الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المالكية في المشهور عندهم: ليس للمعير استرجاع العارية، قبل الانتفاع بها، وإذا كانت العارية إلى أجل، فلا يجوز للمعير الرجوع إلا بعد انقضاء الأجل. وإن لم يتحدد أجل، يلزم المعير من المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية، وقال الدردير في الشرح الكبير: الراجح أن للمعير أن يرجع في الإعارة ال
مطلقة
متى أحب (1).
وبهذا يظهر أن المالكية يسوغون الرجوع في العارية المطلقة ويمنعونه في العارية المقيدة بالشرط أو العمل أو الزمن أو العرف والعادة.
وسبب الخلاف بين الفريقين: هو ما يوجد في العارية من شبه العقود اللازمة وغير اللازمة.
الرجوع في الأرض المعارة للبناء أو الغراس أو الزراعة:
قال الحنفية: إذ اكانت الإعارة مطلقة، فللمعير صاحب الأرض أن يستردها في أي وقت شاء؛ لأن الإعارة غير لازمة، ويجبر المستعير على قلع الغرس ونقض البناء؛ لأن في الترك ضرراً بالمعير، ولا يضمن المعير شيئاً من قيمة الغرس أو البناء؛ إذ أنه لم يغرر المستعير بشيء حيث أطلق العقد، بل هو الذي غرر بنفسه، حيث حمل المطلق على الأبد فهو مغتر غير مغرور.
وإن كانت الإعارة
مؤقتة بوقت:
فللمعير استرداد العارية أيضاً للحديث السابق: «المنحة مردودة، والعارية مؤداة» . ولكن يكره الرجوع قبل انتهاء الوقت، لما فيه من خلف الوعد، وليس له إجبار المستعير على النقض والقلع، والمستعير حينئذ بالخيار: إن شاء ضمن المعير قيمة غرسه وبنائه؛ لأنه غره بتوقيت العارية،
(1) بداية المجتهد: 308/ 2، حاشية الدسوقي: 439/ 3.
ثم بإخراجه قبل الوقت، وإن شاء أخذ غرسه وبناءه إن لم يضر القلع بأرض المعير، فإن أضر القلع بها كان الخيار للمعير: إن شاء أخذ الغرس والبناء بالضمان، وإن شاء رضي بالقطع.
هذا ما ذكر الحاكم الشهيد في مختصره. وعند القدوري: يضمن المعير ما نقص البناء والغرس بالقلع؛ لأن المستعير مغرور، حيث وقت له المعير، إذ الظاهر الوفاء بالعهد، والمغرور يرجع على الغار، دفعاً للضرر عن نفسه.
وأما إذا استعار شخص أرضاً للزراعة، فلا تؤخذ منه، حتى يحصد الزرع، وقّت العارية أو لم يوقت؛ لأن للزرع نهاية معلومة، وفي ترك الزرع لوقت الحصاد بطريق الإجارة بأجر المثل مراعاة لحقي المعير والمستعير، بخلاف الغرس، لأنه ليس له نهاية معلومة، فيقلع دفعاً للضرر عن المالك (1).
وقال المالكية: الراجح أن للمعير أن يرجع في الإعارة المطلقة متى أحب، أما إذا كانت الإعارة مقيدة بشرط أو بعرف أو عادة، فلا يجوز الرجوع قبل انقضاء الأجل، وبناء عليه: إذا أعار أرضاً لبناء أو غرس، وبنى أوغرس، فإن لم يحصل تقييد بأجل، فللمعير إخراج المستعير، ويملك المعير بناء المستعير وغرسه، إن دفع له ما أنفق.
ففي الإعارة المقيدة على هذا النحو: ليس للمعير الرجوع في الأرض، إذا حصل البناء أو الغرس، قبل انقضاء أجل الإعارة، مالم يدفع للمستعير ما أنفقه، فإن انقضت مدة البناء أو الغرس المشترطة أو المعتادة، فالمالك بالخيار: إن شاء أمر المستعير بهدم البناء، وقلع الشجر، وتسوية الأرض، كما كانت؛ وإن شاء دفع
(1) البدائع: 217/ 6، تكملة فتح القدير: 109/ 7 ومابعدها، حاشية ابن عابدين: 527/ 4، 11، المبسوط: 141/ 11 ومابعدها، الكتاب مع اللباب: 203/ 2.
قيمة ذلك منقوضاً أو مقلوعاً، إذا كان مما له قيمة بعد القلع، بعد إسقاط أجرة من يهدمه ويسوي الأرض، إذا كان المستعير لا يتولى الأمر بنفسه أو خادمه (1).
وقال الشافعية والحنابلة: إذا كانت الإعارة للبناء أو الغراس، مطلقة المدة، فللمستعير أن ينتفع بالأرض مالم يرجع المعير، فإن رجع المعير بعد أن بنى المستعير أو غرس، فإن كان المعير قد شرط عليه القلع، لزمه قلعه، عملاً بالشرط، فإن امتنع فللمعير القلع.
ويلزم المستعير تسوية الأرض المحفورة، إن شرطت وإلا فلا يلزمه تسوية الحفر؛ لأنه لما شرط عليه القلع، رضي بما يحصل بالقلع من الحفر، ولأنه مأذون فيه، فلا يلزمه ضمان ما حصل به من النقص.
وإن لم يشرط عليه القلع: فإن اختار المستعير القلع، قلع، دون أن يلتزم المعير بدفع قيمة النقص. ويلزم المستعير بتسوية الأرض في الأصح عند الشافعية، ويحتمل أن تلزمه التسوية عند الحنابلة؛ لأن القلع حصل باختياره، فإنه لو امتنع منه لم يجبر عليه، فلزمه تسوية الحفر كما لو خرب أرضه التي لم يستعرها، إلا أن القاضي من الحنابلة ذكر أنه لا يلزمه تسوية الحفر؛ لأن المعير رضي بذلك، حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه، وهو الأصح عندهم.
وإن لم يختر المستعير القلع، فللمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة المثل، أو يقلع ويضمن قدرالنقص بين قيمته قائماً ومقلوعاً.
وإن كانت الإعارة لبناء أو غراس أو غيره مؤقتة، فللمعير الرجوع أيضاً، فإذا رجع أو انتهت المدة، طبقت الأحكام السابقة نفسها في الإعارة المطلقة: من ناحية اشتراط القلع أو عدم اشتراطه، وآثار ذلك.
(1) بداية المجتهد: 309/ 2، حاشية الدسوقي: 439/ 3، القوانين الفقهية: /373.