الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي عن بيع المعدوم لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام الصحابة، وإنما ورد في السنة النهي عن بيع الغرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء أكان موجوداً أم معدوماً كبيع الفرس النافر والجمل الشارد، فليست العلة في المنع لاالعدم ولا الوجود.
بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض المواضع، فنره أجاز بيع الثمر بعد بدء صلاحه، والحب بعد اشتداده، ومعلوم أن العقد إنما ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد. وعلى هذا فبيع المعدوم إذا كان مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر لا للعدم، فالأصل إذن هو الغرر (1).
2 - بيع معجوز التسليم
يرى جمهور الحنفية كما في ظاهر الرواية: أنه لا ينعقد بيع معجوز التسليم عند العقد، ولو كان مملوكاً، كالطير الذي طار من يد صاحبه، أو العبد الآبق (الفارّ) واللقطة، ويكون البيع باطلاً، حتى لو ظهر الآبق ونحوه يحتاج إلى تجديد الإيجاب والقبول، إلا إذا تراضيا حينئذ، فيكون بيعاً مبتدءاً بالتعاطي.
ولو قدر على التسليم في المجلس لا يعود جائزاً، لأنه وقع باطلاً، وعن الكرخي والطحاوي: أنه يعود جائزاً.
فإن كان الطائر يذهب ويعود كالحمام الأهلي، ففي ظاهر الرواية: لا يجوز أيضاً بيعه لعدم القدرة على التسليم في الحال، وقال بعض الحنفية: إن كان الطائر داجناً يعود إلى بيته ويقدر على أخذه بلا تكلف جاز بيعه، وإلا فلا.
(1) راجع أعلام الموقعين: 2 ص 8 وما بعدها، مصادر الحق: 3 ص 40 ومابعدها، الغرر وأثره في العقود: ص 356 ومابعدها، الأموال ونظرية العقد: ص 308.
وكذا يبطل العقد إذا جعل معجوز التسليم ثمناً؛ لأن الثمن إذا كان عيناً، فهو مبيع في حق صاحبه (1).
وقال المالكية: لا ينعقد بيع البعير الشارد والبقرة المتوحشة والمغصوب إلا أن يبيعه من غاصبه.
وقال الشافعية والحنابلة: لا يجوز (أي لا ينعقد) بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو السمك في الماء والجمل الشارد، والفرس العائر (أي الهائم على وجهه) والمال المغصوب في يد الغاصب والعبد الآبق، سواء علم مكانه أو جهل، ومثله بيع الدار أو الأرض تحت يد العدو (2)؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
(1) وذكر الكرخي رحمه الله أنه ينعقد بيع الآبق، حتى لو ظهر وسلم يجوز ولايحتاج إلى تجديد البيع، ودليله: أن الإباق لايوجب زوال الملك، ألا ترى أنه لم ينفذ للحال للعجز عن التسليم، فإن سلم زال المانع، فينفذ، كبيع المغصوب الذي في يد الغاصب إذا باعه المالك لغيره، فإنه ينعقد موقوفاً على التسليم.
ووجه ظاهر الرواية: هو أن القدرة على التسليم شرط انعقاد العقد، لأنه لاينعقد إلا لفائدة، ولايفيد إذا لم يكن قادراً على التسليم، والعجز عن التسليم ثابت حالة العقد، وفي حصول القدرة بعد ذلك شك، واحتمال قد يحصل وقد لايحصل. ومالم يكن منعقداً بيقين لاينعقد لفائدة محتملة، بخلاف بيع المغصوب من غير الغاصب، فإنه ينعقد موقوفاً على التسليم، حتى لو سلم ينفذ، لأن المالك هنا قادر على التسليم بقدرة السلطان والقاضي وجماعة المسلمين إلا أنه لم ينفذ للحال، لوجود يد الغاصب صورة، فإذا سلم زال المانع، فينفذ، بخلاف الآبق، لأنه معجوز التسليم على الإطلاق، فأشبه بيع الآبق بيع الطير في الهواء، والسمك في الماء (البدائع: 5 ص 147 ومابعدها، فتح القدير: 5 ص 199، رد المحتار: 4ص112، مختصر الطحاوي: ص82، الأموال ونظرية العقد لأستاذنا محمد يوسف موسى: ص 314).
وقال المالكية: لايجوز (أي لاينعقد) بيع الآبق حال إباقه، إذا لم يعلم موضعه أو علم أنه عند من لايسهل خلاصه منه أو عند من يسهل خلاصه منه، ولم تعلم صفته فإذا كان معلوم الصفة، معلوم الموضع عند البائع والمشتري جاز، قال ابن رشد: وأظنه (أي الإمام مالك) اشترط أن يكون معلوم الإباق، ويتواضعان الثمن أي لايقبضه البائع حتى يقبض المشتري المبيع (بداية المجتهد: 2 ص 156، الشرح الكبير للدردير: 3 ص 11) وقد ذكرت حكم العبد الآبق لمجرد الاطلاع من الناحية التاريخية.
(2)
المهذب: 1 ص 263، المغني: 4 ص 200 ومابعدها، غاية المنتهى: 2 ص 10.
الحصاة، وعن بيع الغرر (1)، وهذا غرر، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد الآبق، وعن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن شراء ما في ضروعها، وعن شراء الغنائم حتى تقسم (2). وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» (3) علل النهي عن بيع السمك بأنه غرر، فدل على أن الغرر: ما لا يقدر على تسليمه. والمراد بالماء الذي لايجوز بيع السمك فيه هو الماء غير المحصور كماء البحر والنهر، فإن كان الماء محصوراً كماء البركة، فقال الحنفية والشافعية والحنابلة في الجملة: يجوز بيع السمك فيه إذا كان يمكن أخذه بدون اصطياد وحيلة. ولكن للمشتري خيار الرؤية عند الحنفية. ومنع المالكية بيع السمك في الغدير أو البركة (4).
والخلاصة: أن المذاهب الأربعة متفقة على بطلان بيع ما لا يقدر على تسليمه، مع الخلاف في بعض القيود أحياناً أو مع أقوال ضعيفة في المذهب.
وذهب الظاهرية إلى أنه لا يشترط في صحة البيع أن يكون المعقود عليه مقدور التسليم، وإنما الواجب ألا يحول البائع بين المشتري وبين ما اشتراه (5).
(1) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر» وقد سبق تخريجه. وبيع الحصاة مثل أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ماوقعت عليه هذه الحصاة ثم يرمي الحصاة (انظر جامع الأصول: 1ص441، نيل الأوطار: 5 ص 147).
(2)
رواه أحمد وابن ماجه عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري ونصه: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شراء مافي بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع مافي ضروعها إلا بكيل، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص» (انظر نيل الأوطار: 5 ص 149).
(3)
رواه أحمد موقوفاً ومرفوعاً والطبراني في الكبير كذلك، ورجال الموقوف رجال الصحيح (انظر مجمع الزوائد: 4 ص 80).
(4)
البدائع: 5 ص 295، بداية المجتهد: 2 ص 156، المهذب: 1 ص 263، المغني: 4 ص 202.
(5)
المحلى: 8 ص 449 وما بعدها، أصول البيوع الممنوعة: ص 130.