الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
عدم رؤية محل العقد: إن كان رآه قبل الشراء لا يثبت له الخيار، إذا كان لا يزال على حالته التي رآه فيها، وإلا كان له الخيار لتغيره، فكان مشترياً شيئاً لم يره (1).
كيفية تحقيق الرؤية:
الرؤية قد تكون لجميع المبيع، وقد تكون لبعضه، والضابط فيه: أنه يكفي رؤية ما يدل على المقصود، ويفيد المعرفة به (2).
وتفصيله: أنه إذا كان غير المرئي تبعاً للمرئي، فلا خيار له سواء أكان رؤية ما رآه تفيد له العلم بحال ما لم يره، أو لا تفيد، لأن حكم التبع حكم الأصل.
وإن لم يكن غير المرئي تبعاً للمرئي، فإن كان مقصوداً بنفسه كالمرئي، ينظر في ذلك:
إن كان رؤية مارأى تعرف حال غير المرئي، فإنه لا خيار له أصلاً في غير المرئي إذا كان غير المرئي مثل المرئي، أو فوقه؛ لأن المقصود العلم بحال الباقي، فكأنه رأى الكل.
وإن كان رؤية ما رأى لم تعرف حال غير المرئي، فله الخيار فيما لم يره؛ لأن المقصود لم يحصل برؤية ما رأى، فكأنه لم ير شيئاً أصلاً.
وبناء عليه: تكفي رؤية ظاهر الكومة من الحبوب، ووجه الدابة وكَفَلها (أي عجزها) في الأصح، وهو قول أبي يوسف. واكتفى محمد برؤية الوجه وظاهر
(1) المبسوط: 72/ 13، البدائع، المرجع السابق: ص 292 - 293.
(2)
البدائع: 293/ 5، رد المحتار: 68/ 4.
الثوب وهو مطوي• وقال زفر: لابد من نشره كله، وهو المختار• كما في أكثر معتبرات كتب الحنفية• وعقب عليه ابن عابدين بقوله: لو لم يختلف باطن الثوب عن ظاهره سقط الخيار إلا إذا ظهر باطنه أردأ من ظاهره، فله الخيار (1) •
وفي شراء الشاة للحم لا بد من الجس حتى يعرف سمنها، حتى لو رآها من بعيد، فهو على خياره؛ لأن اللحم مقصود من شاة اللحم، والرؤية من بعيد لا تفيد العلم بهذا المقصود، وإن اشتراها للدر والنسل فلا بد من رؤية سائر جسدها، ومن النظر إلى ضرعها أيضاً؛ لأن الضرع مقصود من الشاة الحلوب، والشياه تختلف باختلاف الضرع، والرؤية من بعيد لا تفيد العلم بالمقصود، كما ذكر (2) •
وأما البسط والطنافس: فإن كان مما يختلف وجهه وظهره، فرأى وجهه دون ظهره لا خيار له، وإن رأى ظهره دون الوجه فله الخيار•
وأما الدور والعقارات والبساتين، فإن رأى ظاهر الدار وداخلها ورأى خارج البستان ورؤوس الأشجار فلا خيار له، ولا يكتفي برؤية صحن الدار، دون الدخول إلى بيوتها في الأصح، لتفاوت الدور•
وكان أئمة الحنفية ما عدا زفر يرون الاكتفاء برؤية ظاهر الدار وبرؤية صحنها، إلا أن ذلك لا يكفي الآن، فيكون الحكم متغيراً من باب اختلاف العصر والزمان، لا اختلاف الحجة والبرهان (3) •
هذا إذا كان المعقود عليه شيئاً واحداً، فإذا كان أشياء:
(1) المبسوط: 72/ 13، البدائع: 293/ 5 ومابعدها، فتح القدير: 142/ 5 ومابعدها، رد المحتار: 69/ 4.
(2)
البدائع، المرجع السابق، رد المحتار: 70/ 4، فتح القدير: 143/ 5.
(3)
البدائع: 294/ 5، رد المحتار: 70/ 4، فتح القدير: 144/ 5.
فإن كان من العدديات المتفاوتة كالدواب والثياب، كأن اشترى ثياباً في جراب أو قطيع غنم أو إبلاً أو بقراً، وكالبطيخ في الشريجة (1) والرمان والسفرجل في القفة، ونحوها، فرأى بعضها، فله الخيار في الباقي؛ لأن الكل مقصود، ورؤية ما رأى لا تعرّف حال الباقي، لأنها متفاوتة.
وإن كان من المكيلات أو الموزونات أو العدديات المتقاربة كالجوز والبيض، فإن رؤية البعض تسقط الخيار في الباقي إذا كان ما لم ير مثل الذي رأى، لأن رؤية البعض من هذه الأشياء تعرف حال الباقي.
هذا إذا كان المبيع كله في وعاء واحد، فإن كان في وعاءين: فإن كان من جنسين أو من جنس واحد على صفتين فله الخيار بلا خلاف؛ لأن رؤية البعض من جنس أوعلى وصف لا تفيد العلم بغيره.
وإن كان الكل من جنس واحد أو على صفة واحدة، اختلف المشايخ فيه:
قال مشايخ بلخ: له الخيار لأن اختلاف الوعاءين جعلهما كجنسين. وقال مشايخ العراق: لا خيار له، وهو الصحيح؛ لأن رؤية البعض من هذا الجنس تفيد العلم بالباقي، سواء أكان المبيع في وعاء واحد أم في وعاءين (2).
وإن كان المبيع مغيباً في الأرض: لا في الوعاء، كالجزر والبصل والثوم، والفجل، والبطاطا، ففيه تفصيل مروي عن أبي يوسف رحمه الله:
آـ إذا كان الشيء مما يكال أو يوزن بعد القلع، كالثوم والبصل والجزر: فإن قلع المشتري شيئاً بإذن البائع، أو قلع البائع برضا المشتري، سقط خياره في الباقي؛ لأن رؤية بعض المكيل كرؤية الكل.
(1) الشريجة: جوالق كالخرج، ينسج من سعف النخل ونحوه.
(2)
البدائع: 294/ 5، حاشية الشلبي على الزيلعي: 26/ 4.
وإن حصل القلع من المشتري بغير إذن البائع، لم يكن له الخيارسواء رضي بالمقلوع، أو لم يرض إذا كان المقلوع شيئاً له قيمة عند الناس لأنه بالقلع صار معيباً، وإلا لاستمر في نموه وازدياده، وبعد القلع لا ينمو ولا يزيد، ويتسارع إليه الفساد. وحدوث العيب في المبيع في يد المشتري بغير صنعه، يمنع الرد، فمع صنعه أولى.
ب ـ وإن كان المغيب في الأرض مما يباع عدداً، كالفجل والجزر ونحوهما فرؤية البعض لا تكون كرؤية الكل؛ لأن هذا كالعدديات المتفاوتة، فلا تكفي رؤية البعض، كما في الثياب.
وإن قلع المشتري شيئاً بغير إذن البائع، سقط خياره لأجل العيب إذا كان المقلوع شيئاً له قيمة، فإن لم يكن له قيمة، فلا يسقط خياره لأنه لا يتحقق به العيب.
وقد ذكر الكرخي حكم المغيب في الأرض بغير هذا التفصيل، وأثبت الخيار للمشتري برؤية البعض بعد رؤية الكل.
وروي عن محمد أنه قال: قال أبو حنيفة: المشتري بالخيار إذا قلع الكل أو البعض.
وأما محمد: فهو مثل أبي يوسف، إذا قلع المشتري شيئاً يستدل به على الباقي، فرضي به، فهو لازم له (1).
وإذا كان المبيع دهناً في قارورة، فرأى خارج القارورة، فعن محمد روايتان:
(1) تحفة الفقهاء: 124/ 2 ومابعدها.