الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحور الثّالث
أثر الاستصناع في تنشيط الحركة الصّناعية:
لقد أدى الاستصناع في الماضي دوراً مهماً في الحياة العملية، فأفاد الصانع الذي قدَّم في صنعته خبرة معينة ومهارة فائقة، وأضفى على مادة الصنعة التي يقدمها من نفسه فنا خاصاً وإبداعاً جديداً، واستطاع بذلك إدخال تطوير وتعديل على صنعته، وأفاد المستصنع الذي استطاع من خلال الاستصناع الحصول على ما يرغب فيه وإرضاء ذوقه وتحقيق مصلحته على وفق المقاييس المناسبة له والفنون التي يتصورها ويتأمل توافرها لديه.
ثم انتشر الاستصناع انتشاراً واسعاً في العصر الحديث، فلم يعد مقصوراً على صناعة الأحذية والجلود والنجارة والمعادن والأثاث المنزلي من مفروشات وغيرها من الخزائن والمقاعد والمساند والصناديق، وإنما شمل صناعات متطورة ومهمة جداً في الحياة المعاصرة كالطائرات والسفن والسيارات والقطارات وغيرها، مما أدى إلى تنشيط الحركة الصناعية ونمو حركة المصانع والمعامل اليدوية والآلية، وقد أسهم كل ذلك بنحو واضح في رفاه الأفراد والمجتمعات وتوفير حاجات الدول ومصالحها.
ولم يقتصر الأمر على الصناعات المختلفة ما دام يمكن ضبطها بالمقاييس والمواصفات المتنوعة، وإنما يشمل أيضاً إقامة المباني وتوفير المساكن المرغوبة، وقد ساعد كل ذلك في التغلب على أزمة المساكن. ومن أبرز الأمثلة والتطبيقات لعقد
الاستصناع بيع الدور والمنازل والبيوت السكنية على الخريطة ضمن أوصاف محددة، فإن بيع هذه الأشياء في الواقع القائم لا يمكن تسويغه إلا على أساس الوعد الملزم بالبيع أو على عقد الاستصناع، ويعد العقد صحيحاً إذا صدرت رخصة البناء، ووضعت الخريطة، وذكرت في شروط العقد مواصفات البناء، بحيث لا تبقى جهالة مفضية إلى النزاع والخلاف، وقد أصبح من السهل ضبط الأوصاف، ومعرفة المقادير، وبيان نوع البناء، سواء بيع البناء على الهيكل، أم مكسياً كامل الكسوة، مع الاتفاق على شروط الكسوة، وأوصافها، من النوع الجيد أو الوسط أو العادي. ويتم تسديد الثمن عادة على أقساط ذات مواعيد محددة، وتحتسب الأقساط جزءاً من الثمن، فلا زكاة فيها إلا إذا فسخ العقد. أما مدة التسليم فيكون ذكرها عادة على سبيل الاستعجال والتقريب الزمني والحث على الإنجاز في وقت معقول، لأن المتعاقدين يقدران تماماً مدى المشكلات والعوائق التي تعترض التنفيذ في وقت محدد. ويصعب تصحيح هذا العقد على أساس عقد السلم؛ لأن الثمن يشترط دفعه كله عند العقد. ثم إن الدولة تعترف عادة بأن البيع على الخريطة بيع صحيح لازم.
وأما في مجال المقاولات التي يتم فيها عادة الاتفاق على مدة التسليم والإلزام بغرامات معينة عند التأخير، فهوأي التغريم جائز أيضاً وداخل تحت مفهوم ما يسمى قانوناً بالشرط الجزائي، وقد أقره القاضي شريح، وأيده قرار هيئة كبار العلماء في السعودية سنة 1394 هـ، قال شريح:«من شرط على نفسه طائعاً غير مكره، فهو عليه» (1).
(1) أعلام الموقعين 400/ 3، ط محي الدين عبد الحميد.