الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [استكراه السيد لجاريته وعبده]
وأما إذا استكرهها فإن هذا من باب المثلة، فإن الإكراه على الوطء مُثْلة؛ فإن الوطء يجري مجرى الجناية، ولهذا لا يخلو عن عُقر أو عقوبة، ولا يجري مجرى منفعة الخدمة، فهي لما صارت له بإفسادها على سيدتها أوجب عليه مثلها كما في المطاوعة، وأعتقها عليه لكونه مَثَّل بها.
قال شيخنا (1): ولو اسْتَكره عبده على الفاحشة عَتق عليه، ولو استكره أمة الغير على الفاحشة عتقت عليه، وضمنها بمثلها، إلا أن يفرق بين أمة امرأته وبين غيرها، فإن كان بينهما فرق شرعي وإلا فموجب القياس التسوية.
وأما قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ] (2) غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] فهذا نهي عن إكراههن على كسب المال بالبغاء، كما قيل: إن عبد اللَّه بن أُبيّ رأس المنافقين كان له إماءٌ يُكرههن على البِغَاء (3)، وليس هذا استكراهًا للأمة (4) على أن يزني بها هو، فإن هذا بمنزلةِ التَمثيل بها، وذاك إلزامٌ لها لأن (5) تذهبَ هي فتزني، مع أنه يمكن أن يُقال: العتقُ بالمثلة لم يكن مشروعًا عند نزول الآية، ثم شُرع بعد ذلك.
[ما من نص صحيح إلا وهو موافق للعقل]
قال شيخنا (6): والكلام على هذا الحديث من أدقِّ الأمور، فإن كان ثابتًا فهذا الذي ظهر في (7) توجيهه، وإن لم يكن ثابتًا فلا يحتاج إلى الكلام عليه.
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(25/ 566 - 567).
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(3)
روى مسلم في "صحيحه"(3029) في (التفسير) من طريق جابر قال: كان عبد اللَّه بن أُبىّ يقول لجارية له: اذهبي فأبغينا شيئًا فأنزل اللَّه: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
وله رواية أخرى: إن جارية لعبد اللَّه بن أُبّى بن سَلُول يقال لها: مُسَيكَة، وأخرى يقال لها: أميمة فكان يكرههما على الزنى. . .
(4)
في (ن): "للإمام".
(5)
في (ق): "بأن".
(6)
انظر: "مجموع الفتاوى"(20/ 567 - 568).
(7)
في (ن): "من".
قال: وما عرفت حديثًا صحيحًا إلا ويمكن تخريجه على الأصول الثابتة قال: وقد تدبَّرتُ ما أمكنني من أدلةِ الشَّرعِ فما رأيت (1) قياسًا صحيحًا يخالف حديثًا صحيحًا، كما أن المعقول الصحيح لا يخالف المنقول الصحيح، بل متى رأيت قياسًا يُخالف أثرًا فلا بد من ضعف أحدهما، لكن التمييز بين صحيح القياس وفاسده [مما](2) يخفى كثيرٌ منه على أفاضل العلماء فضلًا عمن هو دونهم، فإن إدراك الصفةِ المؤثرةِ في الأحكام على وجهها ومعرفة المعاني التي عُلِّقت بها الأحكام من أشرف العلوم، فمنه الجليُّ (3) الذي يعرفه أكثر الناس، ومنه الدقيقُ الذي لا يعرفه إلا خواصُّهم، فلهذا صارت أقْيِسَةُ كثيرٍ من العلماء تجيءُ مخالفةً للنصوص لخفاء القياس الصحيح، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام، [انتهى](4).
فإن قيل: فهَبْ (5) أنكم خرّجتم ذلك على القياس، فما تصنعون بسقوط الحد عنه وقد وطئ فرجًا لا مِلْك له فيه ولا شُبهة مِلك؟
قيل: الحديث لم يتعرض [للحد](6) بنفي ولا إثبات، وإنما دلّ على الضمان وكيفيته.
فإن قيل: فكيف تخرِّجون حديث النعمان بن بشير في ذلك: "إنّها إن (7) كانت أحَلّتها له جُلِد مئة جلدة، وإن لم تكن أحلّتها له رُجم بالحجارة"(8) على القياس.
(1) في (ن): "فما وجدت".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في هامش (ك): "صوابه: الجليل".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق) و (ك): "هب".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(7)
في (ق): "إذا".
(8)
الحديث رواه أبو بشر، وقد اختلف عنه:
رواه هشيم عنه عن حبيب بن سالم عن النعمان: أخرجه الطيالسي (796)، وأحمد (4/ 277 - 278)، والترمذي (1451) في (الحدود): باب الرجل يقع على جارية امرأته، والنسائي في "الكبرى"(7226) في (الرجم)، والبيهقي (8/ 239).
ورواه شعبة عنه عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم عن النعمان، فزاد خالد بن عرفطة: أخرجه أحمد (4/ 277)، وأبو داود (4459) في (الحدود): باب في الرجل يزني بجارية امرأته، والنسائي في "الصغرى" (6/ 123 - 124) في (النكاح): باب إحلال الفرج، وفي "الكبرى"(7225)، والبيهقي (8/ 239).
ويرويه قتادة وقد اختلف عنه. فرواه أبان عنه عن قتادة عن عرفطة عن حبيب عن النعمان: أخرجه أحمد (4/ 276)، وأبو داود (4458)، والنسائي في "الصغرى" =