الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث ـ أحكام المضاربة:
المضاربة إما صحيحة أو فاسدة، ولكل واحد منهما أحكام، وسأبدأ في أحكام المضاربة الفاسدة التي اختل فيها شرط من شروط صحتها، لأن الكلام فيها يسير.
حكم المضاربة الفاسدة:
إذا كانت المضاربة فاسدة كأن يقول شخص لآخر: صد بشبكتي والصيد بيننا، فليس للمضارب عند الحنفية والشافعية والحنابلة (1) أن يعمل شيئاً مما تقتضيه المضاربة الصحيحة، ولا يثبت بها شيء من أحكام المضاربة الصحيحة التي سنعرفها، ولا يستحق النفقة ولا الربح المسمى، وإنما له أجر مثل عمله، سواء أكان في المضاربة ربح أم لم يكن؛ لأن المضاربة الفاسدة في معنى الإجارة الفاسدة، والأجير لا يستحق النفقة ولا المسمى في الإجارة الفاسدة، وإنما يستحق أجر المثل. وعلى هذا إذا لم يربح المضارب، فله أجر مثل عمله؛ لأن رب المال استعمله مدة في عمله، فكان عليه أجر العمل، وينفذ تصرف العامل، والربح للمالك.
وأما الربح الحاصل حينئذ أو الصيد في مثالنا، فيكون كله لرب المال؛ لأن الربح نماء ملكه، ولم يستحق المضارب منه شيئاً نظراً لفساد العقد. وكذلك الخسران يكون على رب المال.
والقول قول المضارب مع يمينه إذا فسد العقد، وذلك في دعوى الهلاك والضياع، والمال في يده أمانة، كما في المضاربة الصحيحة.
(1) البدائع: 108/ 6، مغني المحتاج: 315/ 2، تكملة فتح القدير: 58/ 7، مختصر الطحاوي: ص124، المبسوط: 22/ 22، مجمع الضمانات: ص 311، غاية المنتهى: 179/ 2، الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة: ص 165.
ومذهب الشافعية والحنابلة في المضاربة الفاسدة كالحنفية إلا أنهم قالوا:
إذا تصرف المضارب نفذ تصرفه، لأنه أذن له فيه، فإذا بطل العقد بقي الإذن، فملك به التصرف كما في الوكالة الفاسدة، وهذا بخلاف البيع، فإنه لو فسد لاينفذ تصرف المشتري، مع أن البائع قد أذن له في التصرف، والفرق هو أن المشتري إنما يتصرف بالملك لا بالإذن، ولا ملك في البيع الفاسد.
والربح جميعه في هذين المذهبين حين الفساد لرب المال؛ لأنه نماء ملكه، وعليه الخسران أيضاً. ويكون للمضارب أجرة مثل عمله، وإن لم يكن ربح، لأنه عمل طامعاً في المسمى، فإذا لم يحصل له المسمى وجب رد عمله إليه، وهو متعذر، فتجب قيمته وهي أجرة مثله، كما لو تبايعا بيعاً فاسداً وتقابضا وتلف أحد العوضين في يد القابض له، وجب رد قيمته (1).
وقال المالكية: يرد العامل في جميع أحكام المضاربة الفاسدة إلى قراض مثله في الربح والخسارة وغيرها في أحوال معدودة، وله أجر مثل عمله في غيرها من الحالات. وعليه إذا حدث ربح في الحالات الأولى، فيثبت حق المضارب في الربح نفسه، لا في ذمة رب المال، حتى إذا هلك المال لم يكن للمضارب شيء، وإذا لم يكن ربح فلا شيء له (2).
والفرق بين قراض المثل وأجرة المثل: أن الأجرة في أجرة المثل تتعلق بذمة رب المال، سواء كان في المال ربح أو لم يكن، وقراض المثل: هو على سنة القراض، إن كان فيه ربح كان للعامل منه، وإلا فلا شيء له (3).
(1) مغني المحتاج: 315/ 2، المهذب: 388/ 1، المغني: 65/ 5 ومابعدها.
(2)
الشرح الكبير للدردير: 519/ 3 ومابعدها، بداية المجتهد: 240/ 2، القوانين الفقهية: ص 282، الخرشي: 205/ 6 - 208، ط ثانية ببولاق 1317 هـ.
(3)
بداية المجتهد: 241/ 2، المقدمات الممهدات: 14/ 3.