الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للعرف كسائر الألفاظ المطلقة، قال النووي: وهذا هو المختار للفتوى. وبعض الشافعية كابن سريج والروياني خصص جواز بيع المعاطاة بالمحقرات أي غير النفيسة: وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة كرطل خبز وحزمة بقل
ونحوها (1).
ويلاحظ أن الفقهاء أجمعوا على أن الزواج لا ينعقد بالفعل، بل لا بد من القول للقادر عليه لخطره، فكان لا بد من الاحتياط له، وإتمامه بأقوى الدلالات على الإرادة: وهو القول.
2 - صفة الإيجاب والقبول ـ الكلام في خيار المجلس:
لا يكون كل من الإيجاب والقبول لازماً قبل وجود الآخر، فإذا وجد أحدهما لا يلزم قبل وجود الشطر الآخر، ويكون لكل من المتعاقدين حينئذ خيار القبول والرجوع، فإذا تم الإيجاب والقبول، فهل يكون لأحد العاقدين في مجلس العقد خيار الرجوع؟
اختلف العلماء فيه.
فقال الحنفية والمالكية والفقهاء السبعة بالمدينة (2): يلزم العقد بالإيجاب والقبول؛ لأن البيع عقد معاوضة، يلزم بمجرد تمام لفظ البيع والشراء، ولا يحتاج إلى خيار مجلس، ولقول عمر رضي الله عنه:«البيع صفقة أو خيار» .
وقالوا عن حديث «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا» : المراد بالمتبايعين: هما
(1) مغني المحتاج: 2 ص 3 ومابعدها، المهذب: 1 ص 257، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 89، ط التجارية.
(2)
فقهاء المدينة السبعة هم: سعيد بن المسيب (توفي 94 هـ)، عروة بن الزبير (94 هـ)، القاسم بن محمد (106هـ)، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (94هـ)، عبيد الله بن عتبة بن مسعود (98هـ)، سليمان بن يسار (107هـ)، خارجة بن زيد بن ثابت (99هـ).
المتساومان والمتشاغلان بأمر البيع، والمراد بالتفرق التفرق بالأقوال: وهو أن يقول الآخر بعد الإيجاب: لا أشتري، أو يرجع الموجب قبل القبول، فالخيار قبل القبول ثابت. ورد بعضهم هذا الحديث لمعارضته لآية {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء:29/ 4] وآية {أوفوا بالعقود} [المائدة:1/ 5] وقال بعضهم: إنه منسوخ.
يظهر من هذا أن خيار المجلس مقصور عند هؤلاء على ما قبل تمام العقد، فإذا أوجب أحد المتعاقدين، فالآخر بالخيار: إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء رد، وهذا هو خيار القبول (1) وخيار الرجوع.
وقال الشافعية والحنابلة وسفيان الثوري وإسحاق: إذا انعقد البيع بتلاقي الإيجاب والقبول، يقع العقد جائزاً أي غير لازم، ما دام المتعاقدان في المجلس، ويكون لكل من المتبايعين الخيار في فسخ البيع أو إمضائه ما دام مجتمعين لم يتفرقا أو يتخايرا، والمحكَّم في التفرق: العرف (2): وهو أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه.
(1) البدائع: 5 ص 134، فتح القدير: 5 ص 78، بداية المجتهد: 2 ص 169 ومابعدها، حاشية الدسوقي: 3 ص 81،المنتقى على الموطأ: 5 ص 55، القوانين الفقهية: ص 274، كشاف القناع: 187/ 3، ط مكة.
(2)
مغني المحتاج: 2 ص 43، 45، المغني: 3 ص 563، المهذب: 1 ص 257. قال بعض الحنابلة: يختلف العرف في التفرق باختلاف مواضع البيع:: ففي فضاء واسع أو سوق: يكون التفرق بمشي أحد العاقدين مستدبراً لصاحبه خطوات بحيث لا يسمع كلامه المعتاد، وفي السفينة بصعود أحدهما لأعلاها، أونزوله لأسفلها، وفي قارب صغير بخروج أحدهما منه ويمشي، وفي دار كبيرة بخروجه من بيت أو مجلس لآخر، وفي دار صغيرة بصعود أحدهما السطح أو خروجه منها. ولا يحصل التفرق ببناء حائط بين العاقدين، ولا إن ناما أو مشيا جميعاً (راجع غاية المنتهى: 2 ص 30).
والمراد به التفرق بالأبدان، وهو التفرق حقيقة. وهو الذي يكون لذكره في الحديث فائدة، لأنه معلوم لكل واحد أن المتعاقدين بالخيار إذا لم يقع بينهما عقد بالقول.
وهذا هو خيار المجلس الثابت في أنواع البيع، لما روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال:«البيِّعان بالخيار، ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر: اختر» (1) أي اختر اللزوم. قال ابن رشد: وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق الأسانيد، وأصحها. وقد أثبت ابن حزم في المحلى تواتره.
وردوا على المالكية والحنفية بأن اللفظ الوارد في هذا الحديث لا يحتمل ما قالوه (أي التفرق بالأقوال) إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ولا اعتقاد، إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع، بعد الاختلاف فيهما. وتأويلهم يبطل فائدة الحديث، لأنه من المعلوم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه، وإتمامه، أو تركه، ومعنى قول عمر السابق:«البيع صفقة أو خيار» هو أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار، وبيع لم يشترط فيه الخيار، وقد سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه.
إلا أنه أخذ على هذا الرأي كونه يهدر أو يزعزع القوة الملزمة للعقد، وهو مبدأ خطير من أهم المبادئ القانونية (2). لكنني رددت على هذا الاتهام في بحث نظرية الفسخ السابقة.
(1) سبل السلام: 3 ص 33 وما بعدها. وهذا هو بيع الخيار عند الشافعي: وهو أن يقول أحد المتعاقدين للآخر بعدما تم الإيجاب والقبول وقبل التفرق: اختر: إن شئت فدع، وإن شئت فخذ. فإذا أخذ لزم البيع وقام الخيار مقام التفرق بالأبدان.
(2)
راجع مصادر الحق للسنهوري: 2 ص 37 وما بعدها.