الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما شركة المفاوضة بالمعنى الذي ذكره الحنفية والزيدية، فلا يجيزها الشافعية والحنابلة وجمهور الفقهاء، لأنه عقد لم يرد الشرع بمثله، ولأن تحقق المساواة بالمعنى المطلوب في هذه الشركة أمر عسير، ولأن فيها غرراً كثيراً وجهالة لما فيها من الوكالة بالمجهول والكفالة به، فلم تصح كبيع الغرر. وبيان وجه الغرر فيه: هو أنه يلزم كل واحد منهما ما لزم الآخر، وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه:«إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة، فلا باطل أعرفه في الدنيا» وأما الحديث السابق فهو غير معروف، ولا رواه أصحاب السنن؛ بل إنه ليس فيه ما يدل على أنه أراد هذا العقد، فيحتمل أنه أراد المفاوضة في الحديث، ولهذا روي فيه:«ولا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان» (1).
والواقع أن شركة المفاوضة بالمعنى المذكور عند الحنفية غير متيسرة الوجود، إن لم تكن متعذرة التحقيق (2).
ثانياً ـ تعريف شركة الوجوه أو الشركة على الذمم:
هي أن يشترك وجيهان عند الناس، من غير أن يكون لهما رأس مال، على أن يشتريا في ذممهما بالنسيئة (أي بمؤجل)، ويبيعا بالنقد، بما لهما من وجاهة عند
(1) المراجع السابقة. قال الحنابلة: شركة المفاوضة الصحيحة: هي تفويض كل شريك إلى صاحبه شراءً وبيعاً في الذمة، ومضاربة وتوكيلاً، ومسافرةً بالمال، وارتهاناً وضماناً، ما يرى من الأعمال، أويشتركان في كل ما يثبت لهما وعليهما إن لم يدخلا كسباً نادراً أو غرامة كوجدان لقطة أو ركاز وما يحصل من ميراث أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش أو جناية وعارية ومهر (غاية المنتهى: 182/ 2، وانظر المغني: 26/ 5). وقد تطلق شركة المفاوضة عند الحنابلة على أن يشترك الشريكان في جميع أنواع الشركة، مثل أن يجمعا بين شركة العنان والوجوه والأبدان. فيصح ذلك، لأن كل نوع منها يصح على انفراده، فصح مع غيره. (انظر المغني: 25/ 5).
(2)
الشركات في الفقه الإسلامي، المرجع السابق:61.
الناس، فيقولا: اشتركنا على أن نشتري بالنسيئة ونبيع بالنقد، على أن ما رزق الله سبحانه من ربح أي (من فرق الأثمان)، فهو بيننا على شرط كذا.
وسمي هذا النوع شركة الوجوه، لأنه لا يباع بالنسيئة إلا لوجيه من الناس عادة. وهي معروفة بالشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال.
وهي جائزة عند الحنفية والحنابلة والزيدية، لأنها شركة عقد تتضمن توكيل كل شريك صاحبه في البيع والشراء، وتوكيل كل واحد منهما صاحبه بالشراء على أن يكون المشترى بينهما صحيح، فكذلك الشركة التي تتضمن ذلك. هذا بالإضافة إلى أن الناس تعاملوا بها في سائر الأعصار من غير إنكار من أحد. والخلاصة: أن ما اتفقا عليه يعد عملاً من الأعمال، فيجوز أن تنعقد عليه الشركة (1).
وقال المالكية والشافعية والظاهرية والإمامية والليث وأبو سليمان وأبو ثور: إن هذه الشركة باطلة؛ لأن الشركة تتعلق بالمال أو بالعمل، وكلاهما معدومان في هذه المسألة (2)، فلا يوجد مال مشترك بين الشركاء، مع ما فيها من الغرر إذ إن كل شريك يعاوض صاحبه بكسب غير محدد بصناعة، أو بعمل مخصوص، فلم يكن الربح نماء للمال، ولا مقابلاً للعمل، فلايستحق.
وبناء على الرأي الأول يصح تباين الشريكين في حصتهما في ملكية الشيء المشترى، فيصح أن يكون لأحدهما النصف أو أكثر من النصف، لحديث الرسول عليه السلام:«المسلمون على شروطهم» . وأما الربح فيكون بينهما على قدر
(1) غاية المنتهى: 180/ 2، المغني: 12/ 5، البدائع: 57/ 6، فتح القدير: 30/ 5 ومابعدها، مجمع الضمانات: 303، المبسوط: 154/ 11. ويمكن اعتبار هذه الشركة صحيحة قانوناً على أساس أن رأس مالها هو مايشترى من السلع نسيئة.
(2)
بداية المجتهد: 252/ 2، الخرشي: 55/ 6، ط ثانية، مغني المحتاج: 212/ 2، المهذب: 346/ 1، الميزان للشعراني: 83/ 1، القوانين الفقهية:284.