الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليك) وأنكر المودع، وقال:(لا، بل أتلفتها) فالقول قول الوديع، لأنه أمين في الحفظ، ولكن مع اليمين، كما تقدم.
فإن أقام المودع البينة على الإتلاف: يضمن الوديع، وكذا إذا استحلف الوديع على الإتلاف، فنكل. فلو أقام المودع البينة على أن الوديع أتلفها، وأقام الوديع البينة على أنها هلكت بنفسها، فبينة المودع أولى؛ لأنها أكثر إثباتاً؛ لأن فيها إثبات الهلاك وزيادة عليه وهو التعدي. فإذا أقام الوديع البينة على إقرار المودع أنها هلكت، تقبل بينته، ويكون هذا الإثبات تكذيباً لبينة المودع.
المبحث الخامس ـ حالات ضمان الوديعة:
يتغير حال الوديعة من الأمانة إلى الضمان بحالات، هي (1):
1 - ترك الوديع الحفظ:
لأنه بالعقد التزم حفظ الوديعة على وجه لو ترك حفظها حتى هلكت، يضمن بدلها بطريق الكفالة، فلو رأى إنساناً يسرق الوديعة، وهو قادر على منعه ضمن، لترك الحفظ الملتزم بالعقد.
2 - إيداع الوديع عند من ليس في عياله، ولا هو ممن يحفظ ماله بيده عادة:
إذا أخرج الوديع الوديعة من يده، وأودعها عند غيره بغير عذر، يصير ضامناً؛ لأن المودع ارتضى بحفظ الوديع الأول، دون حفظ غيره إلا إذا كان هناك عذر فلا يضمن، كأن وقع في داره حريق، أو كان في سفينة فخاف الغرق، فدفعها
(1) البدائع: 211/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 91/ 7 ومابعدها، المبسوط: 113/ 11، مجمع الضمانات: ص 68.
إلى غيره؛ لأن الدفع إليه في هذه الحالة تعين
طريقاً للحفظ، فكان الدفع بإذن المالك دلالة (1).
وإذا أودعها عند شخص آخر بغير عذر، فهلكت أو ضاعت وهي في يد الثاني، فالضمان على الأول، لا على المودع الثاني عند أبي حنيفة والحنابلة (2)؛ لأن الثاني محسن إلى المالك بصيانة الوديعة عن أسباب الهلاك، والله سبحانه يقول:{ما على المحسنين من سبيل} [التوبة:91/ 9] وأما المودع الأول فهو مخصوص من النص.
وقال الصاحبان: المالك بالخيار، إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني، فإن ضمن الأول، لا يرجع بالضمان على الثاني؛ لأنه ملك الوديعة بأداء الضمان، وإن ضمن الثاني يرجع به على الأول؛ لأن الأول غره بالإيداع، فيلزمه ضمان الغرور. وسبب التخيير هو أنه وجد من كل منهما سبب لوجوب الضمان فيخير المالك. أما الأول: فلأنه دفع مال الغير إلى غيره بغير إذنه، وأما الثاني: فلأنه قبض مال الغير بغير إذنه.
وأما إذا استهلك المودع الثاني الوديعة، فالمالك بالخيار: إن شاء ضمن وإن شاء ضمن الثاني بالاتفاق، غير أنه إن ضمن الأول يرجع بالضمان على الثاني، وإن ضمن الثاني لا يرجع بالضمان على الأول؛ لأن سبب وجوب الضمان وجد من الثاني حقيقة وهو الاستهلاك، ولم يوجد من الأول إلا الدفع إلى الثاني على طريق الاستحفاظ (3).
(1) البدائع: 208/ 6، تكملة فتح القدير: 91/ 7، المبسوط: 125/ 11، 132، حاشية ابن عابدين: 516/ 4.
(2)
القواعد لابن رجب: ص 217.
(3)
المراجع السابقة عند الحنفية.