الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي](1)
فصل [تناقض أهل القياس دليل فساده]
قالوا (2): ومما يبين فساد القياس وبطلانه تناقض أهله فيه، واضطرابهم تأصيلًا وتفصيلًا.
أما التأصيل فمنهم من يحتج بجميع أنواع القياس، وهي: قياس العلة، والدلالة، والشبه (3)، والطرد، وهم غُلاتهم كفقهاء ما وراء النهر وغيرهم، فيحتجون (4) في طرائقهم على منازعهم في مسألة المنع من إزالة النجاسة بالمائعات بأنه مائع لا تُبنَى عليه القناطر ولا تجري فيه السفن؛ فلا تجوز (5) إزالة النجاسة به كالزيت والشيرج، وأمثال ذلك من الأقيسة التي هي إلى التلاعب بالدين أقرب منها إلى تعظيمه (6).
وطائفة يحتجون (7) بالأقيسة الثلاثة دونه، وتقول: قياس العلة أن يكون الجامع هو العلة التي لأجلها شُرع الحكم في الأصل، وقياس الدلالة: أن يُجمع بينهما بدليل العلة، وقياس الشبه: أن يتجاذب الحادثة أصلان حاظر ومبيح، ولكل واحد من الأصلين أوصاف، فتلحق الحادثة بأكثر (8) الأصلين شبهًا بها، مثل أن يكون بالإباحة أشبه بأربعة أوصاف وبالحظر بثلاثة؛ فيلحق بالإباحة.
وقد قال الإمام أحمد في هذا النوع في رواية أحمد بن الحسين (9): القياس أن يقاس الشيء على الشيء إذا كان مثله في كل أحواله، فأما إذا أشبهه (10) في
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) وحدها.
(2)
أي: النافون للقياس.
(3)
في (ن) و (ك): "التشبيه"!
(4)
في (ق): "ويحتجون".
(5)
في (ق): "يجوز".
(6)
انظرها مفصّلة مع الرد عليها عند القاضي أبي يعلى في "العدة"(5/ 1438 - 1439).
(7)
في (ك) و (ق): "تحتج".
(8)
في (ق): "ألحقنا الحادثة أكثر".
(9)
نقله القاضي أبو يعلى في (العدة في أصول الفقه)(5/ 1432، 1436) من رواية أحمد بن الحسين بن حسان عن أحمد، وأفاد أن نحوه عن أحمد في رواية الأثرم ووقع في (ق):"أحمد بن الحسن".
(10)
في (ك): "شابهه".
حال (1) وخالفه في حال، فأردتَ أن تقيس عليه فهذا خطأ، وقد خالفه في بعض أحواله ووافقه في بعضها، فإذا كان مثله في كل أحواله فما أقبلت به وأدبرت به فليس في نفسي منه شيء؛ وبهذا قال أكثر الحنفية (2) والمالكية (3) والحنابلة (4)؛ وقالت طائفة: لا قياس إلا قياس العلة فقط، وقالت فرقة بذلك، [و](5) لكن إذا كانت العلة منصوصة.
ثم اختلف (6) القياسيون في محل القياس فقال جمهورهم: يجري في الأسماء والأحكام؛ وقالت فرقة: [لا بل](5) لا تثبت الأسماء قياسًا، وإنما محل القياس الأحكام.
ثم اختلفوا فأجراه جمهورهم في العبادات واللغات والحدود والأسباب وغيرها، ومنعه طائفة في ذلك (7)، واستثنت طائفة الحدود والكفارات [فقط](8)، واستثنت طائفة أخرى معها الأسباب (9).
وكل هؤلاء قسموه إلى ثلاثة أقسام: قياس أولى، وقياس مثل، وقياس أدنى؛ ثم اضطربوا في تقديمه على العموم أو بالعكس على قولين، واضطربوا في تقديمه على خبر الآحاد الصحيح؛ فجمهورهم قدم الخبر.
و [قد](10) قال أبو بكر بن الفرج القاضي وأبو بكر الأبهري المالكيان (11):
(1) في (ن): "في كل حال".
(2)
منهم الجرجاني والسرخسي، انظر "كشف الأسرار"(3/ 1085)، و"أصول السرخسي"(2/ 176)، و"تيسير التحرير"(4/ 52)، و"ميزان العقول"(ص 599).
(3)
انظر: "إحكام الفصول"(655)، و"الإشارة"(300 - 301) كلاهما للباجي.
(4)
انظر: "روضة الناظر"(2/ 321)، و"المسودة"(ص 427)، و"التمهيد"(4/ 30)، و"شرح الكوكب المنير"(4/ 198).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك). وانظر "مشيخة الرازي"(244) في عدم ثبوت الأسماء قياسًا.
(6)
في (ق): "اختلف القياسون" وقال في الهامش: "لعله: فاختلف".
(7)
في (ق) و (ك): "ومنعت طائفة من ذلك".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(9)
انظر: "المحصول"(5/ 349) للرازي، و"الإحكام"(4/ 64 - 67) للآمدي، و"المستصفى"(2/ 334) للغزَّالي، و"الرسالة"(ص 528) للشافعي، و"المسودة"(ص 398)، و"روضة الناظر"(ص 305) لابن قدامة، و"البرهان"(2/ 895) للجويني.
(10)
ما بين المعقوفتين من (ق).
(11)
نقله عنهما ابن حزم في "الإحكام"(8/ 45)، وتعقّبهما بقوله:"وما يعلم في البدع أشنع من هذا القول! ثم هو مع شناعته بارد سخيف متناقض" وطول في الرد عليه بعبارات شديدة؛ كعادته، رحمه اللَّه تعالى.