الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الحنابلة (1): ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن؛ لأن التسليم من مقتضيات العقد، فإن اختلف العاقدان في التسليم، فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع، والثمن في الذمة، أجبر البائع على تسليم المبيع، ثم أجبر المشتري على تسليم الثمن.
وقال الشافعية (2): للبائع حبس المبيع حتى يقبض الثمن إن خاف فوته، وكذا للمشتري حبس الثمن إن خاف فوت المبيع.
ما يسقط حق الحبس وما لا يسقطه:
لو قدم المشتري رهناً أو كفيلاً بالثمن لا يسقط حق الحبس، لأن الرهن والكفالة لا يسقطان الثمن عن ذمة المشتري، ولا حق المطالبة به، فيبقى حق الحبس لاستيفاء الثمن، وكل ما في الأمر أن الرهن والكفالة وثيقة بالثمن.
وأما الحوالة بالثمن فتسقط حق الحبس عند أبي يوسف سواء أحال البائع رجلاً على المشتري بالثمن وقبل، أم أحال المشتري البائع على رجل؛ لأن البائع حينئذ في حكم المستوفي، لأن حق الحبس مرتبط ببقاء الدين في ذمة المشتري، وذمته برئت من دين المحيل بالحوالة فيبطل حق الحبس، ولذا ينقطع حقه في مطالبة المشتري بالثمن، وينحصر حق المطالبة بالشخص المحال عليه.
وقال محمد: إن كانت الحوالة من المشتري لا تبطل حق الحبس، وللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي من المحال عليه. وإن كانت من البائع: فإن كانت الحوالة مطلقة لا تبطل حق الحبس أيضاً، وإن كانت مقيدة بأن أحال غريماً له على المشتري
(1) المغني: 198/ 4.
(2)
مغني المحتاج: 75/ 2.
ليقبض الدين الذي له عليه، تبطل الحوالة حق الحبس، دليله: أن حق البائع بمطالبة المشتري بأداء الثمن لم يبطل بحوالة المشتري، أو بحوالته المطلقة، فلم يبطل حق الحبس، وأما في الحوالة المقيدة فيبطل حق المطالبة من البائع للمشتري بهذه الحوالة، فيسقط حق الحبس (1).
قال الكاساني: «والصحيح اعتبار قول محمد، لأن حق الحبس في الشرع يدور مع حق المطالبة بالثمن، لا مع قيام الثمن في ذاته» (2).
والخلاصة: إن حق الحبس يسقط بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقاً، وكذا بحوالة المشتري البائع به على رجل عند أبي يوسف. وعند محمد: فيه روايتان، أرجحهما ما ذكر.
ولو أعار البائع المبيع للمشتري أو أودعه عنده، سقط حق الحبس، حتى لا يملك استرداده في ظاهر الرواية؛ لأن الإعارة والإيداع أمانة في يد المشتري، وهو لا يصلح نائباً عن البائع في وضع يده لأنه أصل في ملك الشيء، فكان أصلاً في وضع اليد، فإذا ثبتت يد المشتري على المبيع، كانت يده يد ملك، ويد الملك لازمة، فلا يملك أحد إبطالها بالاسترداد (3).
ولو أودع المشتري المبيع عند البائع أو أعاره منه أو آجره، لم يسقط حق الحبس؛ لأن هذه التصرفات لم تصح من المشتري؛ لأن يد الحبس بطريق الأصالة ثابتة للبائع، فلا يصح أن يصير نائباً عن غيره (4).
(1) المبسوط: 13 ص 195، البدائع: 5 ص 250 ومابعدها، رد المحتار: 4 ص 44.
(2)
البدائع، المرجع السابق: ص 251.
(3)
البدائع: 5 ص 250، حاشية ابن عابدين: 4 ص 44.
(4)
البدائع، المرجع السابق نفسه: 5 ص 246.