الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على التقييد من عرف أو غيره، فيتقيد به. وعليه إذا وكل رجلاً بشراء دابة وسمى نوعها وثمنها، بأن قال: حماراً أو نحوه، فاشترى دابة عوراء، جاز الشراء ولزم الموكل، وكذا إذا اشترى دابة عمياء أو مشلولة اليدين أو الرجلين، ألزم الموكل بالشراء عند أبي حنيفة؛ لأن اسم الدابة بإطلاقها يقع على هذه الدابة، كما يقع على سليمة الأعضاء، فلا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل.
وقال الصاحبان: لا يلزم الموكل بهذا الشراء، ويلزم الوكيل به؛ لأن الدابة تشترى لاستخدامها عرفاً وعادة، وغرض الاستخدام لايحصل عند فوات جنس المنفعة، فيتقيد المشترى بالسلامة عن هذه الصفة بدلالة العرف.
وإذا وكِّل إنسان بشراء شيء وكالة صحيحة ولم يسمِّ له الموكل ثمناً، فاشترى الوكيل الشيء بمثل القيمة، أو بأقل من القيمة، أو بزيادة يتغابن الناس في مثلها، جاز الشراء على الموكل. وإن اشترى الوكيل بزيادة لا يتغابن الناس في مثلها، يلزم الوكيل بالشراء؛ لأن الزيادة القليلة مما لا يمكن الاحتراز عنها، فجاز الشراء على الموكل، حتى لا يضيق الأمر على الوكلاء، ولتأمين حاجة الناس إلى الوكالات، وهذا هو الراجح لدى الحنفية.
وأما
الزيادة الكثيرة
فلا ضرورة فيها، لإمكان الاحتراز عنها (1).
والضابط المميز بين الزيادة القليلة والكثيرة في الراجح عند الحنفية هو كما عرفنا سابقاً: إن كانت الزيادة داخلة تحت تقويم المقومين لثمن الشيء، فهي قليلة، وإن كانت غير داخلة تحت تقويمهم فهي كثيرة؛ لأن الزيادة حينئذ تكون متحققة.
(1) الخلاصة أن الشراء بالغبن الفاحش لاينفذ على المشتري باتفاق أئمة الحنفية، أما البيع بغبن فاحش ففيه اختلاف، قال أبو حنيفة: ينفذ البيع على الموكل عملاً بإطلاق التوكيل، وقال الصاحبان: لا ينفذ البيع؛ لأن المطلق مقيد بالعرف، وهو الراجح.
ومنعاً من الاختلاف: لا بد للموكل الذي يوكل غيره بشراء شيء من تسمية جنسه وصفته، أو جنسه ومقدار ثمنه، إلا أن يوكله وكالة عامة، فيقول: اشتر لي ما رأيت؛ لأنه فوض الأمر إلى رأيه، فأي شيء يشتريه يكون ممتثلاً في رأي أبي حنيفة خلافاً للصاحبين إذ يتقيد بالعرف والعادة (1).
وقال المالكية والشافعية والحنابلة: إذا كانت الوكالة بالشراء مطلقة، فيلزم المشتري أن يشتري بثمن المثل، ولا يشتري بأكثر من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به من غير إذن الموكل؛ لأن الوكيل منهي عن الإضرار بالموكل، مأمور بالنصح له، وفي الزيادة على ثمن المثل في الشراء إضرار وترك للنصح (2). ولا يشتري شيئاً معيباً مع العلم بالعيب؛ لأن الموكل لم يأذن له بشراء المعيب، وقد لا يتمكن الموكل من رد المبيع لهرب البائع، فيتضرر بذلك.
وإذا وُكل رجل بشراء شيء بعينه لا يملك أن يشتريه لنفسه، وإذا اشترى يقع الشراء للموكل؛ لأن شراءه لنفسه عزل لنفسه عن الوكالة، وهو لا يملك العزل إلا بمحضر من الموكل.
أما إذا وكل بشراء شيء بغير عينه، فيكون الشراء لنفسه، إلا أن ينويه للموكل. والوكيل بالشراء لا يملك الشراء من نفسه، كما لا يملكه الوكيل بالبيع، وهذا باتفاق الحنفية والشافعية والحنابلة وكذا المالكية؛ لأن حقوق العقد كما عرفنا ترجع عند الحنفية والشافعية إلى الوكيل، ولا يمكن أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلِّماً ومتسلماً، مطالِباً ومطالباً، ولأنه متهم في الشراء من نفسه. وروي عن الإمام مالك: أنه يجوز للوكيل أن يشتري من نفسه بثمن المثل فأكثر (3).
(1) الكتاب مع اللباب: 142/ 3، 147.
(2)
بداية المجتهد: 298/ 2، الشرح الكبير: 382/ 3، المهذب: 354/ 1، المغني: 124/ 5.
(3)
بداية المجتهد، المرجع السابق، المغني: 107/ 5 ومابعدها، الميزان للشعراني: 85/ 2.
ويجوز عند المالكية: أن يبيع الوكيل لزوجته وولده الرشيد إذا لم يحابهما، كما يجوز له الشراء منهما مما وكل فيه إذا لم يكن محاباة لهما وقت الشراء.
وكذلك لا يملك الشراء من أبيه وجده وولده وولد زوجته، وكل من لا تقبل شهادته له عند أبي حنيفة. وأما عند الصاحبين: فيجوز إذا اشترى بمثل القيمة أو بأقل أو بزيادة يتغابن الناس في مثلها. وقد ذكرت أدلة مختلف الآراء في الوكالة بالبيع، وتعرف آراء المذاهب الأخرى في الشراء لنفسه وأصوله وفروعه من حكم البيع لنفسه.
وإذا وُكل إنسان بشراء طعام، فيراد به الحنطة والدقيق بقرينة الشراء في العرف.
وإذا وكل بشراء لحم ينصرف المقصود إلى اللحم الذي يباع في السوق، ويشتري الناس منه في الأغلب من لحم الضأن والمعز والبقر والإبل إن جرت العادة بشرائه، ولا ينصرف المراد إلى المشوي والمطبوخ إلا إذا كان مسافراً، ولا إلى لحم الطير والوحش والسمك ولا إلى شاة حية ولا إلى مذبوحة غير مسلوخة، لعدم جريان العادة بشرائه، ولا إلى البطن والكرش والكبد والرأس والكراع، لأنها ليست بلحم عرفاً.
ولو وكل إنسان بشراء سمك، فيراد به الطري الكبير، لا المملح ولا الصغير، لأن العادة كذلك.
ولو وكل بشراء الرأس، فيقصد منه الرأس النيء لا المطبوخ والمشوي ويحدد المطلوب برأس الغنم دون الإبل والبقر إلا في موضع جرت العادة بما اشتراه.
ولو وكل بشراء فاكهة، فله أن يشتري أي فاكهة تباع في السوق عادة. وإذا