الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول ـ مشروعية خيار الرؤية
أجاز الحنفية خيار الرؤية في شراء ما لم يره المشتري وله الخيار إذا رآه: إن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن، وإن شاء رده، وكذا إذا قال: رضيت، ثم رآه: له أن يرده، لأن الخيار معلق بالرؤية، كما في الحديث الآتي، ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق فلا يعتبر قوله:(رضيت) قبل الرؤية بخلاف قوله: (رددت).
استدلوا على خيار الرؤية بقوله عليه السلام فيما يرويه أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما: «من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه» (1).
واستدلوا أيضاً بما روي أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه باع أرضاً له من طلحة بن عبد الله رضي الله عنهما، ولم يكونا رأياها، فقيل لطلحة:(غبنت)، فقال:«لي الخيار، لأني اشتريت ما لم أره» فحكّما في ذلك جبير بن مطعم، فقضى بالخيار لطلحة رضي الله عنه (2)، أي للمشتري دون البائع وإن باع مالم يره.
وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليه أحد منهم، فكان إجماعاً منهم على شرعية هذا الخيار.
واستدلوا أيضاً بالمعقول: وهو أن جهالة الوصف تؤثر في الرضا، فتوجب خللاً فيه، واختلال الرضا في البيع يوجب الخيار.
(1) روي مسنداً ومرسلاً، فالمسند عن أبي هريرة، والمرسل عن مكحول رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، نقل النووي اتفاق الحفاظ على تضعيفه. وقد سبق تخريجه في بيع العين الغائبة.
(2)
أخرجه الطحاوي والبيهقي عن علقمة بن أبي وقاص أن طلحة اشترى من عثمان مالاً .. الحديث (انظر نصب الراية: 9/ 4).
وبناء على هذا، أجازوا بيع العين الغائبة من غير صفة، ويثبت للمشتري حينئذ خيار الرؤية، أو بصفة مرغوبة، ويثبت له خيار الوصف، كما سبقت الإشارة إليه، فإذا رأى المشتري المبيع، كان له الخيار فإن شاء أنفذ البيع، وإن شاء رده، سواء أكان موافقاً للصفة أم لا، فيثبت الخيار بكل حال.
ولم يجز الحنفية خيار الرؤية للبائع إذا باع ما لم يره كما إذا ورث عيناً من الأعيان في بلد غير الذي هو فيه، فباعها قبل الرؤية، صح البيع، ولاخيار له عندهم. وقد رجع أبو حنيفة عما كان
يقول أولاً بأن له الخيار، كما للمشتري، وكما هو الأمر في خيار الشرط وخيار العيب (1).
والتفرقة بين البائع والمشتري في هذا أمر معقول؛ لأن البائع يعرف ما يبيعه أكثر من المشتري، فلا ضرورة لثبوت الخيار له، وعليه أن يتثبت قبل البيع، حتى لا يقع عليه غبن يطلب من أجله فسخ العقد (2).
وأجاز المالكية خيار الوصف للمشتري فقط، فقالوا: يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير فيه صفته قبل القبض، فإذا جاء على الصفة، صار العقد لازماً (3).
والحنابلة أجازوا أيضاً كالمالكية خيار الوصف فقط فقالوا: يجوز بيع الغائب إذا وصف للمشتري، فذكر له من صفاته ما يكفي في صحة السلم، لأنه بيع بالصفة، فصح كالسلم. وتحصل بالصفة معرفة المبيع؛ لأن معرفته تحصل
(1) المبسوط: 69/ 13 ومابعدها، فتح القدير مع العناية: 137/ 5 - 140، البدائع: 292/ 5، رد المحتار: 68/ 4.
(2)
الأموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى: ص 481.
(3)
بداية المجتهد: 154/ 2، حاشية الدسوقي: 25/ 3 ومابعدها.
بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهراً، وهذا يكفي كما يكفي في السلم، ولا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية، ومتى وجده المشتري على الصفة المذكورة صار العقد لازماً، ولم يكن له الفسخ.
ولم يجيزوا في أظهر الروايتين بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته في غير حالة بيع البرنامج المذكورة سابقاً عند المالكية في بيع العين الغائبة من البيوع الفاسدة؛ لأن النبي صلّى الله عليه
وسلم «نهى عن بيع الغرر» (1) ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف له، فلم يصح، كبيع النوى في التمر.
وأثبت الحنابلة والظاهرية خيار الرؤية للبائع إذا باع ما لم ير، ووصفه للمشتري.
وأما حديث خيار الرؤية فهو مروي عن عمر بن إبراهيم الكردي، وهو متروك الحديث، ويحتمل أن يراد بالحديث: أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه (2).
وقال الشافعي في المذهب الجديد: لا ينعقد بيع الغائب أصلاً، سواء أكان بالصفة، أم بغير الصفة، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الغرر» وفي هذا البيع غرر، وبما أنه من أنواع البيوع، فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم، ثم إنه داخل تحت النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان أي ما ليس بحاضر أو مرئي للمشتري. وأما حديث «من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه» فهو حديث ضعيف كما قال البيهقي، وقال الدارقطني عنه:«إنه باطل» .
وبناء على الأظهر من اشتراط رؤية المبيع قالوا: تكفي رؤية المبيع قبل العقد
(1) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة ورواه أيضاً الطبراني في الكبير عن ابن عباس، وفي الأوسط عن ابن عمر وسهل بن سعد (وقد سبق تخريجه).
(2)
المغني: 580/ 3 ومابعدها، المحلى: 394/ 8 وما بعدها.