارة، أي أنه لا يجوز أن يبقيا شيئاً من جنس مال الشركة إلا ويدخلانه في الشركة. ويشترط التساوي في التصرف فلا تصح بين صبي وبالغ، ولا بين مسلم وكافر (1)، ولا يصح أن يكون تصرف أحدهما أكثر من تصرف الآخر. فإذا تحققت المساواة الكاملة انعقدت الشركة، وكان كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه وكفيلاً عنه يطالب بما يعقده صاحبه، ويسأل عن جميع تصرفاته. فإذا اختل شرط من هذه الشروط، أو تملك أحد الشريكين مالاً يصلح أن يكون رأس مال لشركة العقد، تحولت الشركة إلى شركة عنان، لعدم تحقق المساواة (2).
وعلى هذا فإن هذه الشركة تتطلب الاشتراك بين الشريكين في كل ما لهما من الحقوق كإرث نقدي وركاز ولقطة، وما عليهما من الواجبات التي يلتزم بها كل
(1) أجاز أبو يوسف هذه الشركة مع اختلاف الملة مع الكراهة (الدر المختار: 369/ 3).
(2)
يلاحظ أنه لا يشارك أحد المتفاوضين صاحبه فيما يرث من ميراث عيني ولا جائزة يمنحها الحاكم له أو هبة أو هدية إلا عند ابن أبي ليلى.
واحد من دين بسبب التجارة واستقراض وضمان غصب وقيمة متلف وأرش (1) جناية على الدابة أو الثوب مثلاً ونحوها من مغارم الأموال (2) في قول أبي حنيفة ومحمد (3).
وبعبارة أخرى: تنعقد شركة المفاوضة على أساس الاشتراك فيما يملكه كل شريك من مال يصح أن يكون رأس مال للشركة وهو النقود الحاضرة، مع تساوي جميع الشركاء في الربح وفي رأس المال، وعلى أن يعمل كل شريك في مال صاحبه مستبداً برأيه.
فإذا اختص أحد الشركاء فيها بملك مال يصلح أن يكون رأس مال لشركة العقد كالنقود لا تكون شركة مفاوضة، وإن عقدت بلفظها، لانعدام المساواة في المال، ولكن إذا اختص أحدهم بملك عَرْض أو دين على إنسان، أو بملك عقار لم يؤثر المملوك في صحتها؛ لأن كل ذلك لا يصلح أن تعقد عليه الشركة، فكان كاختصاص الشريك فيها بالزوجة (4). فإذا استحق الشريك مالاً من إرث ونحوه، تفسد المفاوضة إذا كان المال نقوداً دراهم أو دنانير وتم قبضه فعلاً، أما إذا قبض عروضاً أو عقاراً فلا تفسد المفاوضة.
وقد أجاز الحنفية والزيدية هذه الشركة لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا
(1) الأرش: هو العوض المحدد شرعاً لما دون النفس بسبب الجناية على عضو مثلاً.
(2)
لأن الجاني يملك المجني عليه بالضمان (رد المحتار: 371/ 3).
(3)
المبسوط: 153/ 11، 177، 189، فتح القدير: 5/ 5 ومابعدها، البدائع: 58/ 6، تبيين الحقائق: 313/ 3، مجمع الضمانات: 294، رد المحتار: 369/ 3، 372، مختصر الطحاوي: ص 106، بداية المجتهد: 251/ 2، الشرح الكبير: 351/ 3، مغني المحتاج: 212/ 2، المهذب: 346/ 1، المغني: 26/ 5، الفقه على المذاهب الأربعة: 89/ 3، الميزان: 82/ 1، المنتزع المختار: 354/ 3.
(4)
حاشية الشلبي علي الزيلعي: 314/ 3، الشركات للأستاذ الخفيف: ص 58 وما بعدها.
تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة»، «فاوضوا فإنه أعظم للبركة» (1) ولأن الناس يتعاملون بها في سائر الأعصار من غير نكير من أحد. وأما الجهالة الحاصلة فيها وهي أنها تتضمن الوكالة بشراء مجهول الجنس، والكفالة بمجهول، فإنها متحملة، لأنها تثبت تبعاً، والتصرف قد يصح تبعاً ولا يصح مقصوداً، كما هو الحال في المضاربة، فإنها تتضمن الوكالة بشراء مجهول الجنس.
وأما المالكية: فأجازوا شركة المفاوضة بغير هذا المعنى الذي ذكره الحنفية: وهو أن تعقد الشركة على أن يكون كل شريك مطلق التصرف في رأس المال استقلالاً، دون حاجة إلى أخذ رأي شركائه، حاضرين أم غائبين، بيعاً وشراء وأخذاً وعطاء وكراء واستكراء، وضماناً وتوكيلاً وكفالة وقراضاً وتبرعاً وغيرها مما تحتاج إليه التجارة من تصرف. ويلزم كل شريك بكل ما يعمله شريكه. ولا تكون إلا فيما تم العقد عليه من أموالهم، دون ما ينفرد به كل منهم من مال لم يدخله في الشركة.
أما إذا عقدت الشركة على ألا يستبد (ينفرد) أحد الشركاء بالتصرف في رأس المال، وليس له إلا أن يعمل مع شركائه جميعاً، فإنها حينئذ تسمى عندهم شركة عنان (2).
وعلى هذا فشركة المفاوضة بمفهومها عند المالكية، لا خلاف فيها عند الفقهاء.
(1) قال الحافظ الزيلعي عن هذا الحديث وما قبله: غريب أي لا أصل له، ثم حاول أن يجد أصلاً للحديث، فقال: أخرج ابن ماجه في سننه عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع» ثم قال الزيلعي: ويوجد في بعض نسخ ابن ماجه (المفاوضة) بدل (المقارضة)(راجع نصب الراية: 475/ 3).
(2)
الشركات في الفقه الإسلامي لأستاذنا المرحوم علي الخفيف: 34، الإفصاح: 25، القوانين الفقهية: 283، الشرح الكبير للدردير: 351/ 3، 359، الخرشي: 43/ 6.