الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرط صحيح، وشرط فاسد، وشرط لغو باطل (1).
أولاً - الشرط الصحيح:
أي المقبول شرعاً، الملزم للمتعاقدين، وهو أربعة أنواع:
1 -
ما يقتضيه العقد: كأن يشتري شخص شيئاً بشرط أن يسلم البائع المبيع، أو يسلم المشتري الثمن، أو بشرط أن يملك المبيع أو الثمن، أو بشرط أن يحبس البائع المبيع حتى أداء جميع الثمن، فهذه شروط تبين مقتضى العقد، لأن ثبوت الملك، والتسليم والتسلم، وحبس المبيع من مقتضى المعاوضات (2).
2 -
ما ورد الشرع بجوازه: كشرط الأجل والخيار لأحد المتعاقدين، فقد أثبت الشرع في وقائع عن النبي عليه الصلاة والسلام جواز التأجيل لمدة معلومة لحاجة الناس إلىه، لما فيه من المصلحة، كما ثبت في الشرع جواز خيار الشرط في إمضاء البيع أو رده خلال مدة معلومة، وهو قوله عليه السلام لحبَّان بن مُنْقِذ:«إذا بايعت فقل: لا خلابة، وليَ الخيار ثلاثة أيام» (3) على ما سيأتي في الخيارات، وهذا مقتضى الاستحسان. وأما مقتضى القياس فالشرط فاسد، لكونه مخالفاً لمقتضى العقد: وهو ثبوت الملك في العوضين معاً في الحال.
3 -
ما يلائم مقتضى العقد، كالبيع بثمن مؤجل على شرط أن يقدم المشتري
(1) انظر البدائع: 168/ 5 - 172، المبسوط: 13/ 13 - 18، فتح القدير: 214/ 5 ومابعدها، رد المحتار: 126/ 4 وما بعدها، عقد البيع للأستاذ مصطفى الزرقاء: ص 27.
(2)
البدائع، المرجع السابق: ص 171.
(3)
هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عمر بلفظ «بع، وقل: لا خلابة» وفي لفظ عند البيهقي «إذا بايعت فقل: لا خلابة، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فاردد» ورواه أيضاً البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والموطأ بلفظ «من بايعت فقل: لا خلابة» أي لا خديعة أي لا يحل لك خديعتي أو لا تلزمني خديعتك (انظر نصب الراية: 6/ 4، جامع الأصول: 414/ 1، تخريج أحاديث تحفة الفقهاء: 82/ 2).
كفيلاً أو رهناً معينين بالثمن، فإن الكفالة والرهن: استيثاق بالثمن، فيلائم البيع ويؤيد التسليم.
وهذا الشرط يحتاج إلى تفصيل (1) لأن الكفيل أو الرهن إما أن يكون معلوماً أو مجهولاً، ثم هل الحوالة مثل الكفالة والرهن؟
إذا كان الرهن والكفيل مجهولين فسد البيع، كأن يقول البائع:(أبيعك بشرط أن تعطيني رهناً بالثمن) ولم يسم شيئاً ولا أشار إليه أو يقول: (بشرط أن تعطيني كفيلاً بالثمن) ولم يسم إنساناً ولا أشار إلى إنسان؛ لأن هذه جهالة تفضي إلى منازعة مانعة من التسليم والتسلم؛ إذ أن معنى التوثق والتأكد بالحصول على الثمن بالرهن أو الكفالة لا يحصل إلا بالتسليم، وذلك لا يتحقق في المجهول.
فإن اتفق المتعاقدان على تعيين رهن في مجلس البيع، جاز البيع، لأن المانع هو جهالة الرهن، وقد زال، فكأنه كان معلوماً معيناً من ابتداء الأمر؛ لأن المجلس له حكم حالة واحدة.
وكذا إذا لم يتفقا على تعيين الرهن، ولكن المشتري نقد الثمن، جاز البيع أيضاً، لأن المقصود من الرهن، هو الوصول إلى الثمن، وقد حصل، فسقط اعتبار الوثيقة.
وإن افترق المتعاقدان عن المجلس تقرر الفساد؛ لأن تمام القبول توقف على الرهن المشروط في العقد، فإذا لم يوجد الرهن لم يوجد القبول معنى.
وأما إذا كان الرهن والكفالة معلومين بالإشارة أو بالتسمية، فالقياس: ألا يجوز البيع، وبه أخذ زفر؛ لأن الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل، وشرط الرهن والكفالة مما يخالف مقتضى العقد فكان مفسداً.
(1) البدائع، المرجع السابق: ص 171 ومابعدها، المبسوط: 18/ 13.
وفي الاستحسان: يجوز وهو الصحيح عند جمهور الحنفية؛ لأن هذا الشرط لو كان مخالفاً مقتضى العقد صورة، فهو موافق له معنى، لأن الرهن والكفالة شرعاً توثيق للثمن، فإن حق البائع يتأكد بالرهن والكفالة، فكان كل واحد منهما مقرراً لمقتضى العقد معنى، فأشبه اشتراط صفة الجودة للثمن.
ويلاحظ أن جواز البيع استحساناً حالة اشتراط الكفالة مقيد بما إذا كان الكفيل حاضراً في المجلس وقبل، أو كان غائباً ثم حضر في المجلس وقبل، فكان كما لو قبل عند العقد، لأن لمجلس العقد حكم العقد.
فأما إذا كان الكفيل غائباً، أو حاضراً ولم يقبل، أو قبل وهو غائب، لم تصح الكفالة؛ لأنه لم يحصل معنى التوثيق، فبقي الحكم على أصل القياس؛ لأن وجوب الثمن في ذمة الكفيل كان بسبب البيع، فيصير الكفيل بمنزلة المشتري إذا اشترطت الكفالة في البيع، ووجود المشتري في مجلس البيع شرط لصحة الإيجاب من البائع، فكذلك وجود الكفيل.
هذا بخلاف الرهن، فلا يشترط وجود المرهون في مجلس البيع؛ لأن تقديم الرهن يكون من المشتري، والمشتري حاضر وقد التزم الرهن، فالرهن صحيح.
وحينئذ إذا لم يسلِّم المشتري الرهن إلى البائع لا يثبت حكم الرهن؛ لأن ثبوت حكم الرهن متوقف على القبض؛ كما هو معروف في باب الرهن، فإن سلّم الرهن تم العقد.
وإن امتنع المشتري عن تسليم الرهن يجبر عند زفر؛ لأن الرهن إذا شرط في البيع، صار حقاً من حقوقه، والجبر على التسليم من حقوق عقد البيع، فيجبر عليه.
ولا يجبر عند جمهور الحنفية على التسليم؛ لأن الرهن عقد تبرع في الأصل، واشتراطه في البيع لا يخرجه عن أن يكون تبرعاً، والجبر على التبرع ليس بمشروع، فلا يجبر عليه، وحينئذ يقال للمشتري:(إما أن تدفع الرهن أو قيمته، أو تدفع الثمن أو تفسخ البيع) لأن البائع ما رضي بوجوب الثمن في ذمة المشتري، إلا بوثيقة الرهن، فإن لم يفعل المشتري شيئاًَ من المذكور، فللبائع أن يفسخ البيع، لأنه فات غرضه.
الحوالة: شرط الحوالة إما من البائع أو من المشتري:
فإن شرط البائع في البيع أن يحيله المشتري بالثمن على غريم من غرمائه «أي مدين له» فهذا على حالتين:
أـ إن أحال بجميع الثمن: فالبيع فاسد، لأنه يصير بائعاً بشرط أن يكون الثمن على غير المشتري، وهو باطل، لمخالفته لمقتضى العقد.
ب ـ وإن شرط عليه أن يحيل نصف الثمن على فلان، فالبيع جائز إذا كان المحال عليه حاضراً وقبل الحوالة، كما إذا باع شيئاً بألف ليرة على أن يكون نصفه على فلان وهو حاضر فقبل، جاز، أو كان المحال عليه غائباً، ثم حضر في المجلس وقبل، لأن لمجلس العقد حكم العقد.
وإن شرط المشتري في البيع شرطاً وهو «أن يحيل البائع على غريم من غرمائه بالثمن ليدفع له» أو باع البائع شيئاً بشرط «أن يضمن المشتري لغريم ـ دائن ـ من غرماء البائع الثمن» فالبيع فاسد (1) لأن شرط الحوالة والضمان شرط لا يقتضيه العقد، بل هو شرط فيه منفعة العاقد، والشرط الذي لا يقتضيه العقد مفسد في
(1) البدائع: 172/ 5.