الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتوكيل، ولا يصح التوكيل باليمين؛ لأن المقصود منها إظهار صدق الحالف وتعتمد على الإجلال والتعظيم والعبودية لله تعالى، وهذا أمر شرعي، ولا يصح التوكيل بالنكاح بمعنى الوطء؛ لأن المقصود به الإعفاف وإنجاب ولد ينسب إليه.
وتجوز الوكالة عند الجمهور في العبادات التي لها تعلق بالمال قبضاً وإخراجاً ودفعاً إلى المستحق كالزكاة والكفارة والنذر والصدقة والحج والعمرة عند العجز وبعد الموت، وذبح الهدي وجبران النقص في الإحرام بالحج أو العمرة وذبح الأضحية ونحوها (1)؛ لأن المقصود بها إيصالها لأهلها، ولم يجز المالكية التوكيل بالحج؛ لأن المقصود به تهذيب النفس وتعظيم شعائر الله (2)، وأما إنفاق المال فهو أمر عارض.
وقد اختلف الفقهاء في بعض الأمور التي يجوز التوكيل بها، مما يقتضينا قسمة ما يجوز التوكيل به وما لا يجوز إلى قسمين: إما أن يكون التوكيل بحقوق الله عز وجل وهي كل الحدود عند الحنفية، وعند غيرهم ما عدا حد القذف. وإما أن يكون بحقوق العباد.
أولاً ـ الوكالة في حقوق الله تعالى:
التوكيل في حقوق الله تعالى نوعان: أحدهما ـ بالإثبات، والثاني ـ بالاستيفاء.
1 - التوكيل بإثبات الحدود:
قال الحنفية: إن كان الحد لايحتاج في إظهاره
(1) تكملة ابن عابدين: 271/ 7، بداية المجتهد: 297/ 2، مغني المحتاج: 219/ 2، المغني: 83/ 5، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 377/ 3 ومابعدها، روضة الطالبين: 294/ 4.
(2)
وضع الشافعيةضابطاً لما يجوز التوكيل فيه وما لا يجوز، فقالوا: تصح الوكالة إلا في مجهول مطلق، كأن وكله في كل قليل وكثير، وإلا في حد أو قود، أو قبض في مال ربوي أو رأس مال سلم، وإلا في وطء، أو شهادة، أو يمين كإيلاء أو لعان، أو إقرار، أو ظهار، أو عبادة إلا نُسكاً من حج أوعمرة، وتفرقة زكاة وذبح أضحية (تحفة الطلاب: ص 169).
لكن استثناء القود محل نظر كما سيأتي. عند القاضي إلى الخصومة (أي للدعوى) كحد الزنا وشرب الخمر فلا يصح فيه التوكيل بإثباته؛ لأنه يثبت عند القاضي بالبينة أو الإقرار من غير حاجة إلى رفع دعوى من صاحب الحق، فتكفي فيه شهادة الحسبة بدون دعوى. فيتلخص من هذا أنه يشترط في الموكل فيه ألا يكون حداً من الحدود التي لا يشترط فيها إقامة الدعوى كحد الزنا وحد شرب الخمر.
وإن كان مما يحتاج فيه إلى الخصومة (أي إقامة دعوى) كحد السرقة وحد القذف فيجوز التوكيل بإثباته عند أبي حنيفة ومحمد، بإقامة البينة على الجريمة الموجبة للحد. ولا يجوز التوكيل بذلك عند أبي يوسف وإنما لا يثبت إلا بالبينة أو الإقرار من الموكل، وهذا الخلاف يجري أيضاً في إثبات القصاص، استدل أبو يوسف على رأيه؛ وهو أن الوكالة لا تجوز في إثبات الحدود والقصاص بالقياس على عدم جواز الوكالة بالاستيفاء، فكما لا يجوز التوكيل باستيفاء الحدود والقصاص لا يجوز التوكيل بإثباتها؛ لأن الإثبات وسيلة إلى الاستيفاء.
ورد أبو حنيفة ومحمد على دليل أبي يوسف بأن هناك فرقاً بين الإثبات والاستيفاء، فإن امتناع التوكيل بالاستيفاء بسبب وجود شبهة كما سنعرف، وتلك الشبهة غير متوفرة في التوكيل بالإثبات (1).
وقال الشافعية: لا يجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى، لأن الحق فيها لله سبحانه، وهو قد أمرنا بدرء الحدود والتوصل إلى إسقاطها، وبالتوكيل يتوصل إلى إيجاب الحد، فلا يجوز. أما إثبات القصاص وحد القذف فيجوز التوكيل فيهما؛ لأنهما حق آدمي، فجاز التوكيل في إثباته، كالحق في المال (2). ويجوز التوكيل عندهم في استيفاء الحدود كما سيأتي بيانه.
(1) البدائع: /21، تكملة فتح القدير: 7/ 6، مختصر الطحاوي: ص 109.
(2)
المهذب: 349/ 1، مغني المحتاج: 221/ 2.