الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً ـ مذهب الحنفية:
قال فقهاء الحنفية (1): إذا باع رجل غيره قفيزاً (2) من صبرة طعام معينة بدراهم، أو باع هذا العدل من الثياب بكذا ولا يعرف عددها، أو باع هذه الصبرة بكذا ولا يعلم عدد القفزان، جاز البيع؛ لأن الجهالة فيه يسيرة لا تفضي إلى المنازعة، إلا أن أبا حنيفة قال: من باع صبرة طعام (وهي الحنطة ودقيقها خالصة في العرف الماضي)(3) كل قفيز بدرهم مثلاً، وهو البيع بسعر الوحدة جاز البيع في قفيز واحد فقط، وتوقف البيع في الباقي إلى أن تزول الجهالة في مجلس العقد بأحد أمرين: إما بتسمية جملة القفزان، أو بكيلها في المجلس، إذ أن ساعات المجلس بمنزلة ساعة واحدة. فإن علم مقدار الصبرة بعد انتهاء المجلس، تقرر فساد البيع، فلا ينقلب صحيحاً بعدئذ.
ومثل الطعام جميع الحبوب كالشعير والذرة ونحوهما.
ودليله: أن الثمن والمبيع في هذه الحالة مجهولان، والجهالة تفسد العقد، وبما أنه لا جهالة في القفيز الواحد، فيلزم العقد فيه للتيقن به، وإذا زالت الجهالة في كل المبيع بتعيين عدد القفزان أو بالكيل في مجلس العقد، ثبت الخيار للمشتري، لتفرق الصفقة عليه دون البائع؛ لأن تجزئة المعقود عليه كان بسبب منه، لعدم تحديده سابقاً مقدار الأقفزة، فكان راضياً بالبيع على النحو الذي تم.
(1) راجع البدائع 158/ 5، فتح القدير: 88/ 5 وما بعدها، الدر المختار: 29/ 4، تبيين الحقائق للزيلعي: 5/ 4، اللباب شرح الكتاب للميداني: 7/ 2، تحفة الفقهاء: 63/ 2 الطبعة الأولى، مختصر الطحاوي: ص 79.
(2)
القفيز: مكيال وهو ثمانية مكاكيك، والجمع أقفزة وقفزان، والمكوك: مكيال هو صاع ونصف أو هو ثلاث كيلجات، والكيلجة: منا وسبعة أثمان منا، والمنا: الذي يكال به السمن وغيره، وقيل: الذي يوزن به: رطلان، والتثنية منوان. والجمع أمناء، مثل سبب وأسباب (راجع المصباح المنير) وقال النووي في المجموع (313/ 9): القفيز مكيال معروف يسع اثني عشر صاعا. وأما الكرّ فهو ستون قفيزاً.
(3)
راجع فتح القدير: 85/ 5.
وثبوت الخيار للمشتري في هذه الحالة يشبه حالة ما لو اشترى رجل شيئاً لم يره ثم رآه، فتزول الجهالة بالرؤية.
وقال الصاحبان: يصح البيع في كل الصبرة؛ لأن المبيع معلوم بالإشارة إليه في الجملة، ومن المقرر أنه لا يشترط لصحة البيع معرفة مقدار المشار إليه. وأما جهالة الثمن فإنها لا تضر إذ أن العلم به ممكن بالعدّ، بأن تكال الصبرة في مجلس العقد.
وقول الصاحبين هو المفتى به تيسيراً على الناس، وهو الذي رجحه صاحب الهداية لتأخيره دليلهما عن دليل أبي حنيفة كما هي عادته، وبه قال أئمة المذاهب الآخرين، ولكن صاحب فتح القدير رجح قول الإمام ودليله.
هذا حكم بيع صبرة الطعام أي وما يشبه ذلك من المثليات، أما القيميات (1) كالحيوان والثوب فحكمها ما يأتي:
من باع قطيع عنم كل شاة بدرهم مثلاً، فالبيع فاسد في الجميع عند أبي حنيفة، حتى وإن علم عددها في مجلس العقد على الأصح، للجهالة وقت العقد. ولا يصح حينئذ بيع الشاة الواحدة بما سمي من ثمن لكل واحدة من القطيع؛ لأن بيع شاة من قطيع لا يصح للتفاوت بين أفراد الشياه، بخلاف بيع قفيز من صبرة، فإنه يصح بيع قفيز واحد عنده، كما تقدم،، لعدم التفاوت بين أجزاء الطعام، ومثله كل مكيل من الحبوب، فلا تفضي الجهالة في المثليات إلى المنازعة، ولكنها تؤدي إليها في القيميات التي لا تتماثل آحادها.
(1) المثليات: هي المكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة وبعض أنواع الذرعيات، والقيميات: هي التي تتفاوت أفرادها بحيث يكون لكل فرد منها اعتبار خاص وقيمة معينة كالحيوانات والأراضي والدور والأشجار والطنافس والثياب ونحوها من العدديات المتفاوتة كالبطيخ وأنواع الفاكهة.