الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا إذا اتحد جنس البدلين.
فإن اختلف جنسهما بأن بيع سوار فضة وزنه مقدار وزن عشرة دراهم بدينار ذهبي، أو تصارف اثنان ديناراً بعشرة دراهم فضية، ثم زاد أحدهما صاحبه درهماً وقبل الآخر، أو حط عنه درهماً من الدينار، صح الحط والزيادة باتفاق الحنفية، ويلتحقان بأصل العقد؛ لأن المانع من تصحيح العقد هو وجود الربا، واختلاف الجنس في العوضين يمنع تحقق الربا، إذ أن مبادلة الأموال الربوية يجوز فيها التفاضل حال اختلاف الجنس، ويمتنع حال اتحاد الجنس.
إلا أنه يشترط في الزيادة قبضها في مجلس الزيادة، فلو افترق العاقدان قبل القبض، بطل البيع بقدر الزيادة، لأنها لما التحقت بأصل العقد، صار كأن العقد ورد على الزيادة والأصل جميعاًً، فصارت جزءاً من ثمن الصرف.
وأما الحط فلا يشترط قبضه في المجلس، لأنه وإن التحق بأصل العقد فأدى إلى حدوث التفاضل في العوضين، فلا يؤثر على العقد؛ لأن التفاضل في الأموال الربوية جائز عند اختلاف الجنس كما بينت.
لكن يجب على العاقد رد ما حط لغيره؛ لأن الحط لما التحق بأصل العقد تبين أن العقد لم يقع على قدر المحطوط من ابتداء العقد، فيجب رده.
شروط بيع الجزاف:
اشترط فقهاء المالكية لصحة بيع الجزاف شروطاً سبعة (1)، سأذكرها بإيجاز مع الإشارة إلى ما قد يوجد من شروط في كتب فقهاء المذاهب الأخرى وهي:
(1) راجع الشرح الكبير للدردير: 3 ص 20 وما بعدها، بداية المجتهد: 2 ص 157، مواهب الجليل 285/ 4، الشرح الصغير: 35/ 3 - 40، الغرر وأثره في العقود للزميل الدكتور الصدِّيق محمد الضرير: ص 234 وما بعدها.
1 -
أن يكون المبيع مرئياً بالبصر حال العقد أو قبله، واستمر العاقدان على معرفة المبيع حين التعاقد، فلا يصح بيع غير المرئي جزافاً ولا البيع من الأعمى جزافاً. وتكفي رؤية بعض المبيع المتصل به كمغيب الأصل، وتكفي في الصبرة رؤية ما ظهر منها. ولا تشترط الرؤية إذا ترتب عليها فساد البيع كأواني الخل المختومة التي يفسدها الفتح، ولكن لا بد من بيان صفة ما فيها من الخل.
وهذا الشرط متفق عليه أيضاً بين الحنفية والشافعية والحنابلة (1)، قال الزيلعي: شرط جواز الجزاف: أن يكون مميزاً مشاراً إليه. وعبارة الشافعية والحنابلة: تكفي المشاهدة في الصبرة ونحوها؛ لأن غرر الجهالة ينتفي عنها بها.
2 -
أن يجهل كل من البائع والمشتري قدر المبيع كيلاً أو وزناً أو عدداً، فإن علم قدره أحد العاقدين بإعلام صاحبه بعد انعقاد العقد، كان الآخر بالخيار، وإن استوى الاثنان في العلم بمقداره حين التعاقد فسد العقد، لتعاقدهما على الغرر، وتركهما الكيل أو الوزن، فيرد المبيع إن كان قائماً، وإلا لزم المشتري دفع القيمة (2). ووجود هذا الخيار دليل على أن هذا الشرط شرط لزوم وليس شرط صحة.
وقد أشار ابن جزي إلى مخالفة الحنفية والشافعية في هذا الشرط، لكن صرح الشافعية بالموافقة عليه (3)، ونص الإمام أحمد على أن البائع إذا عرف مقدار شيء لم يبعه صبرة، فإن خالف ذلك وباع مع علمه بمقدار المبيع، فالبيع صحيح لازم لكنه مكروه كراهة تنزيه (4).
(1) تبيين الحقائق للزيلعي: 4 ص 5، المهذب: 1 ص 265، المغني: 4 ص 123.
(2)
انظر القوانين الفقهية لابن جزي: ص 246.
(3)
المجموع للنووي: 9 ص 343.
(4)
المغني: 4 ص 125 وما بعدها.
3 -
أن يكون البيع في كل ما كان المقصود منه الكثرة لا الآحاد: فيصح الجزاف في المكيلات والموزونات كالحبوب والحديد، والممسوحات أو المذروعات كالأرضين والثياب، ولا يجوز الجزاف في المعدودات إلا إذا كان في عدّه مشقة؛ لأن العد متيسر لغالب الناس، وهذا هو المراد بالمذكور في الشرط: وهو ألا يكون القصد منه آحاد أو أفراد أعيانه. فإن كان في عده مشقة جاز بيعه جزافاً، وإن كان القصد موجهاً إلى كل فرد من أفراده على حدة لم يجز بيعه جزافاً.
وعلى هذا يجوز بيع المعدود جزافاً إذا قل ثمن أفراده كالبيض والتفاح والرمان والبطيخ المتماثل في الحجم نسبياً بأن كان كله كبيراً أو كله صغيراً، لا ماكان بعضه صغيراً وبعضه كبيراً. ولا يجوز بيع المعدود جزافاً إن قصد كل فرد من أفراده بثمن معين كالعبيد والثياب والدواب، وحينئذ لا بد من عده، فإن لم تقصد أفراد هذه الأشياء جاز بيعها جزافاً.
ولا يجوز فيما له خطر وهو بيع الدراهم والدنانير والجواهر جزافاً، ويجوز بيع التبر والفضة غير المسكوكين جزافاً.
والخلاصة: متى عدَّ المعدود بلا مشقة لم يجز جزافاً سواء قصدت أفراده أم لا، قل ثمنها أم لا، ومتى عدَّ بمشقة فإن لم تقصد أفراده جاز بيعه جزافاً قل ثمنها أم لا، وإذا قصدت جاز جزافاً إن قل ثمنها ومنع إن لم يقل (1).
وأما الحنفية فقد عرفنا الخلاف المذهبي عندهم، فالإمام أبو حنيفة يحصر جواز بيع الجزاف في المكيل والموزون (أي المثليات) في الكيل الواحد منها، والصاحبان يجيزان بيع المجازفة في المكيلات والموزونات والذرعيات كالثياب
(1) انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: 3 ص 21.
والأراضي والمعدودات المتقاربة كالجوز والبيض، والعدديات المتفاوتة كالحيوانات، والفتوى على رأيهما للتيسير على الناس كما أوضحت (1).
وفي الجملة: يجيز الشافعية والحنابلة أيضاً بيع المكيلات والموزونات والمذروعات والمعدودات جزافاً (2).
4 -
أن يحزر المبيع بالفعل من أهل الحزر: فلا يصح بيع الجزاف فيما يعسر حزره كعصافير حية ونحوها مما يتداخل مع بعضه كحمام في برج وصغار دجاج في مدجنة كبرى، إلا إذا أمكن معرفتها بالحزر قبل الشراء في وقت هدوها أو نومها، فيجوز عندئذ شراؤها جزافاً.
وكون العاقدين من أهل الحزر بأنفسهما أو بوكيلهما يتحقق بالممارسة والخبرة والاعتياد.
ووافق الشافعية على هذا الشرط، فقرروا أنه لا بد من معرفة مقدار الصبرة أو التمكن من تخمينه، فأجازوا في الأصح بيع النحل في الكندوج (3) إذا رئي في دخوله وخروجه، ولم يعرف أنه خرج جميعه (4).
5 -
أن يكون المبيع كثيراً كثرة غير هائلة: فإن كان كثيراً جداً يمنع بيعه جزافاً، سواء أكان مكيلاً أم موزوناً أم معدوداً لتعذر حزره وتخمينه. وإن لم يكثر جداً يجوز بيعه جزافاً مكيلاً كان أو موزوناً أو معدوداً لإمكان حزره. وأما ما قل جداً فيمنع بيعه جزافاً إن كان معدوداً لأنه لا مشقة في علمه بالعدد، ويجوز إن كان
(1) راجع فتح القدير: 5 ص 88 - 90، اللباب شرح الكتاب: 2 ص 7 ومابعدها.
(2)
انظر مغني المحتاج: 2 ص 16 - 17، المغني: 4 ص 124.
(3)
الكندوج ـ بضم الكاف وسكون النون: وهو الخلية، عجمي معرب، ويقال لها الكوارة أيضاً.
(4)
المجموع: 9 ص 345، 353، المهذب: 1 ص 265.
مكيلاً أو موزوناً وجهل العاقدان قدر كيله أو وزنه، ولو كان لا مشقة في كيله أو وزنه.
6 -
أن تكون الأرض التي عليها المبيع مستوية علماً أو ظناً: فإن لم تكن مستوية فسد العقد بسبب الغرر الكثير أو الجهالة، أما إن ظن المتعاقدن أنها مستوية ثم تبين في الواقع أن فيها علواً فيمنح المشتري الخيار، وإن كان فيها انخفاض فالخيار للبائع.
واتفق الشافعية مع المالكية على هذا الشرط، فقرروا في الأصح عندهم أن البيع فاسد إذا كانت الصبرة على موضع من الأرض فيه ارتفاع وانخفاض، أو كان المبيع سمناً ونحوه في ظرف مختلف الأجزاء رقة وغلظاً (1).
واشترط الحنابلة أيضاً هذا الشرط، فقرروا كالمالكية أن المشتري بالخيار إذا بان أن الصبرة على ربوة مثلاً، وكذلك البائع بالخيار إذا بان أن تحت الصبرة حفرة لم يكن يعلم بها (2).
ويظهر لنا أن الحنفية يطالبون أيضاً بتحقق هذا الشرط بدليل أنهم شرطوا في بيع شيء بإناء بعينه لا يعرف مقداره ألا يكون الإناء محتملاً للزيادة والنقصان كأن يكون من خشب أو حديد، أما إذا كان يحتمل أو ينكبس بالكبس كالزنبيل والجوالق والقفة فلا يجوز كما ذكر (3).
7 -
ألا يشتمل العقد الواحد على جزاف من الحب ومكيل منه، من غير جنسه أو من جنسه، ولا على جزاف من الحب مع مكيل من الأرض، ولا على
(1) المجموع: 9 ص 315، 345، 350، المهذب: المكان السابق.
(2)
المغني: 4 ص 124 ومابعدها.
(3)
تبيين الحقائق: 4 ص 5، فتح القدير: 5 ص 86.
جزاف من الأرض مع الأرض المكيلة؛ فلا يصح بيع هذه الصبرة من القمح مع عشرة أمداد من قمح آخر أو شعير، ولا يجوز بيع هذه الصبرة مع عشرة أذرع من الأرض، ولا يجوز بيع هذه الأرض جزافاً مع مئة متر من أرض أخرى، وسبب منع هذه الصور الثلاث: هو تأثر الشيء المعلوم بجهالة المجهول.
أما إذا اجتمع في صفقة واحدة شيئان، كل منهما يباع بحسب الأصل الذ ي يباع به، فيجوز، كشراء صبرة حب معلومة القدر، مع أرض مجهولة القدر؛ بألف دينار، لموافقة كل منهما للأصل الذي يباع به، أي لا يمنع اجتماع جزاف أصله أن يباع جزافاً كالأرض، مع ما أصله أن يباع كيلاً، كالحب المكيل، لمجيء كل منهما على أصله (1).
(1) راجع الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 3 ص 23.