الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ف
إن كانت العين في يد الأجير
ففيه حالتان:
1 -
إن كان لعمل الأجير أثر ظاهر في العين كالخياطة والصباغة والقصارة فيجب الأجر بتسليم الأثر المطلوب، فإن هلك الشيء قبل التسليم في يد الأجير سقط الأجر؛ لأن الأثر المعقود عليه وهو صيرورة القماش مثلاً مخيطاً لم يسلم، والبدل يقابل ذلك الأثر، فكان كالمبيع.
2 -
وإن لم يكن لعمل الأجير أثر ظاهر في العين كالحمال والملاح فيجب الأجر بمجرد انتهاء العمل، وإن لم يسلم العين لصاحبها؛ لأن البدل يقابل نفس العمل، فإذا انتهت مدة الإجارة، فقد فرغ من العمل، وصار مسلِّماً للعين التي هي ملك صاحبها، فلا يسقط الأجر بالهلاك بعدئذ.
حبس العين لاستيفاء الأجرة:
وبناء على اختلاف الحكم في الحالتين السابقتين قال الحنفية: إن كان للعمل أثر في العين المملوكة لصاحبها يجعل للأجير حق حبس العين، حتى يستوفي الأجر؛ لأن البدل مستحق بمقابلة الأثر المطلوب. وما لا أثر له لا يثبت فيه حق الحبس، إذ العمل المقعود عليه ليس في العين.
ولهذا قال الحنفية: إن الحمال إذا حبس المتاع الذي هو في يده ليستوفي الأجر فهلك يضمن؛ لأن العين أمانة في يده، فإذا حبس صار غاصباً، فيضمن.
وأما
إذا كانت العين المعمول فيها في يد المستأجر:
بأن يعمل الأجيرفي ملك المستأجر أو فيما في يده من فناء ملكه ونحوه، فيستحق الأجير أجرته بعد الفراغ من العمل إذا أكمله، وإن لم يكمله وعمل بعض العمل، فيستحق من الأجر بقدر ما أنجزه من العمل، ويصير المعمول مسلماً إلى صاحبه، ويملك المطالبة بقدره من المدة. فلو استأجر شخص رجلاً ليبني له بناء في داره أو فيما في يده كأن
يستأجره لبناء حجرة في داره أو لبناء سقيفة أو إيوان أو لحفر بئر أو قناة أو نهر في ملكه أو فيما في يده، فعمل بعضه، فله أن يطالب بقدر العمل من الأجرة.
ولكن يجبر على إتمام العمل حتى إنه لو انهدم البناء أو انهارت البئر أو سقط الإيوان، فإن كان بعد الفراغ من العمل لم يسقط شيء من الأجرة، وإن كان قبل الفراغ من العمل يجب بقدر حصة العمل.
هذا بخلاف ما إذا كان العمل في غير ملك المستأجر أو في يده، فإن الأجرة حينئذ يتوقف وجوبها على تمام العمل، فما لم يسلم الأجير العمل لا يصير المستأجر قابضاً للمعقود عليه، ويسقط الأجر إذا فسد المعقود عليه أو هلك قبل التسليم.
وبناء عليه: إذا استأجر شخص إنساناً ليضرب له لبناً في ملكه أو فيما في يده فلا يستحق اللبّان الأجرة، ولا يصير المستأجر قابضاً حتى يجف اللبن وينصبه في قول أبي حنيفة؛ لأن ذلك من تمام هذا العمل. وفي قول الصاحبين: لا يستحق الأجرة حتى يشرجه (1)؛ لأن تمام العمل به، ويترتب على هذا الخلاف أنه لو تلف اللبن قبل نصبه في قول أبي حنيفة، وقبل التشريج في قول الصاحبين، فلا أجر له لأنه تلف قبل تمام العمل (2).
أما إذا كان ضرب اللبن في غير ملك المستأجر أو في غير يده، فلا يستحق الأجير الأجرة إلا بالتسليم إلى صاحب اللبن، والتسليم: هو أن يخلي الأجير بين اللبن وبين المستأجر، بعد نصبه عند أبي حنيفة، وبعد تشريجه عند الصاحبين؛ لأن اللبن لم يكن في يد المستأجر، حتى يصير العمل مسلماً إليه، فلا بد من التخلية بعد الفراغ من العمل.
(1) شرَّج اللبن: نضد بعضه إلى بعض.
(2)
المبسوط: 16 ص 58، تبيين الحقائق: 5 ص 110.