الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويصح عند الشافعية حينئذ، سواء حدد فيه الأجل لتسليم الشيء المصنوع أم لا، بأن كان سلماً حالاًّ، والسلم الحالّ جائز عندهم (1).
وذهب الحنفية إلى أنه يجوز الاستصناع استحساناً، لتعامل الناس وتعارفهم عليه في سائر الأعصار من غير نكير، فكان إجماعاً من غير إنكار من أحد، والتعامل بهذه الصفة أصل مندرج في قوله صلى الله عليه وسلم، «لا تجتمع أمتي على ضلالة» (2). وقال ابن مسعود:«ما رآه المسلمون حسناً، فهو عند الله حسن» (3).
وقد استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً، واحتجم صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، مع أن مقدار عمل الحجامة وعدد مرات وضع المحاجم ومصها غير لازم عند أحد، ومثله شرب الماء من السقاء، وسمع صلى الله عليه وسلم بوجود الحمام فأباحه بمئزر، ولم يبين له شرطاً، وتعامل الناس بدخوله من لدن الصحابة والتابعين على هذا الوجه المعمول به الآن، وهو ألا يذكر مقدار الماء المستهلك ولا مدة المكث في الحمام، والمعدوم قد يعتبر موجوداً حكماً (4).
الشروط التي تلحقه أو تفارقه ومدى تأثيرها في حكمه:
اشترط الحنفية لجواز الاستصناع شروطاً ثلاثة إذا فاتت أو فات واحد منها
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 89، العرف والعادة للأستاذ الشيخ أحمد فهمي أبي سنة: ص 131 ومابعدها.
(2)
رواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير وابن أبي خيثمة عن أبي بصرة الغفاري مرفوعاً بلفظ «سألت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها» ورواه ابن ماجه عن أنس مرفوعاً بلفظ «إن أمتي لاتجتمع على ضلالة» وله روايات كثيرة (مجمع الزوائد: 177/ 1، 218/ 5، المقاصد الحسنة للسخاوي: ص460).
(3)
حديث موقوف على ابن مسعود، وله طرق، رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات، ورواه أيضاً أبو داود والبيهقي، ورواه كذلك ابن عباس (نصب الراية: 133/ 4، مجمع الزوائد 177/ 4، المقاصد الحسنة: ص 367).
(4)
المبسوط للسرخسي: 138/ 12 ومابعدها، البدائع: 2/ 5، 209، فتح القدير: 355/ 5.
فسد العقد، وكان له حكم البيع الفاسد الذي ينقل الملكية بالقبض ملكاً خبيثاً لايجيز الانتفاع به ولا الاستعمال، ويجب إزالة سبب الفساد احتراماً لنظام الشرع، وهذه الشروط هي مايلي (1):
1 -
بيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته: لأنه مبيع، فلابد من أن يكون معلوماً، والعلم يحصل بذلك، فإذا كان أحد هذه العناصر مجهولاً، فسد العقد؛ لأن الجهالة المفضية للمنازعة تفسد العقد، وبناء عليه، إذا استصنع شخص إناء أو سيارة، بيّن في الإناء نوع المعدن وجنسه ومقاسه وحجمه وأوصافه وعدد الآنية المطلوبةإذا كانت متعددة، فإذا أخفى ذلك كله أو شيئاً منه، فسد العقد للجهالة. وكذلك في صنع السيارة تبين جميع المواصفات المطلوبة، منعاً من الجهالة والنزاع المنتظر عند تعارض المصنوع مع ما قد يترقبه المستصنع.
2 -
أن يكون المصنوع مما يجري فيه تعامل الناس كالمصوغات والأحذية والأواني وأمتعة الدواب ووسائل النقل الأخرى، فلا يجوز الاستصناع في الثياب أو في سلعة لم يجر العرف باستصناعها كالدبس (مايخرج من العنب) لعدم تعامل الناس به، ويجوز ذلك على أساس عقد السَّلَم إذا استوفى شروط السَّلَم، فإذا توافرت فيه فسد استصناعاً وصح سلماً؛ لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني. ويصح السلم في غير المثلي كالثياب والبسط والحصر ونحوها، ويصح في عصرنا الحاضر الاستصناع في الثياب لجريان التعامل فيه، والتعامل يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة.
3 -
ألا يذكر فيه أجل محدد: فإذا ذكر المتعاقدان أجلاً معيناً لتسليم
(1) المبسوط: 139/ 12، البدائع: 3/ 5، 209ومابعدها، فتح القدير: 355/ 5، الدر المختار ورد المحتار 222/ 4 ومابعدها.
المصنوع، فسد العقد وانقلب سَلَماً عند أبي حنيفة، فتشترط فيه حينئذ شروط السلم، مثل قبض جميع الثمن في مجلس العقد، وأنه لا خيار لأحد العاقدين إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في العقد. ودليله أن العاقد إذا حدد أجلاً فقد أتى بمعنى السلم، والعبرة في العقود لمعانيها، لا لصور الألفاظ. ولهذا إذا حدد أجل فيما لا يجوز الاستصناع فيه، كأن يستصنع حائكاً للنسج بغزل نفسه أو خيَّاطاً للخياطة بقماش من عنده، انقلب العقد سلماً.
والمراد بالأجل: شهر فما فوقه، فإن كان أقل من شهر، كان استصناعاً إن جرى فيه تعامل، أو كان القصد من الأجل الاستعجال بلا إمهال، كأن قال: على أن تفرغ منه غداً أو بعد غد، فإن قصد من الأجل الاستمهال والتأجيل، لم يصح استصناعاً، ولا يصح سلماً إذا كان الأجل دون شهر.
والخلاصة: أن المؤجل بشهر فأكثر سلم، والمؤجل بدونه إن لم يجر فيه تعامل فهو استصناع إلا إذا ذكر الأجل للاستعجال فصحيح.
وقال الصاحبان: ليس هذا بشرط، والعقد استصناع على كل حال، حدد فيه أجل أو لم يحدد؛ لأن العادة جارية بتحديد الأجل في الاستصناع، فيكون شرطاً صحيحاً لذلك. وهذا القول هو المتفق مع ظروف الحياة العملية، وحاجات الناس، فيكون هو الأولى بالأخذ به.
نصت المادة (389) من المجلة على ما يلي: «كل شيء تعومل استصناعه، يصح فيه الاستصناع على الإطلاق، وأما ما لم يتعامل باستصناعه إذا بين فيه المدة، صار سَلَماً، وتعتبر فيه حينئذ شروط السَّلَم، وإذا لم يبين فيه المدة، كان من قبيل الاستصناع أيضاً» . وإذا حدد ت مدة لتقديم المصنوع، فانقضت دون أن يفرغ