الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن؛ لأنه نائب عن رب المال في التصرف، فلم يضمن من غير تفريط، كالوديع.
وإذا ظهرت خسارة كانت على رب المال وحده، واحتسب أولاً من الربح إن كان في المال ربح.
وإن شرط على العامل ضمان رأس المال إن تلف، بطل الشرط والعقد صحيح عند الحنفية والحنابلة. وبناء عليه: يكون تشغيل المال على حساب الربح مع ضمان رأس المال صحيحاً والشرط باطل.
وقال المالكية والشافعية: تفسد المضارب حينئذ، لأنه شرط فيه زيادة غرر يتنافى مع طبيعة العقد (1). لكن قال ابن قدامة في المغني 144/ 5 في المضاربة: «وإن قال: خذ هذا المال فاتجر به، وربحه كله لك، كان قرضاً لا قراضاً. وقال الدردير: يجوز أن يضمن العامل مال القراض ـ أي المضاربة ـ لربه لو تلف أو ضاع بلا تفريط في اشتراط الربح له، أي للعامل، بأن قال ربه (صاحب المال): اعمل فيه والربح لك؛ لأنه حينئذ صار قرضاً، وانتقل من الأمانة إلى الذمة (2).
2 ً -
وأما تصرفات المضارب:
فيختلف حكمها بحسب ما
إذا كانت المضاربة مطلقة
أو مقيدة.
والمطلقة كما عرفنا: أن يدفع المالك المال مضاربة من غير تعيين العمل والمكان والزمان وصفة العمل ومن يعامله. والمقيدة: أن يعين المالك شيئاً من ذلك.
فإذا كانت المضاربة مطلقة: فللمضارب أن يتصرف في مال المضاربة ما بدا
(1) تحفة الفقهاء: 25/ 3، المغني: 25/ 5، بداية المجتهد: 236/ 2.
(2)
أقرب المسالك مع بلغة السالك: 249/ 2.
له من أنواع التجارات، في سائر الأمكنة، مع سائر الناس، لإطلاق العقد، فله أن يشتري به ويبيع؛ لأن المقصود من المضاربة: هو تحصيل الربح، والربح لا يحصل إلا بالشراء والبيع، إلا أنه في الشراء مقيد بالمعروف، وهو أن يكون بمثل قيمة المشترى، أو بأقل منه مما يتغابن الناس في مثله؛ لأنه وكيل، وشراء الوكيل يقع على ما هو متعارف.
وأما بيعه فهو على الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في التوكيل بمطلق البيع.
فعند أبي حنيفة رضي الله عنه: يملك البيع نقداً ونسيئة وبغبن فاحش.
وعند الصاحبين: لا يملك البيع بالنسيئة، ولا بما لا يتغابن الناس في مثله، وإنما يتقيد بالمتعارف وهذا هو الرأي الأرجح. وهو ما ذهب إليه الشافعية والمالكية والحنابلة، إلا أن الحنابلة أجازوا للمضارب أن يبيع نقداً ونسيئة كما يقول أبو حنيفة.
وللمضارب أن يدفع المال بضاعة (1)؛ لأن الإبضاع من عادة التجار، ولأن المقصود من هذا العقد هو الربح، والإبضاع طريق إليه، ولأنه يملك الاستئجار فالإبضاع أولى؛ لأن الاستئجار استعمال شخص في المال بعوض، والإبضاع استعماله فيه بغير عوض، فكان أولى.
ولا يجوز عند المالكية الإبضاع إلا بإذن رب المال، وإلا ضمن (2).
وللمضارب عند الحنفية أن يودع، لأن الإيداع من عادة التجار ومن
(1) الإبضاع من مال الشركة: بأن يعطي إنساناً مالاً منه ليشتري له بضاعة من بلد كذا، من دون عوض.
(2)
الشرح الكبير: 521/ 3.
ضرورات التجارة. وليس للمضارب عند المالكية أن يأتمن على المال أحداً ولا أن يودعه، فإن خالف فهو ضامن.
وله أن يستأجر أجيراً ليعمل في المال؛ لأن الاستئجار من عادة التجار وضرورات التجارة. كما له أن يستأجر البيوت ليجعل المال فيها؛ لأنه لا يقدر على حفظ المال إلا به. وله أيضاً أن يستأجر السفن والدواب للعمل؛ لأن الحمل من مكان إلى مكان طريق لتحصيل الربح، ولا يمكنه النقل بنفسه.
وله أن يوكل بالشراء والبيع؛ لأن التوكيل من عادة التجار، ولأنه طريق الوصول إلى الربح. وله أن يرهن بدين عليه في المضاربة من مال المضاربة، وأن يرتهن بدين له منها على رجل؛ لأن الرهن بالدين والارتهان من باب إيفاء الدين واستيفائه، وهو يملكها. ولكن ليس له أن يرهن بعد نهي رب المال عن العمل ولا بعد موته؛ لأن المضاربة تبطل بالنهي والموت.
وللمضارب أن يسافر بالمال في الرواية المشهورة عند الحنفية، وكذلك عند المالكية وفي وجه عند الحنابلة (1)؛ لأن المقصود من المضاربة استنماء المال، ولأن العقد مطلق، كما أن اسم المضاربة دليل على جواز السفر؛ لأن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير (2). وقال الشافعي وفي وجه آخر عند الحنابلة: لا يسافر به إلا بإذن رب المال.
(1) قال القاضي أبو يعلى: قياس المذهب جوازه (أي سفر المضارب بالمال إذا لم يكن مخوفاً) بناء على السفر في الوديعة).
(2)
راجع هذه الأحكام في البدائع: 87/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 63/ 7، 79، مختصر الطحاوي: ص 125، المبسوط: 38/ 22 ومابعدها، 68، تبيين الحقائق: 57/ 5، 68، مجمع الضمانات: ص 305 ومابعدها، الدر المختار بهامش رد المحتار: 506/ 4، الشرح الكبير للدردير: 524/ 3، 528، مغني المحتاج: 315/ 2، 317، كشاف القناع: 263/ 2، المغني: 35/ 5 - 38، الخرشي: 211/ 6، ط ثانية.