الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا أعار شخص أرضاً للزراعة، فله الرجوع، ما لم يزرع، فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها إلى وقت الحصاد، وعليه إبقاء الزرع إلى ذلك الوقت، فإن رجع المعير قبل الحصاد، وجب على المستعير دفع أجرة المثل من وقت الرجوع إلى الحصاد (1).
والخلاصة: إن المعير له الرجوع في الإعارة للبناء أو الغراس عند الشافعية والحنابلة والحنفية، سواء أكانت الإعارة مطلقة أم مؤقتة، وأما في الإعارة للزراعة فيقتصر أثر الرجوع على إعطاء المعير حق المطالبة بأجرة المثل، في المدة التي بين الرجوع والحصاد.
وعند المالكية: للمعير الرجوع في الإعارة المطلقة، وليس له الرجوع في الإعارة المقيدة، قبل انقضاء أجل العقد، فهذه الإعارة لازمة لانتهاء الأجل المعلوم.
المبحث الرابع ـ حال العارية: هل هي مضمونة أو أمانة
؟ قال الحنفية: إن الشيء المستعار أمانة في يد المستعير، في حال الاستعمال وفي غير حال الاستعمال، لا يضمن على كل حال إلا بتعدٍ أو تقصير؛ لأنه لم يوجد من المستعير سبب وجوب الضمان، فلا يجب عليه الضمان، كالوديعة والإجارة؛ لأن الضمان لا يجب على المرء بدون فعله، ولم يفعل ما يوجب الضمان؛ لأنه يقوم بحفظ مال الغير، وهذا إحسان في حق المالك، قال تعالى:{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن:60/ 55](2).
(1) المهذب: 364/ 1، مغني المحتاج: 271/ 2 - 273، المغني: 212/ 5 ومابعدها.
(2)
المبسوط: 135/ 11، البدائع: 217/ 6، تكملة فتح القدير: 103/ 7، مجمع الضمانات للبغدادي: /55، الكتاب مع اللباب: 202/ 2.
وقال المالكية (1): يضمن المستعير ما يُغاب عليه: وهو ما يمكن إخفاؤه كالثياب والحلي والسفينة السائرة في عرض البحر، وذلك إذا لم يكن على التلف أو الضياع بينة على حصوله بلا سبب منه، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه كالحيوان والعقار، ولا فيما قامت البينة على تلفه. ودليلهم الجمع والتوفيق بين حديثين: أولهما ـ أنه عليه الصلاة والسلام قال لصفوان بن أمية: «بل عارية مضمونة مؤداة» وفي رواية «بل عارية مؤداة» وثانيهما ـ حديث: «ليس على المستعير غير المغل ـ أي الخائن ـ ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان» فحمل الضمان على ما يغاب عليه، والحديث الآخر على ما لا يغاب عليه. وهذا المذهب قريب في شطره من مذهب الحنفية في أن العارية أمانة (2).
والأصح عند الشافعية: أن العارية مضمونة على المستعير بقيمتها يوم التلف إذا تلفت بغير الاستعمال المأذون فيه وإن لم يفرط، لحديث صفوان:«بل عارية مضمونة» ولأنه مال يجب رده لمالكه، فيضمن عند تلفه كالشيء المتسلم، أي المقبوض على سوم الشراء، أما إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه فلا ضمان (3)، لحدوث التلف عن سبب مأذون فيه، فلو تعسرت الدابة من ثقل حمل مأذون فيه أو ماتت به، أو انمحق أي (تلف بالكلية) ثوب يلبسه المأذون فيه، أو سقط ثور في
(1) بداية المجتهد: 308/ 2، حاشية الدسوقي: 436/ 3، القوانين الفقهية: /373، والحديثان تقدم تخريجهما.
(2)
تتلخص أحكام العارية عند المالكية بأربعة وهي: 1 - الضمان، 2 - الانتفاع للمستعير حسبما يؤذن له، 3 - اللزوم إن كانت لأجل معلوم أو قدر معلوم، كعارية الدابة إلى موضع كذا، فلا يجوز لصاحبها أخذها قبل ذلك، 4 - إذا قال المستعير: كانت عارية، وقال صاحبها: كانت كراء، فالقول قوله مع يمينه (القوانين الفقهية: /373).
(3)
قال البغدادي في مجمع الضمانات: ص 55: محل الخلاف (أي بين الحنفية والشافعية) في ضمان المستعير: أن تهلك العارية في غير حالة الانتفاع، أما لو هلكت في حالة الانتفاع لم يضمن بالإجماع.
ساقية استعير لاستعماله فيها، فلا ضمان في هذه الحالات كلها (1). كذلك لايضمن المستعير ما استعاره ليرهنه، فرهنه، فتلف عند المرتهن. لكن يشترط ذكر جنس الدين وقدره وصفته والمرهون عنده.
ويد المستعير على العارية عند الشافعية يد ضمان في أثناء الاستعمال غير المأذون فيه، فيضمنها بالتلف سواء تعدى أم لم يتعد، وسواء قصر في حفظها أم لم يقصر، قال النووي في المنهاج: فإن تلفت (أي العين المستعاره عند المستعير) لا باستعمال لها مأذون فيه، ضمنها، وإن لم يفرط، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم:«بل عارية مضمونة» ولأنه مال يجب رده لمالكه، فيضمن عند تلفه، كالمستام، أي الذي يسوم السلعة.
والأصح أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف، لا بأقصى القيم، ولا بيوم القبض.
وقال الحنابلة في ظاهر المذاهب (2): إن العارية مضمونة على المستعير مطلقاً، تعدى أو لم يتعد، بقيمتها يوم التلف، بدليل حديث صفوان بن أمية السابق الإشارة إليه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه درعاً يوم حنين، فقال ـ فيما رواه أحمد وأبو داود ـ أغصباً يا محمد؟ قال:«بل عارية مضمونة» فهذا إخبار بصفة العارية وحكمها، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة.
(1) المجموع 204/ 14 ومابعدها، المهذب: 363/ 1، مغني المحتاج: 267/ 2، 274، الأشباه والنظائر للسيوطي: 150، الإقناع وحاشية البجيرمي عليه: 136/ 3، 139، متن أبي شجاع مع حاشية الباجوري: 10/ 2، تحفة الطلاب: /166،كناية الأخيار: 555/ 1.
(2)
كشاف القناع: 76/ 4 ومابعدها، المغني: 203/ 5، القواعد لابن رجب: /59.