الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وركنها: الإيجاب من أحد العاقدين والقبول من الآخر.
وأما صيغة العقد فلا خلاف في أنه ينعقد بلفظ يعبر بهما عن الماضي بأن يقول أحد العاقدين: أقلت، ويقول الآخر: قبلت أو رضيت ونحوهما.
فإن كان أحد اللفظين يعبر به عن الماضي، والآخر عن المستقبل، كأن يقول أحد العاقدين: أقلني، فيقول الآخر: أقلتك، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: ينعقد كما هو المقرر في عقد النكاح إذ أنه في العادة ليس في الإقالة مساومة بخلاف البيع، فيحمل اللفظ على الإيجاب.
وقال محمد: لا تنعقد الإقالة إلا بلفظين يعبر بهما عن الماضي، كما في البيع؛ لأن ركن الإقالة وهو الإيجاب والقبول، كركن البيع، والبيع لا ينعقد إلا بلفظين يعبر بهما عن الماضي.
ولا يتعين لفظ الإقالة وإنما تصح أيضاً بألفاظ أخرى مثل: فاسختك، وتركت البيع، وتاركتك، ورفعت. وكذا تصح بالتعاطي، ولو من أحد الجانبين، كما في المبيع، كأن يقطع البائع القماش قميصاً بمجرد قول المشتري:(أقلتك)(1).
ماهية الإقالة وحكمها:
اختلف الفقهاء في ماهية الإقالة، فقال المالكية والظاهرية: إنها بيع ثان؛ لأن المبيع عاد إلى البائع على الجهة التي خرج عليه منه، فهي تتم إذن بتراضي العاقدين، يجوز فيها ما يجوز في البيوع ويحرم فيها مايحرم في البيوع (2).
(1) البدائع: 5 ص 306، فتح القدير: 5 ص 246 ومابعدها، الدر المختار: 4 ص 151، درر الحكام لمنلا خسرو: 2 ص 178.
(2)
الشرح الكبير: 155/ 3، القوانين الفقهية: ص 272، المحلى: 9 ص 7.
وقال الشافعية والحنابلة: إنها فسخ؛ لأن الإقالة هي الرفع والإزالة ولأن المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به البيع، فكان فسخاً، كالرد بالعيب (1).
وأما الحنفية فاختلفوا فيما بينهم، فقال أبو حنيفة رحمه الله، وقوله هو الصحيح عند الحنفية:
الإقالة فسخ في حق العاقدين بيع جديد في حق ثالث غيرهما، سواء قبل القبض أو بعده، إلا إذا لم يمكن جعلها فسخاً فتبطل، كأن تلد البهيمة المبيعة بعد القبض لتعذر الفسخ بالزيادة المنفصلة. ودليله على أن الإقالة فسخ: هو أنها رفع لغة وشرعاً، ورفع الشي فسخه، وأما إنها بيع فلأن كل واحد من المتعاقدين يأخذ رأس ماله ببدل، وهذا معنى البيع. إلا أنه لا يمكن إظهار معنى البيع في حق العاقدين للتنافي (2)، فأظهرناه في حق ثالث غيرهما. وعلى هذا، فمن اشترى داراً، ولها شفيع فلم يطلب الشفعة بعد علمه بالبيع، ثم أقال العاقدان البيع، فيثبت للشفيع حق طلب الشفعة ثانياً؛ لأن الإقالة عقد جديد في حقه وهو المراد بالشخص الثالث هنا.
وقال أبو يوسف: الإقالة بيع جديد في حق العاقدين وغيرهما، إلا أن يتعذر جعلها بيعاً، فتجعل فسخاً، كأن تقع الإقالة قبل القبض في مبيع منقول؛ لأن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز، بخلاف العقار فإنه يجوز بيعه قبل القبض عنده وعند أبي حنيفة، فإقالته بيع. ودليله أن معنى البيع هو مبادلة المال بالمال، وهو أخذ بدل
(1) المغني: 4 ص 121 ومابعدها، غاية المنتهى: 2 ص 52، مغني المحتاج: 2 ص 96، قال النووي في المجموع (9 ص 156): إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب: وهي خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الخلف بأن كان شرطه كاتباً فخرج غير كاتب، والإقالة والتحالف، وتلف المبيع.
(2)
أي لاختلاف البيع والإقالة في الاسم، لأن البيع إثبات، والرفع نفي، وبينهما تناف.
وإعطاء بدل، وقد وجد، فكانت الإقالة بيعاً لوجود معنى البيع فيها، والعبرة للمعنى لا للصورة.
وقال محمد: الإقالة فسخ إلا إذا تعذر جعلها فسخاً، فتجعل بيعاً للضرورة، كما ذكر أثناء بيان قول أبي حنيفة. ودليله أن الأصل في الإقالة الفسخ، لأنها عبارة عن رفع الشيء لغة وشرعاً.
وقال زفر والشافعية والأكثرون من الحنابلة: إنها
فسخ في حق الناس كافة (1).
وتظهر ثمرة الاختلاف بين الحنفية فيما إذا تقايل العاقدان البيع بأكثر من الثمن الأول أو بأقل أو بجنس آخر، أو أجّلا الثمن في الإقالة:
فعلى قول أبي حنيفة: تصح الإقالة بالثمن الأول ويبطل ما شرطه المتعاقدان من الزيادة أو النقص أو الأجل، أو الجنس الآخر، سواء أكانت الإقالة قبل القبض أم بعده؛ لأنها فسخ في حق العاقدين، والفسخ رفع العقد، والعقد وقع بالثمن الأول، فيكون فسخه بالثمن الأول، ويبطل الشرط الفاسد، فإذا تقايل العاقدان على أكثر من الثمن الأول أو أقل على جنس آخر، يلزم الثمن الأول لا غير.
والحكم هكذا على قول زفر؛ لأن الإقالة عنده فسخ محض في حق الناس كافة. وعلى قول الشافعية والحنابلة: تبطل الإقالة في هذه الحالات بسبب الشرط الفاسد كما في البيع. وعلى هذا فلا يجوز في الإقالة الزيادة ولا النقصان عند الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأن الإقالة فسخ على أي حال، وعلى هذا إذا تمت
(1) البدائع: 5 ص 306، فتح القدير: 5 ص 247، الدر المختار ورد المحتار: 4 ص 154، القواعد لابن رجب: ص379، المراجع السابقة، الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة: ص 68، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 152، المغني: 121/ 4 ومابعدها.