الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القميص: كان العقد فاسداً، لأن المبيع تبع لغيره، ولا يمكن تسليمه إلا بضرر لم يوجبه العقد يلحق بالبائع، وهو قطع الثوب.
وكذا بيع جذع من سقف أو آجر من حائط يكون العقد فاسداً. فإن قطع البائع الذراع من الثوب أو قلع الجذع قبل أن يفسخ المشتري العقد، وسلمه إلى المشتري: يعود العقد صحيحاً، لزوال المفسد قبل نقض البيع، فلو فعل ذلك بعد الفسخ: لايجوز.
وإن كان المبيع لا يضره التبعيض مثل بيع قفيز من صبرة أو بيع عشرة دراهم من نُقرة (1) ونحوها، جاز البيع، لأنه ليس في التبعيض ضرر، وليس المبيع تبعاً لغيره أيضاً (2).
11 - بيع الشيء المملوك قبل قبضه من مالك آخر:
قال الحنفية: لا يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل القبض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض (3) والنهي يوجب فساد المنهي عنه، ولأنه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه، أي أنه يحتمل الهلاك فلا يدري المشتري هل يبقى المبيع أو يهلك قبل القبض، فيبطل البيع الأول وينفسخ الثاني، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر (4).
وأما العقار، كالأراضي والدور، فيجوز بيعه قبل القبض عند أبي حنيفة
(1) النقرة: هي القطعة المذابة من الذهب أو الفضة.
(2)
فتح القدير: 193/ 4، البدائع: 139/ 5 وما بعدها، رد المحتار: 114/ 4.
(3)
فيه أحاديث منها ما أخرجه أبو داود عن ابن عمر أن زيد بن ثابت قال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (وقد سبق ذكر بعض رواياته).
(4)
رواه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة، وقد سبق تخريجه.
وأبي يوسف استحساناً، استدلالاً بعمومات البيع من غير تخصيص ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر واحد، ولا غرر في العقار إذ يتوهم هلاك العقار، ولا يخاف تغيره غالباً بعد وقوع البيع، وقبل القبض، أي أن
تلف العقار غير محتمل فلا يتقرر الغرر (1). والخلاصة: أن العلة عند الحنفية في عدم جواز بيع الشيء قل قبضه هي الغرر.
وقال المالكية: لا يجوز بيع الطعام (2) قبل القبض ربوياً كان أو غير ربوي، لحديث ابن عباس وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه» (3) وأما ما سوى ذلك أو بيع الطعام جزافاً فيجوز بيعه قبل قبضه لغلبة تغير الطعام، بخلاف ما سواه، وأخذاً بمفهوم الحديث السابق (4).
والعلة في منع بيع الطعام قبل قبضه عند المالكية: هي أنه قد يتخذ البيع ذريعة للتوصل إلى ربا النسيئة، فهو شبيه ببيع الطعام بالطعام نساء، فيحرم سداً للذرائع.
وقال الحنابلة: لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه إذا كان مكيلاً أو موزوناً أومعدوداً (أي المقدرات)، لسهولة قبض المكيل والموزون والمعدود عادة، فلا يتعذر عليه القبض، واستدلالاً بمفهوم حديث الطعام السابق، فإن تخصيصه
(1) المبسوط: 8/ 13 وما بعدها، البدائع: 234/ 5، فتح القدير: 264/ 5، مختصر الطحاوي: ص 84.
(2)
الطعام عندهم يشمل كل ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والأدم بجميع أنواعها كالزيت والعسل ونحوها.
(3)
حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وحديث ابن عمر رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة إلا الترمذي (انظر جامع الأصول: 383/ 1، مجمع الزوائد: 98/ 4، نيل الأوطار: 158/ 5).
(4)
بداية المجتهد: 142/ 2 ومابعدها، المنتقى على الموطأ: 279/ 4، القوانين الفقهية: ص 258، ط فاس.
الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه يدل على إباحة البيع فيما سواه، ولم يصح غيره من الأحاديث. واشتراط الكيل أو الوزن أو العدد، لأن المكيل والموزون والمعدود لا يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إلا بالكيل أو الوزن أوالعدد، وقد نهى الرسول عليه السلام عن بيع ما لم يضمن، فالعلة في منع هذا البيع عند الحنابلة هي الغرر كالحنفية.
وأما ما عدا المكيل والموزون والمعدود أي غير المقدرات، فيصح بيعه قبل قبضه (1).
وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وزفر: لا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه مطلقاً قبل قبضه، عقاراً كان أو منقولاً، لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض، روى أحمد عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قلت: «يا رسول الله، إني أشتري بيوعاً، فما يحل لي منها وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل سلف وبيع، ولا ربح ما لم يضمن (2) ولا بيع ما ليس عندك» وهذا من باب بيع ما لم يضمن.
واستدلوا من طريق المعقول: وهو أنه بيع باطل لعدم القدرة على تسليم المبيع، ولأن ملكه عليه غير مستقر، لأنه ربما هلك، فانفسخ العقد، وفيه غرر من غير حاجة، فلم يجز (3). فالعلة في منع البيع عند الشافعية هي الغرر كالحنفية.
وأرجح أن الحكمة في النهي أصلاً عن بيع ما لم يقبض: هي أن هذا البيع
(1) المغني: 110/ 4، 113 ومابعدها.
(2)
قيل: معناه ما لم يقبض، لأن السلعة قبل تلفها ليست في ضمان المشتري، وإنما إذا تلفت، فتلفها من مال البائع، وقد سبق تخريج هذا الحديث وشرح «ما لم يضمن» .
(3)
المهذب: 264/ 1، الميزان: 66/ 2، مغني المحتاج: 68/ 2.