الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - بيع المجهول:
قال الحنفية: إذا كان المبيع أو الثمن مجهولاً جهالة فاحشة وهي التي تفضي إلى المنازعة، فسد البيع؛ لأن هذه الجهالة مانعة من التسليم والتسلم، فلا يحصل مقصود البيع.
فإن كان مجهولاً جهالة يسيرة وهي التي لا تؤدي إلى المنازعة، لا يفسد البيع؛ لأن هذه الجهالة لا تمنع من التسليم والتسلم، فيحصل مقصود البيع.
والعرف هو المحكم في بيان نوع الجهالة: يسيرة أو فاحشة. فإذا لم يبين مثلا ً جنس الحيوان أو لم يبين «ماركة» المذياع أو آلة التصوير، يعد المبيع مجهولاً جهالة فاحشة تمنع من صحة العقد على بيعه، إذ تؤدي حتماً إلى نزاع شديد بين المتعاقدين (1).
ومن
الجهالة اليسيرة:
أن يبيع شخص قفيزاً (2) من صُبرة معينة بدراهم، أو عِدلاً من الثياب بكذا، ولا يعرف عددها، أو هذه الصبرة بكذا، ولا يعلم عدد القفزان: جاز البيع (3) لزوال الغرر، ولأن الجهالة مغتفرة لا تفضي إلى المنازعة عادة. ومثله أن يبيع أحد الشيئين أو الثلاثة دون ما زاد عليها، مع اشتراط المشتري الخيار لنفسه بين أن يأخذ واحداً ويرد الباقي، وهو المعروف بخيار التعيين، يصح البيع استحساناً، والقياس أن يفسد البيع وهو قول زفر.
(1) الأموال ونظرية العقد: ص 312.
(2)
القفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك: صاع ونصف، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادي تقريباً، والرطل مئة وثلاثون درهماً، والدرهم (975،2 غم).
(3)
البدائع: 5 ص 157 ومابعدها، المهذب: 1 ص 263.
وجه القياس: هو أن المبيع مجهول، لأنه باع أحد الشيئين، وهو غير معلوم، فكان المبيع مجهولاً، فيمنع صحة المبيع، كما لو باع أحد الأثواب الأربعة، وذكر الخيار، وعليه فلا يجيز زفر خيار التعيين.
وأما وجه الاستحسان فهو:
أولاً ـ القياس على مشروعية خيار الشرط، والجامع بينهما مساس الحاجة إلى دفع الغبن، وكل واحد من الخيارين طريق إلى دفع الغبن، فورود الشرع في خيار الشرط يكون وروداً ههنا، والحاجة تتحقق بالتحري في ثلاثة أشياء، لاقتصار الأشياء في العادة على الجيد والوسط والرديء، فيبقى الحكم في الزيادة مردوداً إلى أصل القياس وهو أن يكون المبيع معلوماً، وعليه يكون بيع واحد من أربعة مثلاً مع الخيار فاسداً، لعدم حاجة الناس إلى تشريعه باعتبار أن أصناف الأشياء إجمالاً تتراوح بين جيد ووسط ورديء.
وثانياً ـ لأن الناس تعاملوا هذا البيع لحاجتهم إليه، فإن كل أحد لا يمكن أن يدخل السوق، فيشتري ما يحتاج إليه، وعلى التخصيص الأكابر (أي كبار السن) والنساء، فيحتاج الواحد من هؤلاء إلى أن يكلف غيره بشراء شيء، ولا تتحقق حاجته بشراء شيء واحد من جنس ما؛ لأنه قد لا يوافق حاجته أو رغبته، فيحتاج إلى أن يشتري أحد اثنين من الجنس، فيحملهما الشخص إلى من كلفه بالشراء، فيختار أيهما شاء، بالثمن المذكور، ويرد الباقي، فجاز الشراء لتعامل الناس، ولاتعامل فيما زاد على الأشياء الثلاثة، فيبقى الحكم فيه على أصل القياس (1).
ويلاحظ أن الأصح عند الحنفية في هذه الحالة عدم اشتراط تعيين مدة للخيار، كما في المدة المشترطة في خيار الشرط وهي: (ثلاثة أيام فما دونها عند
(1) البدائع: 157/ 5، فتح القدير: 130/ 5، 197.