الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما تدعو إليه الحاجة كالمساقاة على الشجر لعدم إمكان إجارتها بخلاف الأرض فإنه يمكن إجارتها، وجوَّزوا من المزارعة ما يكون تبعًا للمساقاة إما مطلقًا وإما إذا كان البياضُ الثلث، وهذا كله بناء على أن مُقتضى الدليل بطلان المزارعة، وإنما جُوِّزت للحاجة، ومن أعطى النظر حقه على أن المزارعة أبعد عن الظلم والغرر من الإجارة بأجرة مسماة مضمونة في الذمة، فإن المستأجر إنما يقصد الانتفاع بالزرع النابت في الأرض، فإذا لزمته الأجرة ومقصوده [من الزرع](1) قد يحصل وقد لا يحصل كان في هذا حصول أحد المعاوضين (2) على مقصوده دون الآخر، فأحدُهما غانمٌ ولا بد، والآخر متردد بين المغنم والمغرم، وأما المزارعة فإن حصل الزرع اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان، فلا يختص أحدهما بحصول مقصوده دون الآخر، فهذا أقرب إلى العدل وأبعد عن الظلم والغرر من الإجارة.
[الأصل في جميع العقود العدل]
والأصل في العقود كلها إنما هو العدل الذي بُعثت به الرسل وأُنزلت به الكتب، قال اللَّه تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] والشارع نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، والقرآن جاء بتحريم هذا وهذا، وكلاهما أكل المال (3) بالباطل، وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المعاملات -كبيع الغَرر (4)، وبيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه (5)، وبيع السِّنين (6)، وبيع حبَل الحَبَلة (7)،
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ن): "حصول أحدهما".
(3)
في (ق): "للمال".
(4)
أخرجه مسلم في "الصحيح"(كتاب البيوع): باب بطلان بيع الحصاة (10/ 156 - نووي)، من حديث أبي هريرة.
(5)
أخرجه البخاري في "الصحيح"(كتاب الشرب والمساقاة): باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، (رقم 2194)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب البيوع): باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها (10/ 177 - نووي)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6)
أخرجه البخاري في "الصحيح"(2381)(كتاب المساقاة): باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل، ومسلم (1536) (85) (كتاب البيوع): باب النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة وبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها، وعن بيع المعاومة، وهو بيع السنين، عن جابر بن عبد اللَّه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة (قال أحدهما -أي أبو الزبير أو سعيد بن ميناء: بيع السنين هي المعاومة وعن الثنيا ورخص في العرايا".
(7)
أخرجه البخاري (2143)(كتاب البيوع): باب بيع الغرر وحَبَلَ الحبلة، ومسلم (1514) =
وبيع المُزَابَنة (1) والمحَاقَلة (2)، وبيع الحصاة (3)، وبيع المَلاقيح والمضامين (4)، ونحو ذلك- هي داخلة إما في الربا وإما في الميسر.
فالإجارة بالأجرة المجهولة مثل أن يَكْرِيَه الدار بما يكسبه المكتري من (5) حانوته من المال هو من الميسر، وأما المُضَاربة والمسَاقاة والمزَارعة فليس فيها شيء من الميسر، بل هي [من](6) أقْوَم العَدْل، وهو مما يبين لك أن المزارعة التي يكون فيها البَذْر من العامل أولى بالجواز من المزارعة التي يكون فيها البذر من رب الأرض؛ ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزارعون على هذا الوجه، وكذلك عَامَلَ النبي صلى الله عليه وسلم أهلَ خيبر بشَطر ما يخرج منها من ثمر وزرع على أن يعملوها من أموالهم (7)، والذين اشترطوا أن يكون البذر من رب الأرض قاسُوا ذلك على
= (كتاب البيوع): باب تحريم بيع الرجل حبل الحبلة، وانظر في معناه ما سيأتي قريبًا.
(1)
مضى تخريجه قريبًا، وانظر في معناه ما سيأتي قريبًا.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع): باب بيع المخاضرة (2207)، من حديث أنس.
(3)
أخرجه مسلم (1513)(كتاب البيوع): باب بطلان بيع الحصاة والذي فيه غرر عن أبي هريرة قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر.
وانظر في معناه: "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 160)، و"الموافقات"(2/ 522 و 3/ 417 - بتحقيقي)، وما سيأتي قريبًا.
(4)
أخرجه مالك في "الموطأ"(4060 - رواية يحيى ورقم 2610 - رواية أبي مصعب الزهري) عن سعيد بن المسيب قوله.
وورد مرفوعًا في أحاديث فيها ضعف، وانظر:"مجمع الزوائد"(4/ 204)، وقال (و):"الحبل: مصدر سمي به المحمول، والحبل الأول يراد به ما في بطون النوق من الحمل، والثاني -الحبلة- حبل الذي في بطون النوق، وإنما نهى عنه لمعنيين، أحدهما: أنه غرر، وبيع شيء لم يخلق بعد، وهو أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة على تقدير أن تكون أنثى، فهو بيع نتاج النتاج، وقيل أراد بحبل الحبلة أن يبيعه إلى أجل ينتج فيه الحمل الذي في بطن الناقة، فهو أجل مجهول ولا يصح، والمزابنة: بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر، وفي المحاقلة اختلاف، فقيل: هي اكتراء الأبيض بالحنطة، وقيل: هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع، وقيل: هي بيع الطعام في سنبله بالبر، أو بيع الزرع قبل إدراكه، وبيع الحصاة هو أن يقول البائع أو المشتري: إذا نبذت إليك الحصاة، فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يقول: بعتك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها، أو بعتك من الأبيض إلى حيث تنتهي حصاتك، والكل فاسد لأنه من بيوع الجاهلية، والملاقيح: جمع ملقوح، وهو جنين الناقة، وقيل ما في صلب الفحل، وما في بطن الناقة يسمى: مضمونًا".
(5)
في المطبوع و (ق) و (ك): "في".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
أخرجه البخاري (2328)(كتاب الحرث والمزارعة): باب المزارعة بالشطر، و (2331): =