الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الجامع الصغير والبدائع، وهو الأرجح: يصير الموهوب له في المضمون بغيره قابضاً؛ لأن قبض الضمان أقوى من قبض الأمانة، والأقوى ينوب عن الأدنى.
المبحث الرابع ـ حكم الهبة:
أصل حكم الهبة:
هو ثبوت الملك للموهوب له في الموهوب من غير عوض.
صفة حكم الهبة:
قال الحنفية: حكم الهبة ثبوت الملك للموهوب له غير لازم، فيصح الرجوع والفسخ، لقوله عليه السلام:«الواهب أحق بهبته ما لم يُثَب منها» (1) أي يعوض، فإنه عليه السلام جعل الواهب أحق بهبته ما لم يصل إليه العوض، وهذا نص في المراد، فيصح الرجوع ما لم يحصل تعويض، وإن تم القبض، وهناك موانع أخرى من الرجوع ستذكر. ولكن يكره الرجوع؛ لأنه من باب الدناءة، وللموهوب له أن يمتنع عن الرد. ولا يصح الرجوع إلا بتراض أو بقضاء القاضي؛ لأن الرجوع فسخ بعد تمام العقد، فصار كالفسخ بسبب العيب بعد القبض (2)، فالرجوع في الهبة بالتراضي يعد من الإقالة.
وقال المالكية: يثبت الملك في الهبة بمجرد العقد ويصبح لازماً بالقبض، فلا
(1) روي من حديث أبي هريرة وابن عباس وابن عمر. فحديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه والدارقطني، وفيه ضعيف. وحديث ابن عباس له طريقان: أحدهما عند الطبراني في معجمه، والثاني عند الدارقطني في سننه، وحديث ابن عمر رواه الحاكم وصححه، كما صححه ابن حزم، وعن الحاكم رواه البيهقي وقال: والصحيح من هذه الرواية عن عمر من قوله (راجع نصب الراية: 125/ 4، التلخيص الحبير: ص 260 ومابعدها، سبل السلام: 93/ 3).
(2)
البدائع: 127/ 6، تكملة فتح القدير: 129/ 7، مجمع الضمانات: ص 338.
يحل الرجوع بعدئذ، أما قبل القبض أو بعده فيصح للواهب الأب فقط أن يرجع فيما وهبه لابنه، ما لم يترتب عليه حق الغير كأن يتزوج مثلاً، أو يستحدث ديناً. والرجوع في الهبة يعرف عندهم بالاعتصار في الهبة (1).
والاعتصار أو الرجوع في الهبة جائز عند المالكية فيما يهبه الوالد لولده صغيراً أو كبيراً بشروط خمسة: وهي ألا يتزوج الولد بعد الهبة، ولا يحدث ديناً لأجل، وألا يتغير الموهوب عن حاله، وألا يحدث الموهوب له في الموهوب حدثاً، وألا يمرض الواهب أو الموهوب له. فإن وقع شيء من ذلك يمتنع الرجوع، هذا في هبة التردد والمحبة. أما الهبة لوجه الله تعالى وهي التي تسمى صدقة فلا رجوع فيهاأصلاً ولا اعتصار، ولا ينبغي للواهب أن يرتجعها بشراء ولا غيره، وإن كانت شجراً فلا يأكل من ثمرها، وإن كانت دابة فلا يركبها إلا أن ترجع إليه بالميراث، وأما هبة الثواب على أن يكافئه الموهوب له فهي جائزة عند المالكية، والموهوب له مخير بين قبولها أو ردها، فإن قبلها فيجب أن يكافئه بقيمة الموهوب، ولا يلزمه الزيادة عليها، ولا يلزم الواهب قبول ما دونه.
وقال الشافعية والحنابلة: لا يحل للواهب أن يرجع في هبته، إلا الوالد فيما أعطى ولده، لقوله عليه الصلاة والسلام:«العائد في هبته كالعائد في قيئه» ، «ليس لنا مثل السوء: العائد في هبته، كالكلب يعود في قيئه» (2) وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس
(1) حاشية الدسوقي: 110/ 4، بداية المجتهد: 324/ 2، 327، المنتقى على الموطأ: 113/ 6، 116، القوانين الفقهية: ص 367، ط فاس.
(2)
تقديم تخريجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والرواية الأولى عند النسائي والثانية عند أبي داود (راجع سبل السلام: 90/ 3).