الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - مذهب الشافعية:
قال الشافعية: العلة في الذهب والفضة: هي النقدية أو الثمنية، أي كونهما أثماناً للأشياء، سواء أكانا مضروبين، أم غير مضروبين (مسكوكين)، ولا أثر لقيمة الصنعة في الذهب والفضة، فلو اشترى رجل بدنانير ذهباً مصوغاً قيمته أضعاف الدنانير، اعتبرت المماثلة في الكمية، ولا نظر إلى القيمة. والمقصود بعلة الربا في الذهب والفضة على المعتمد هو جنسية الأثمان غالباً، وهي منتفية عن الفلوس (وهي القروش وغيرها المصنوعة من معادن غير الذهب والفضة كالنيكل والبرونز والنحاس) وغيرها من سائر عروض التجارة، لا أنها قيم الأشياء؛ لأن الأواني والتبر والحلي يجري فيها الربا وليس مما يقوم بها، واحترز بغالباً: عن الفلوس إذا راجت فإنه لا ربا فيها. ولا أثر لقيمة الصنعة في ذلك. حتى لو اشترى بدنانير ذهباً مصوغاً، قيمته أضعاف الدنانير، اعتبرت المماثلة، ولا نظر إلى القيمة.
وبما أن الفلوس ومنها النقود الورقية الحالية أصبحت هي أثمان الأشياء غالباً، فإني أرى جريان الربا فيها، وهو الموافق لمذهب الحنفية.
وأما العلة في الأصناف الأربعة الباقية، فهي الطعمية ـ بضم الطاء، أي كونها مطعومة. والمطعوم يشمل أموراً ثلاثة:
أحدها: ما قصد للطعم والقوت كالبُّر والشعير، فإن المقصود منهما التقوت أي الأكل غالباً، ويلحق بهما ما في معناهما كالفول والأَرُزّ والذرة والحمص والترمس ونحوها من الحبوب التي تجب فيها الزكاة.
ثانيها: أن يقصد به التفكه، وقد نص الحديث على التمر، فيلحق به ما في معناه، كالزبيب والتين.
ثالثها: أن يقصد به إصلاح الطعام والبدن: أي للتداوي. وقد نص الحديث على الملح، فيلحق به ما في معناه من الأدوية القديمة كالسنامكي والسقمونيا والزنجبيل، ونحوها من العقاقير المتجانسة كالحبة اليابسة.
وعلى هذا فلا فرق بين ما يصلح الغذاء أو يصلح البدن، فإن الأغذية لحفظ الصحة، والأدوية لرد الصحة. وبه يكون المطعوم: كل ما قصد للطُعم (أي الأكل غالباً) اقتياتاً أو تفكهاً أو تداوياً. وتكون علة الربا عند الشافعية هي: الطعم أو النقدية؛ أما ما ليس بطعم كالجبس أو الحديد والأقمشة وغيرها من كل ما يباع كيلاً أو وزناً، فإنه يصح بيعه بجنسه متفاضلاً، كعروض التجارة، لأنها أي المذكورة كلها ليست أثماناً. وما كان في الغالب قوتاً لغير الآدميين، لا يحرم الربا فيه.
ودليلهم: أن الحكم إذا علق باسم مشتق دلّ على أن المعنى الذي اشتق منه الاسم هو علة الحكم، مثل قوله سبحانه:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:38/ 5] ففهم أن السرقة هي علة قطع اليد، وإذا كان هذا هو المقرر، فقد جاء من حديث معمر بن عبد الله أنه قال: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» (1) فتبين أن الطُّعم هو علة الحكم، لأن الطعام مشتق من الطعم، فهو يعم المطعومات، وهذا وصف مناسب، لأنه ينبئ عن زيادة الخطر (أي الأهمية) في الأشياء الأربعة التي نص عليها الحديث؛ لأن حياة النفوس بالطعام. وكذلك الثمنية معنى مناسب، لأنه ينبئ عن زيادة خطر، وهو شدة الحاجة إلى النقدين (الذهب والفضة) أو ما يقوم مقامهما من النقود الورقية، بحسب التخريج والتصحيح الذي رأيته، خلافاً للمعتمد في المذهب الشافعي في العرف الماضي.
(1) رواه مسلم وأحمد عن معمر بن عبد الله (راجع نصب الراية: 37/ 4، التلخيص الحبير: ص 235، نيل الأوطار: 193/ 5).
أما القدر الذي قال به الحنفية، فلا ينبئ عن زيادة خطر في الأشياء.
وعلى هذا: إذا بيع الطعام بالطعام أو النقد بالنقد، حالة اتحاد الجنس كحنطة بحنطة، وفضة بفضة، مضروبين كانا أو غير مضروبين كالحلي والتبر، اشترط في صحة البيع ثلاثة أمور: الحلول (بأن لا يذكر في العقد أجل مطلقاً) والمماثلة يقيناً بحسب المعيار الشرعي (وهو الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، بحسب عادة أهل الحجاز في عهد الرسول عليه السلام، وفي غير ذلك تعتبر عادة بلد البيع حالة البيع) والتقابض (أي القبض الحقيقي للعوضين مطلقا ً) قبل التفرق من المجلس. واشتراط التقابض زيادة عما اشترطه الحنفية من المساواة في العينية أي تعيين كل من البدلين، سواء في حالة اتفاق الجنس أو اختلاف الجنس، لقوله عليه الصلاة والسلام:«يداً بيد» في كل من الحالتين.
فإذا اختلف الجنس كحنطة وشعير جاز التفاضل، ويشترط الحلول والتقابض قبل التفرق. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد» أي مقابضة، ويؤخذ من ذلك اشتراط الحلول. فإذا بيع الطعام بغيره كنقد أو ثوب، أو غير الطعام بغير الطعام وليسا نقدين، كحيوان بحيوان، لم يشترط شيء من الشروط الثلاثة السابقة، أي فلا ربا فيه. والسبب في أنه لا ربا في الحيوان مطلقاً: هو أنه لا يعد للأكل على هيئته، وقد اشترى ابن عمر رضي الله عنهما بعيراً ببعيرين بأمره صلى الله عليه وسلم (1).
(1) مغني المحتاج: 22/ 2 - 25، حاشية قليوبي وعميرة: 167/ 2 ومابعدها، حاشية الشرقاوي: 23/ 2 ومابعدها. المهذب: 272/ 1.