الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - بيع العنب لعاصر الخمر:
يتفرع أيضاً على القاعدة السابقة في أوائل بحث البيع السابق: الخلاف في بيع العنب لمن يعرف أنه يعصره خمراً. وأذكر هنا خلاف العلماء فيه.
قال أبو حنيفة والشافعي: يصح في الظاهر مع الكراهة بيع العنب لعاصر الخمر، وبيع السلاح لمن يقاتل به المسلمين، لعدم تحققنا أنه يتمكن من اتخاذه خمراً أو يقاتل بالسلاح المسلمين، ويؤاخذ الإنسان على مقاصده. أما الوسائل فقد يحال بين الإنسان وبينها، والمحرم في البيع هو الاعتقاد الفاسد، دون العقد نفسه، فلم يمنع صحة العقد، كما لو دلس العيب (1) أي أن الحكم على العقد بظاهره شيء، والدافع إليه شيء آخر.
وقال المالكية والحنابلة: بيع العصير ممن يتخذه خمراً باطل، وكذا بيع السلاح لأهل الحرب أو لأهل الفتنة، أو لقطاع الطرق، سداً للذرائع؛ لأن ما يتوصل به إلى الحرام فهو حرام، ولو بالقصد، ولقوله تعالى:{ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة:2/ 5] وهذا نهي يقتضي التحريم، وإذا ثبت التحريم فالبيع باطل (2).
8 - البيعتان في بيعة أو الشرطان في بيع واحد:
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعتين وعن شرطين في بيع، روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة» وعن عمرو بن
(1) المهذب: 267/ 1، تكملة فتح القدير: 127/ 8، مختصر الطحاوي: ص 280.
(2)
المغني: 222/ 4 ومابعدها، الموافقات للشاطبي: 361/ 2.
شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يَضْمن، ولا بيع ما ليس عندك» (1).
واختلف في تفسير البيعتين في بيعة: فقال الشافعي: «له تأويلان: أحدهما ـ أن يقول: بعتك بألفين نسيئة، وبألف نقداً، فأيهما شئت أخذت به، على أن البيع قد لزم في أحدهما وهذا بيع فاسد (أي باطل) لأنه إبهام وتعليق. والثاني ـ أن يقول:(بعتك منزلي على أن تبيعني فرسك).
وحكمة منع صورة الصفقة الأولى هو اشتمالها على غرر بسبب الجهل بمقدار الثمن، فإن المشتري لا يدري وقت تمام العقد هل الثمن عشرة مثلاً أو خمسة عشر.
ومن الحكمة في تحريم العقد الثاني منع استغلال حاجات الآخرين، وذلك في حالة كون المشتري مضطراً إلى شراء شيء، فيكون اشتراط البائع عليه في شراء شيء منه من قبيل الاستغلال مما يؤدي إلى فوات حقيقة الرضا في هذا العقد، ثم إن فيه غرراً أيضاً لا يدري البائع هل يتم البيع الثاني أو لا.
واختلف في تفسير الشرطين في بيع: فقيل: هو أن يقول: بعت هذا نقداً بكذا، وبكذا نسيئة. وقيل: هو أن يشترط البائع على المشتري ألا يبيع السلعة ولايهبها. وقيل: هو أن يقول: بعتك هذه السلعة بكذا على أن تبيعني السلعة الفلانية بكذا» (2) وقيل في تفسير ذلك: هو أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة إلى
(1) أخرجه أصحاب السنن، ورواه أحمد أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو ابن العاص) قال الترمذي:«حديث حسن صحيح» واختصره ابن ماجه، فذكر منه:«ربح مالم يضمن، وبيع ماليس عندك» فقط. والمراد بربح مالم يضمن: أنه لايجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها، مثل: أن يشتري سلعة ويبيعها إلى آخر قبل قبضها من البائع الأول، فهذا البيع باطل، وربحه لايجوز، لأن المبيع في ضمان البائع الأول، وليس في ضمان المشتري (انظر نصب الراية: 18/ 4، نيل الأوطار: 179/ 5).
(2)
المنتقى على الموطأ: 36/ 5، نيل الأوطار: 151/ 5 - 153، سبل السلام: 16/ 3 ومابعدها.
شهر، فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال: بعني القفيز الذي لك علي إلى شهرين بقفيزين، فصار ذلك بيعتين في بيعة؛ لأن البيع الثاني قد دخل على الأول، فيرد إليه أو كسهما (أنقصهما) وهو الأول.
وبهذا يظهر أن البيعتين في بيعة والشرطين في بيع واحد بمعنى واحد. وقد اختلف العلماء في حكمه.
قال الحنفية: البيع فاسد؛ لأن الثمن مجهول، لما فيه من تعليق وإبهام دون أن يستقر الثمن على شيء: هل حالاً أو مؤجلاً. فلو رفع الإبهام وقبل على إحدى الصورتين، صح العقد (1). والعلة في تحريم بيعتين في بيعة: عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين، والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك، ولزوم الربا في صورة بيع قفيز الحنطة.
وقال الشافعية والحنابلة: إن هذا العقد باطل؛ لأنه من بيوع الغرر بسبب الجهالة، لأنه لم يجزم البائع ببيع واحد، فأشبه مالو قال: بعتك هذا أو هذا، ولأن الثمن مجهول، فلم يصح كالبيع بالرقم المجهول، ولأن أحد العوضين غير معين ولامعلوم، فلم يصح كما لو قال: بعتك أحد منازلي (2).
وقال مالك: يصح هذا البيع، ويكون من باب الخيار، فيذهب العقد على إحدى الحالتين، وهومحمول على أنه جرى بينهما بعدئذ مايجري في العقد، فكأن المشتري قال: أنا آخذه بالنسيئة بكذا، فقال: خذه، أو قد رضيت، ونحو ذلك
(1) البدائع: 158/ 5، رد المحتار: 30/ 4.
(2)
المهذب: 267/ 1، مغني المحتاج: 31/ 2، المغني: 234/ 4.