الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوعا القبض:
قبض الهبة عند الحنفية نوعان: قبض بطريق الأصالة، وقبض بطريق النيابة (1).
أما
القبض بطريق الأصالة:
فهو أن يقبض بنفسه لنفسه، وشرط جوازه العقل فقط، فلا يجوز قبض الصبي غير المميز والمجنون. وأما البلوغ: فليس بشرط لصحة القبض استحساناً، فيجوز قبض الصبي العاقل (أي المميز) ما وهب له.
والقياس وهو رأي غير الحنفية: أن يكون البلوغ شرطاً؛ لأن القبض من باب الولاية، ولا ولاية للصبي على نفسه، فلا يجوز قبضه في الهبة، كما لا يجوز في البيع.
ووجه الاستحسان: أن قبض الهبة من التصرفات النافعة نفعاً محضاً، فيملكه الصبي العاقل.
وأما
القبض بطريق النيابة
، فالنيابة في القبض نوعان:
نوع يرجع إلى القابض، ونوع يرجع إلى القبض نفسه.
أما الأول ـ فهو القبض للصبي، وشرط جوازه وجود ولاية أو عيلة أي كون الصبي في حِجْر وعيال شخص أي في رعايته وتربيته عند عدم الولي.
فلو وهب أجنبي للصغير شيئاً، فيقبض عنه وليه على هذا الترتيب عند الحنفية: الأب، ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصيه، ومن غاب من هؤلاء غيبة منقطعة
(1) انظر التفصيل في البدائع: 126/ 5 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 125/ 7 ومابعدها، حاشية ابن عابدين: 535/ 4، الكتاب مع الباب: 173/ 2.
تنتقل الولاية إلى الأبعد، كما في ولاية النكاح؛ لأن التأخير إلى قدوم الغائب يؤدي إلى تفويت المنفعة على الصغير، فتنتقل الولاية إلى ما يتلوه.
وبناء على ذلك لو وهب أحد هؤلاء الأولياء للصغير شيئاً، والمال في أيديهم صحت الهبة، ويصيرون قابضين للصغير، وكذلك إذا باع الأب ماله من ابنه الصغير، ثم هلك المبيع عقب البيع، كان الهلاك على الصغير؛ لأنه صار قابضاً بقبض الأب.
ولو قبض الصغير العاقل ما وهب له أحد أوليائه المذكورين، جاز قبضه استحساناً، والقياس: أن لا يجوز، كما تبين في القبض بطريق الأصالة.
ولا يجوز قبض غير هؤلاء الأولياء الأربعة المذكورين مع وجود واحد منهم، أجنبياً كان أو ذا رحم محرم منه، كالأخ والعم والأم؛ لأنه ليس لهم ولاية التصرف في مال الصبي.
فإن لم يكن أحد من هؤلاء الأولياء الأربعة، جاز قبض من كان الصبي في حجره وعياله استحساناً، والقياس: أن لا يجوز لعدم الولاية، وإنما جاز ذلك استحساناً؛ لأن من هو في عياله، له عليه نوع ولاية، إذ أنه يؤدبه، ويعمل له ما فيه المنفعة، وللصبي في قبض الهبة منفعة محضة، فكيون ذلك من باب الحفظ.
وأما النوع الثاني من النيابة: وهو الذي يرجع إلى القبض نفسه فهو أن القبض الموجود بسبب من الأسباب ينوب عن قبض الهبة، سواء أكان مثل قبض الهبة أم أقوى منه، وبيانه:
أـ إذا كان الموهوب في يد الموهوب له وديعة أو عارية، فوهب منه، جازت الهبة، ولا يحتاج إلى تجديد القبض بعد العقد استحساناً، والقياس: أن لا يصير
قابضاً ما لم يجدد القبض، وهو أن يخلي بين الموهوب له وبين الموهوب بعد العقد؛ لأن يد الوديع هي يد صورية، وهي في الحقيقة والمعنى يد المودع، فكان المال في يده فيحتاج إلى تجديد القبض.
ووجه الاستحسان: أن قبض الهبة وقبض الوديعة أو العارية متماثلان في القوة؛ لأن كل واحد منهما قبض أمانة غير مضمون، إذ الهبة عقد تبرع، وكذا الوديعة والعارية، فتماثل القبضان، فيقوم أحدهما مقام الآخر.
ب ـ وإذا كان الموهوب في يد الموهوب له مضموناً بنفسه، كالمغصوب والمقبوض على سوم الشراء (1)، والمقبوض ببيع فاسد، فوهب منه: تصح الهبة، ويبرأ عن الضمان؛ لأن قبض الضمان أقوى من قبض الأمانة، فينوب عنه، لوجود المستحق بالعقد وهو القبض، وزيادة ضمان.
ج ـ وإذا كان الموهوب في يد الموهوب له مضموناً بغيره، كالمرهون المضمون بالدين، والمبيع المضمون بالثمن، فوهبه مالكه لصاحب اليد: فإنه لا يصير قابضاً بذلك عند الكرخي ما لم يجدد القبض؛ لأن قبض الرهن أو البيع، وإن كان قبض ضمان، لكنه ضمان لا تصح البراءة منه، فلا يحتمل الإبراء بالهبة، ليصير قبض أمانة، وبالتالي يتماثل القبضان، وحينئذ على سوم الشراء؛ لأن ذلك الضمان مما تصح البراءة عنه، فيبرأ عنه بالهبة؛ ويبقى قبضاً بغير ضمان، فتماثل القبضان فيتناوبان.
(1) وهو أن يقبض الإنسان شيئاً لينظره أو ليشتريه، فإن بين البائع للمقبوض ثمناً، كان المقبوض مضموناً على القابض، بخلاف المقبوض على سوم النظر، فإنه أمانة. وعلى هذا فالمقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة عند بيان الثمن، لا المقبوض على سوم النظر، فهو ليس بمضمون مطلقاً (راجع مجمع الضمانات للبغدادي: ص 213، 217، الدر المختار ورد المحتار: 52/ 4 ومابعدها، حاشية الشرقاوي على التحفة: 150/ 2، عقد البيع للأستاذ الزرقاء: ص 96).