الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً ـ الاشتراك في أعمال جميع المباحات التي تملك بالأخذ
، مثل الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش، والاستقاء، واجتناء الثمر، وحفر الأرض لاستخراج المعادن.
فإن اشترك اثنان في تلك الأعمال على أن ما أصابا من المباح فهو بينهما، فالشركة فاسدة عند الحنفية، ولكل واحد منهما ما أخذه؛ لأن الشركة تتضمن معنى الوكالة، والتوكيل في أخذ المال المباح باطل؛ لأن أمر الموكل بأخذه غير صحيح، لعدم ملكه وولايته، والوكيل يملك أخذ المباح بدون توكيل، فلا يصلح الوكيل نائباً عن الموكل في المباح؛ لأن التوكيل إثبات ولاية لم تكن ثابتة للوكيل، وهذا غير متحقق ههنا، فإذا لم تثبت الوكالة لم تثبت الشركة.
وإذا كانت الشركة في المباحات فاسدة، فيثبت الملك لكل واحد منهما بالأخذ، وإحراز المباح، ثم ينظر:
آـ إن أخذاه جميعاً معاً، فهو بينهما نصفان، لاستوائهما في سبب الاستحقاق، فيستويان في الاستحقاق.
ب ـ وإن أخذ كل واحد منهما شيئاً من المذكور على الانفراد، كان المأخوذ ملكاً له؛ لأن سبب ثبوت الملك في المباحات هو الأخذ والاستيلاء، وكل واحد منهما انفرد بالأخذ والاستيلاء فينفرد بالملك.
جـ ـ وإن أخذ كل واحد منهما شيئاً على الانفراد، ثم خلطاه، وباعاه: فإن كان مما يكال أو يوزن يقسم الثمن بينهما على قدر الكيل والوزن الذي لكل واحد منهما. وإن كان مما لا يكال ولا يوزن، قسم الثمن بينهما بالقيمة، فيأخذ كل واحد منهما بقيمة الذي له؛ لأن المكيل والموزون من الأشياء المتماثلة، فتمكن قسمة الثمن بينهما على قدر الكيل والوزن، أما غير المكيل والموزون من الأشياء المتفاوتة، فلا تمكن قسمة الثمن بينهما بحسب العين، فيقسم بحسب القيمة.
وإن لم يعلم الكيل والوزن والقيمة، يصدق كل واحد منهما فيما يدعيه إلى النصف من المأخوذ، مع اليمين على دعوى صاحبه. فإن ادعى أكثر من النصف لا يقبل قوله إلا ببينة.
د ـ وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله، بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر، أو قلعه وجمعه أحدهما وحمله الآخر، فكله للعامل وللمعين أجر المثل بالغاً ما بلغ عند محمد؛ لأن المسمى مجهول، إذ لم يدر أي نوع من الحطب يصيبان، وأي قدر منه يجمعان، ولا يدريان أيضاً هل يصيبان شيئاً أو لا، والرضا بالمجهول لغو، فسقط اعتبار رضاه بالنصف للجهالة، وصار مستوفياً منافعه بعقد فاسد، فله أجر مثله بالغاً ما بلغ.
وقال أبو يوسف: له أجر مثله على ألا يجاوز به نصف المسمى أو قيمته أي (نصف الشيء الذي أعانه فيه أو قيمته)؛ لأنه رضي بنصف مجموع ما سيأخذانه. وقاس حكمه على سائر الإجارات الفاسدة؛ لأنه لا يزاد على المسمى هناك، كذا الأمر هنا، والجامع بينهما: أنه رضي بأن لا يكون له زيادة على المسمى، فلا يستحق الزيادة، وصار حكمه كمن قال لرجل:(بع هذا الثوب على أن لك نصف ثمنه فباعه) كان له أجر المثل لا يجاوز به نصف الثمن (1).
ويرى الجمهور في الأظهر عند الشافعية صحة الشركة في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاستقاء وما يؤخذ من الجبال والمعادن وشبهه من المباحات، لجواز التوكيل بها، فيحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل به؛ لأن
(1) تبيين الحقائق: 323/ 3، فتح القدير: 31/ 5 ومابعدها، البدائع: 63/ 6 ومابعدها، المبسوط: 216/ 11 ومابعدها، رد المحتار: 382/ 3.