الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما
المقاصة برأس مال السلم
بدين آخر على المسلم إليه: كأن وجب على المسلم إليه لرب السلم دين مثل رأس مال السلم، فهل تقع المقاصة بين رأس المال هذا وبين ذلك الدين؟ هنا ثلاث حالات أيضاً:
1ً - أن يجب الدين بعقد متقدم على السلم: بأن كان رب السلم قد باع إلى المسلم إليه (1) ثوباً بعشرة دراهم مثلاً، ولم يقبضها، ثم عقدا عقد سلم بينهما، كأن أسلم رب السلم إلى المسلم إليه عشرة دراهم في مد حنطة، فإن تراضيا على المقاصة بالدينين (الدين السابق وهو ثمن المبيع، والدين اللاحق وهو رأس مال السلم) صحت المقاصة استحساناً، وإن أبى أحدهما لم تقع المقاصة. والقياس يقضي بعدم وقوع المقاصة وهو قول زفر.
وجه القياس: أن قبض رأس مال السلم شرط شرعي لصحة السلم كما هو معروف، ولكن بالمقاصة لم يحصل القبض فعلاً، فيبطل السلم إذا افترق العاقدان بدون تحقيق شرط القبض.
ووجه الاستحسان: أن القبض وإن كان مطلوباً في عقد السلم، إلا أنه إذا تمت المقاصة تبين أن عقد السلم لا يتطلب تحقيق قبض رأس المال فعلاً، وإنما يكفي أن يتم القبض بطريق المقاصة، كما لو اتفق البائع والمشتري على الزيادة في الثمن والمثمن، فإن ذلك يلتحق بأصل العقد، ويقع البيع فعلاً على الزيادة.
2ً - أن يجب الدين بقبض مضمون متأخر عن عقد السلم كالغصب والقرض، فإنه تقع المقاصة جبراً عن رب السلم والمسلم إليه، كما في الصرف؛ لأن قبض الغصب والقرض قبض حقيقة، فيجعل نائباً عن قبض رأس مال السلم إذا تساوى الدينان.
(1) أطلق على العاقدين وصف (رب السلم والمسلم إليه) باعتبار ماسيكون.
3ً - أن يجب الدين بعقد متأخر عن السلم، كأن يحدث شراء شيء من المسلم إليه لرب السلم، فلا تصح المقاصة وإن اتفقا عليها إلا في رواية شاذة عن أبي يوسف؛ لأن المقاصة تتطلب وجود دينين، ولم يكن عند انعقاد السلم إلا دين واحد، فتبين أن عقد السلم يتطلب قبضاً في الحقيقة، وما يتم بالمقاصة ليس كذلك.
هذا هو المذكور في البدائع (1)، فإن صاحبها الكاساني سوى بين رأس مال السلم وبدل الصرف في المقاصة.
لكن المعول عليه ما في كتاب الجامع الصغير للإمام محمد وغيره من كتب الحنفية (2)، فإنهم فرقوا بين بدل الصرف ورأس مال السلم، فلم يجيزوا المقاصة برأس مال السلم مع دين آخر مطلقاً، سواء وجب الدين بعقد متقدم أو متأخر عن عقد السلم؛ لأن المسلم فيه دين في ذمة المسلم إليه، فلو صحت المقاصة بين رأس مال السلم، ودين على المسلم إليه بحيث يصبح هذا الدين ر أس مال السلم، وقع العاقدان في محظور شرعي وهو مبادلة الدين بالدين، أو الافتراق عن دين بدين لأن رأس المال لا يتعين بالمقاصة.
وهذا بخلاف المقاصة ببدل الصرف مع دين متقدم أو متأخر عنه ثابت بعقد بيع مثلاً؛ لأن المبيع الذي يقابل الدين (أي الثمن) مثلاً هو عين لا دين أي غير مشترط قبضه في مجلس العقد، فتؤدي المقاصة ببدل الصرف مع مقابل هذا المبيع إلى مبادلة عين بدين أو الافتراق عن عين بدين، وهو جائز كما هو معلوم شرعاً،
(1) البدائع: 206/ 5 وما بعدها.
(2)
الجامع الصغير: ص 92، تبيين الحقائق: 140/ 4، المبسوط: 20/ 14، بحث المقاصة للأستاذ محمد سلام مدكور: ص 107 وما بعدها.