الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويكون الشرط لا غياً غير مفسد إذا لم يكن فيه مصلحة لأحد كرد معيب بدل صحيح ورديء بدل جيد أو اشتراط أن يقرضه غيره.
ما يجب رده على المقترض:
يجب على المقترض أن يرد مثل المال الذي اقترضه إن كان المال مثلياً بالاتفاق، ويرد مثله صورة عند غير الحنفية إذا كان محل القرض مالاً قيمياً، كرد شاة تشبه الشاة التي اقترضها في أوصافها.
ووقت رد بدل القرض عند غير المالكية في أي وقت شاء المقرض بعد قبض المستقرض مال القرض؛ لأنه عقد لا يثبت فيه الأجل. وذهب المالكية إلى أن وقت رد بدل القرض عند حلول أجل وفاء القرض؛ لأن القرض يتأجل عندهم بالتأجيل، كما تقدم بيانه.
القرض الذي جرّ منفعة:
قال الحنفية في الراجح عندهم: كل قرض جر نفعاً حرام إذا كان مشروطاً، فإن لم يكن النفع مشروطاً أو متعارفاً عليه في القرض، فلا بأس به، وعلى هذا، لايجوز للمرتهن الدائن الانتفاع بالرهن إذا كان مشروطاً أو متعارفاً، وإن لم يكن كذلك فيجوز مع الكراهة التحريمية إلا أن يأذن الراهن فيحل، كما جاء في معتبرات كتب الحنفية، وقال بعضهم: لا يحل وإن أذن الراهن بالانتفاع. وهذا هو المتفق مع الروح العامة في الشريعة في تحريم الربا.
وكذلك
حكم الهدية للمقرض:
إن كانت بشرط كره أي تحريماً، وإلا فلا (1).
وقال المالكية: يفسد القرض الذي جر نفعاً؛ لأنه ربا، ويحرم الانتفاع بشيء
(1) رد المحتار: 4 ص 182، مجمع الضمانات: ص 109، مذكرات في الرهن للدراسات العليا لأستاذنا الشيخ علي الخفيف: ص 96.
من أموال المقترض كركوب دابته، والأكل في بيته لأجل الدين، لا للإكرام ونحوه، كما تحرم هدية المقترض لرب المال، إن قصد المهدي بهديته تأخير الدين ونحوه. ولم تكن هناك عادة سابقة قبل القرض بإهداء الدائن بالمثل صفة وقدراً، أو حدث موجب جديد كصهارة، أو جوار، وكان الإهداء لذلك لا للدين. والحرمة تتعلق بكل من الأخذ والدفع، وعندئذ يجب عليه ردها إن كانت باقية، فإن تلفت وجب عليه رد المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، هذا في حال بقاء علاقة الدين، أما عند وفاء الدين: فإن قضى المدين أكثر من الدين، فإن كان الدين بسبب بيع، جاز مطلقاً، سواء أكان المؤدى أفضل صفة أم مقداراً، في الأجل أم قبله أم بعده. وإن كان وفاء الدين بسبب سلف (أي قرض): فإن كانت الزيادة بشرط أو وعد أو عادة منعت مطلقاً، وإن كانت بغير شرط ولا وعد ولا عادة، جازت اتفاقاً عند المالكية في الأفضل صفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بَكْراً، وقضى جملاً بَكْراً خِياراً، كما سيأتي، واختلف في الأفضل مقداراً، ففي المدونة لمالك لا يجوز إلا في اليسير جداً، وأجازه ابن حبيب مطلقاً (1).
وقال الشافعية والحنابلة: لا يجوز قرض جرّ منفعة، مثل أن يقرضه ألفاً على أن يبيعه داره، أو على أن يرد عليه أجود منه أو أكثر منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن سلف وبيع» (2). والسلف: هو القرض في لغة الحجاز. وروي عن أبي بن كعب
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 3 ص 224 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 288 ومابعدها.
(2)
سبق تخريج هذا الحديث، وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ «لا يحل سلف ولا بيع» وله رواية أخرى عند الطبراني في معجمه عن حكيم بن حزام قال:«نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع خصال في البيع: عن سلف وبيع، وشرطين في بيع، وبيع ما ليس عندك، وربح ما لم يضمن» (راجع نصب الراية: 4 ص 19، مجمع الزوائد: 4 ص 85).
وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهم «نهوا عن قرض جرّ منفعة» (1) ولأن القرض عقد إرفاق (أي منفعة) وقربة، فإذا شرط فيه منفعة خرج عن موضوعه، فيكون القرض صحيحاً والشرط باطلاً، سواء أكانت المنفعة نقداً أم عيناً كثيرة أم قليلة.
فإن أقرض شخص غيره مطلقاً من غير شرط، فقضاه خيراً منه في الصفة، أو زاده في القدر، أو باع منه داره، جاز. ولا يكره للمقرض أخذه، لما روى أبو رافع رضي الله عنه قال:«استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بَكْراً (2)، فجاءته إبل الصدقة، فأمرني أن أقضي الرجل بكراً، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملاً خِياراً رَباعياً (3)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاء» (4). وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال:«كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، فقضاني وزادني» (5) وأما النهي عن قرض جر نفعاً، فهو ليس بحديث، كما أثبت الحافظ
(1) هكذا ذكر ابن قدامة في المغني: 4 ص 319. ورواه البيهقي في السنن الكبرى كذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفاً عليهم. وقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث علي بن أبي طالب بلفظ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة» وفي رواية «كل قرض جر منفعة فهو ربا» وإسناده ساقط، لأن في إسناده سوار بن مصعب الهمذاني المؤذن الأعمى وهو متروك. ورواه البيهقي في المعرفةبلفظ:«كل قرض جر نفعاً فهو وجه من وجوه الربا» قال عمرو بن بدر في المغني: لم يصح فيه شيء (راجع التلخيص الحبير: ص 245، نيل الأوطار: 5 ص 232، سبل السلام: 3 ص 53) وعلى كل فمعناه صحيح تؤيده قواعد الشريعة.
(2)
البكر: هو الثني من الإبل، والأنثى بكرة، وقال أبو عبيد: البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس.
(3)
الخيار: أي المختار، والرباعي: هو الذي ألقى رباعيته: وهي السن التي بين الثنية والناب: وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة.
(4)
رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة (راجع التلخيص الحبير: ص 245، الموطأ: 2 ص 168، نيل الأوطار: 5 ص 230).
(5)
رواه البخاري ومسلم وأحمد (راجع نيل الأوطار: 5 ص 231).