الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السؤال فيها مرارًا، فقال: يكفيك آية الصَّيْف (1)، وإنما أشكل على عمر قولُه:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176]، الآية، فدلَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ما يبيِّن له المراد منها وهي الآية الأولى التي نزلت في الصيف، فإنه وَرَّثَ فيها ولَدَ الأم في الكلالة (2) السدس، ولا ريبَ أنَّ الكلالةَ فيها مَنْ لا ولد له ولا والد، وإن عَلَا.
ونحن نذكر عدة مسائل مما اختلف فيها السَّلَفُ ومَنْ بعدهم، قد (3) بينتها النصوص، ومسائل قد احتُجُّ فيها بالقياس وقد بيَّنها النَّصُ وأغنى فيها عن القياس.
[المسألة المشتركة في الفرائض]
المسألة الأولى: [المشتركة في الفرائض](4)، وقد دل القرآن على اختصاص ولَدِ الأم فيها بالثلث، بقوله (5) تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وهؤلاء ولد الأم، فلو أدخلنا معهم ولد الأبوين لم يكونوا شركاء في الثلث بل يزاحمهم فيه غيرهم، فإن قيل: بل وَلدُ الأبوين منهم، إلغاء لقرابة الأب، قيل: هذا وهم، لأن اللَّه سبحانه قال (6) في أول الآية:{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] ثم قال: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فذَكَرَ حُكمَ واحدهم وجماعتهم حكمًا يختص به الجماعة منهم كما يختص به واحدُهُم، وقال في ولد الأبوين: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
= "الحجة" لقاسم بن محمد من طريق ابن سيرين عن أبي بكر وقال: وهو منقطع وفي (ك) و (ق): "بالأب" وسقطت "وقد" من (ق).
(1)
الحديث في "صحيح مسلم" وقد سبق تخريجه قريبًا.
(2)
في (ق) و (ك): "بالكلالة".
(3)
في (د): "وقد" ووقع في (ق): "عدة مسائل مما عليه السلف ومن بعدهم قد".
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ط): "المشتركة" وفي (ك) و (ق): "المشركة"، وانظر عنها:"شرح الرحبية"(ص 50 - 52)، "العذب الفائض"(1/ 101 - 102)، "عدة الباحث"(31 - 32).
(5)
في (ك) و (ق): "لقوله".
(6)
في (ن): "ذكر".
الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] فذكر حكم ولد الأب والأبوين واحدُهُم وجماعتهم، وهو حكم يختص به جماعتهم [كما يختص به واحدهم](1) فلا يشاركهم فيه غيرُهُم، فكذا حكم ولد الأم، وهذا يدل على أن أحد الصِّنفين غيرُ الآخر، فلا يشارك أحدُ الصنفين الآخر، وهذا الصنف الثاني هو ولد الأبوين أو الأب بالإجماع (2)، والأول هو ولد الأم بالإجماع، كما فسَّرته قراءةُ بعض الصحابة (3):"من أم" وهي تفسيرٌ وزيادةُ إيضاح، وإلا فذلك معلوم من السياق ولهذا ذكر سبحانه ولد الأم في آية الزوجين، وهم أصحاب فرض مُقَدَّر لا يخرجون عنه، ولا حَظَّ لأحد منهم في التعصيب، ولم يذكر فيها أحدًا من العصبة، بخلاف ذكر (4) في آية العمودين الآية التي قبلها؛ فإن لجنسهم حظًا في التعصيب، ولهذا قال في آية الإخوة من الأم والزوجين:{غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] ولم يقل ذلك في آية العمودين، فإن الإنسان كثيرًا ما يَقْصِدُ ضِرَار الزوجين (5) وولد الأم لأنهم ليسوا من عصبته، بخلاف أولاده وآبائه فإنه لا يضَارهم في العادة، فإذا (6) كان النص قد أعطى ولد الأم الثلث لم يجز تنقيصهم منه، وأما ولد الأبوين فهم جنس آخر وهم عصبته (7) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألِحْقُوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فلأوْلى رَجلٍ ذَكَر"(8) وفي
(1) في (ن): "كواحدهم".
(2)
في (ن): "والصنف الثاني هو ولد الأبوين والأب بالإجماع".
(3)
أخرج الدارمي (2/ 366)، وابن أبي شيبة (11/ 416 - 417)، وسعيد بن منصور (3/ 1187)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن"(رقم 589)، والطبري (8/ 61 - 62/ ط شاكر)، والبيهقي (6/ 333، 231) من طريق القاسم بن عبد اللَّه بن ربيعة بن قانف أن سعدًا كان يقرؤها: "وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت من أم"، والقاسم لم يرو عنه إلا يعلى بن عطاء، ووثقه ابن حبان (5/ 302)، وانظر:"التهذيب"(8/ 320).
وعزاه في "الدر المنثور" إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر وذكر أبو حيان في "البحر المحيط "(3/ 160) أن هذه قراءة أُبيّ وقال ابن المنذر في "الإجماع"(ص 83): "وأجمعوا أن مراد اللَّه عز وجل في الآية في أول سورة النساء الأخوة من الأم، وبالتي في آخرها الإخوة من الأب والأم "، وحكى هذا الإجماع الرازي (9/ 233 - 224) والقرطبي (5/ 78) في "تفسيريهما"، وانظر -غير مأمور-:"القراءات وأثرها في التفسير والأحكام"(2/ 761 - 764).
(4)
في المطبوع: "ما ذكر" وفي (ق): "من ذكر".
(5)
في (ق): "الزوج".
(6)
في (ق): "وإذا".
(7)
في (ن): "عصبة".
(8)
رواه البخاري في "الصحيح"(كتاب الفرائض): باب ميراث الولد من أبيه وأمه، =
هذه المسألة لم تُبْقِ الفرائضُ شيئًا، فلا شيء للعصبة بالنَّص، وأما قول القائس (1):"هَبْ أن أبانا كان حمارًا" فقول باطل حسًا وشرعًا، فإن الأبَ لو كان حمارًا لكانت الأم أتانًا، وإذا قيل: يُقدَّر وجوده كعدمه، قيل: هذا باطل، فإن الموجود لا يكون كالمعدوم، وأما بطلانه شرعًا فإن اللَّه سبحانه حكم في ولد الأبوين بخلاف حكمه في ولد الأم.
فإن قيل: الأب إن لم ينفعهم لم يضرهم.
قيل: بل قد يضرهم كما ينفعهم (2) فإن ولد الأم لو كان واحدًا وولد الأبوين مئة وفَضَل نصفُ سدس (3) انفرد ولد الأم بالسُّدُس، واشترك ولد الأبوين في نصف السدس، فهلَّا قبلتم (4) قولَهم ههنا: هَبْ أن أبانا كان حمارًا؟ وهلا قدَّرتم الأب مَعْدُومًا فخرجتم عن القياس كما خرجتم عن النص، وإذا جاز أن ينقصهم الأبُ جاز أن يحرمهم، وأيضًا فالقرابة المتصلة الملتئمة من الذكر والأنثى لا تفرق أحكامها، هذه قاعدة النسب في الفرائض وغيرها، فالأخ من الأبوين لا نجعله (5) كأخ من أب وأخ من أم فنعطيه السدس [فرضًا](6) بقرابة الأم والباقي تعصيبًا بقرابة الأب.
فإن قيل: فقد فرقتم بين القرابتين (7)، فقلتم في ابني عم أحدهما أخ لأم: يُعطى الأخ للأم بقرابة الأم السدسَ ويقاسم ابن العم بقرابة العمومة.
قيل: نعم هذا قول الجمهور، وهو الصواب، وإن كان شُرَيْح ومَنْ قال (8) بقوله أعطى الجميع لابن العم الذي هو أخ لأم، كما لو كان ابن عم لأبوين، والفرقُ بينهما على قول الجمهور أن كليهما في بُنوَّة العم سواء، وأما الأخوة للأم فمستقلة ليست [مقترنة](6) بأبوة حتى تُجعل كابن العم للأبوين، فههنا (9) قرابة الأم
= (12/ 11/ رقم 6732)، وباب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن، (12/ 16/ رقم 6735)، وباب ميراث الجد مع الأب والإخوة (12/ 18/ رقم 6737)، وباب أبناء عم أحدهما أخ لأم، والآخر زوج، (12/ 27/ رقم 6746)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الفرائض): باب ألحقوا الفرائض بأهلها (3/ 1233/ رقم 1615)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1)
في (ن): "القياسيين".
(2)
في (ن): "بلى. . . ".
(3)
في (ن): "نصف السدس".
(4)
في (ق): "قلتم".
(5)
في (ن): "لا يحصل".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في (ن): "قد فرقتم أحكام القرابتين".
(8)
في (ك): "يقول".
(9)
في (ق): "فهنا".