الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يزول به، وليس هذا نظير الدخول في الصلاة بالطهارة التي شك في انتقاضها؛ فإن الأصل هناك شغل الذمة وقد وقع الشك في فراغها، ولا يُقال هنا (1): إن الأصل التحريم بالطلاق وقد شككنا في الحِل، فإن التحريم قد زال بنكاح متيقن وقد حصل الشك في ما يرفعه، فهو نظير ما لو دخل في الصلاة بوضوء متيقن ثم شك في زواله، فإن قيل: هو متيقن للتحريم بالطلاق شاك في الحل بالرَّجعة، فكان جانب التحريم أقوى، قيل: ليست الرجعية بمحرِّمَة، وله أن يخلو بها، ولها أن تتزين له وتتعرض له، وله أَن يطأها، والوطءُ رجعة عند الجمهور، وإنما خالف في ذلك الشافعيُّ وحده (2)، وهي زوجته في جميع الأحكام إلا في القسم خاصة، ولو سلم أنها محرمة فقولُكم:"إنه متيقن للتحريم" إن أردتم به التحريم المطلق فإنه (3) غير متيقن، وإن أردتم به مطلق التحريم لم يستلزم أن يكون بثلاث؛ فإن مطلق التحريم أعم من أن يكون بواحدة أو يكون بثلاث، ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص، وهذا في غاية الظهور.
فصل [استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع]
النوع الثالث (4): استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع، وقد اختلف فيه الفقهاء والأصوليون هل هو حجة (5)؟ على قولين: أحدهما: أنه حجة، وهو قول المُزَنَي (6)، والصَّيْرفي (7) وابن شاقلا (8). . . .
(1) أشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة: "ولا يقال هنا: هب أن الأصل التحريم".
(2)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 97) للمؤلف رحمه الله، وفي (ق) بعدها:"وهي زوجة في جميع الأحكام".
(3)
في (ك) و (ق): "فهو".
(4)
في المطبوع و (ق) و (ك): "القسم الثالث".
(5)
انظر تفصيل المسألة في: "المعتمد"(2/ 884)، و"المحصول"(9/ 106)، و"المستصفى"(1/ 223)، و"التبصرة"(ص 526)، و"الإحكام" للآمدي (4/ 136)، و"الإبهاج"(3/ 182)، و"تيسير التحرير"(4/ 177)، و"نهاية الوصول"(8/ 3956)، و"البحر المحيط"(6/ 21)، و"تخريج الفروع على الأصول" (ص: 73) للزنجاني، و"المسودة"(494).
(6)
هو الإمام إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري أبو إبراهيم، من كبار أصحاب الشافعي (ت: 264 هـ).
(7)
هو الإمام محمد بن عبد اللَّه الصيرفي أبو بكر الشافعي (ت: 330 هـ)، وسقط اسمه من (ق) و (ك).
(8)
هو الإمام إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا الحنبلي، (ت: 369 هـ).
وابن حامد (1) وأبي عبد اللَّه الرَّازي (2)، والثاني: ليس بحجة، وهو قول أبي حامد (3)، وأبي الطيب الطَّبري (4) والقاضي أبي يعلى (5)، وابن عَقيل (6) وأبي الخَطَّاب (7) والحَلْواني (8) وابن الزَّاغُوني (9)، وحجة هؤلاء أن الإجماع إنما كان على الصفة التي كانت قبل محل النزاع كالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء في الصلاة، فأما بعد الرؤية فلا إجماع، فليس هناك ما يُستصحب؛ إذ يَمتنع دعوى الإجماع في محل النزاع، والاستصحاب إنما يكون لأمر ثابت فيُستصحب ثبوتُه، أو لأمر منتفٍ (10) فيستصحب نفيه، قال الأولون: غاية ما ذكرتم أنه لا إجماع في محل النزاع، وهذا حق، ونحن لم نَدَّع الإجماع في محل النزاع، بل استصحبنا حال المجمع عليه حتى يثبت ما يزيلُه، قال الآخرون: الحكم إذا كان إنما ثبت بالإجماع (11)، وقد زال الإجماع، زال الحكم لزوال دليله (12)، فلو ثبتَ الحكم [بعد ذلك](13) لثبتَ بغير دليل، وقال المُثبتون: الحكم كان ثابتًا، وعلمنا بالإجماع ثُبوتَه، فالإجماع ليس هو عِلَّةُ ثبوته ولا سبب ثبوته في نفس الأمر حتى يلزم من زوالِ العلةِ زوال معلولها، ومن زوال السبب زوال حكمه، وإنما الإجماع دليلٌ عليه، وهو في نفس الأمر مستندٌ إلى نص أو معنى [نص](14)، فنحن نعلمُ أن الحكم المجمع عليه ثابتٌ في نفس الأمر، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم من
(1) هو الإمام الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الحنبلي، (ت: 403 هـ).
(2)
هو الإمام محمد بن عمر بن الحسين بن فخر الدين الرازي، إمام أُصولي مفسر (ت: 606 هـ)، وكلامه في "المحصول":(6/ 109).
(3)
هو الإمام أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد (ت: 505 هـ)، وكلامه في "المستصفى"(2/ 222).
(4)
هو الإمام طاهر بن عبد اللَّه بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي، (ت: 450 هـ).
(5)
هو الإمام الحسن بن الحسين بن أبي هريرة الشافعي أبو علي (ت: 345 هـ).
(6)
هو الإمام علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي أبو الوفاء (ت: 513 هـ).
(7)
هو الإمام محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني الحنبلي أبو الخطاب (ت: 510 هـ).
(8)
هو الإمام عبد الرحمن بن عمار بن علي بن محمد الحلواني الحنبلي، يكنى بأبي محمد، (ت: 546 هـ)، أو لعله: محمد بن علي بن محمد بن عثمان الحلواني الحنبلي (ت: 505 هـ).
(9)
هو الإمام علي بن عبيد اللَّه بن نصر بن السري الزاغوني الحنبلي أبو الحسن، فقيه أصولي (ت: 527 هـ).
(10)
في (ق): "منفي".
(11)
في المطبوع: "بإجماع".
(12)
في المطبوع: "بزوال".
(13)
بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "لذلك".
(14)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
انتفاء الإجماع انتفاء الحكم، بل يجوز أن يكون باقيًا ويجوز أن يكون منتفيًا، لكن الأصل بقاؤُه، فإن البقاء لا يفتقر إلى سبب حادث، ولكن يفتقر إلى بقاء (1) سبب ثبوته، وأما الحكم المخالف فيفتَقِر إلى ما يُزيل [الحكم](2) الأَوَّل، وإلى ما يُحدث الثاني، وإلى ما يُبينه (3)، فكان ما يفتقر إليه الحادثُ أكثر ممَّا يفتقر إليه الباقي، فيكون البقاء أولى من التغيير، وهذا مثلُ استصحاب حال براءة الذمة، فإنها كانت بريئة قبل وجود ما يُظنّ [به](4) أنه شاغل، ومع هذا فالأصل البراءة، والتحقيق أن هذا دليل من جنس استصحاب البراءة، ومن لا يُجوِّز الاستدلال به إلا بعد معرفة المزيل فلا يجوز الاستدلال به لمن لم يعرف الأدلة الناقلة، [كما لا يجوز الاستدلال بالاستصحاب لمن يعرف الأدلة الناقلة](5)؛ وبالجملة فالاستصحاب لا يَجوزُ الاستدلالُ به إلا إذا اعتقد انتفاء الناقل، فإن قَطَع المُسْتَدِل بانتفاء الناقل قطع بانتفاء الحكم، كما يُقطع ببقاء شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنها غير منسوخة، وإن ظَنَّ انتفاءَ النَّاقل أو ظن انتفاء دلالته ظن انتفاء النَّقلْ، وإن كان الناقل معنى مؤثرًا وتبيَّن له عدم اقتضائه تبيّن له انتفاء النقل، [وإن كان الناقل معنى مؤثرًا وتبين له عدم اقتضاءه تبيّن له انتفاء النقل](6)، مثل رؤية الماء في الصلاة لا تنقض (7) الوضوء، وإلا فمع تجويزه لكونه ناقضًا للوضوء لا يطمئن ببقاء الوضوء، وهكذا كل مَنْ وقع النزاع في انتقاضِ وضوئه ووجوب الغسل عليه فإن الأصل بقاء طهارته، كالنزاع في بطلان الوضوء بخروج النجاسات من غير السبيلين، وبالخارج النادر منهما، وبمس النساء بشهوة (8) وغيرها، وبأكل ما مَسَّته النار، وغسل الميت، وغير ذلك، لا يمكنه اعتقاد استصحاب الحال فيه حتى يتيقن له بطلان ما يُوجب الانتقال، وإلا بَقي شاكًّا، وإن لم يتبين له صحة الناقل -كما لو أخبره فاسق بخبر (9) - فإنه مأمور بالتبيُّن والتَّثبت، لم يُؤمر بتصديقه ولا بتكذيبه (10) فإنَّ كليهما ممكن منه، وهو مع خبره لا يَستدلُّ باستصحاب الحال كما
(1) في (ق) و (ك): "انتفاء".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
في المطبوع: "ما ينفيه".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(7)
في (ق): "ينقض".
(8)
في (ق): "الشهوة".
(9)
انظر: "بدائع الفوائد"(4/ 68)، و"الطرق الحكمية" (ص: 173)، و"إغاثة اللهفان"(2/ 81)، و"مدارج السالكين"(2/ 16).
(10)
في (ق): "تكذيبه".