الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكمة ذلك إشارة بحسب عقولنا الضعيفة وعباراتنا القاصرة، وشرع الرب تعالى وحكمته فوق عقولنا وعباراتنا، فنقول (1):
[الربا نوعان: جليّ وخفي، والجلي النسيئة]
الربا نوعان: جَلي، وخفي، فالجلي حُرِّم لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي فتحريم الأول قصدًا، وتحريم الثاني وسيلة (2)، فأما الجلي فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، مثل أن يُؤخِّر دينه ويزيده في المال، وكلما أخره زاد في المال، حتى تصير المئة عنده [آلافًا](3) مؤلفة؛ وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدمٌ محتاج؛ فإذا رأى أن المُستحق يُؤخِّر مطالبته ويصبر عليه بزيادة يبذلها له تكلَّف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتد ضرره، [وتعظم مصيبته](4)، ويعلوه الدَّيْن حتى يستغرقَ جميع مَوْجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حَرَّم الربا، ولعن آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه (5)، وآذن من لم يَدَعْه بحربه وحرب رسوله، ولم يجئ مثل هذا الوعيد في كبيرة غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر (6). وسئل الإمام أحمد عن الربا الذي لا شك فيه فقال:[هو] أن يكون له دين فيقول له: أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل (7) وقد
(1) المذكور من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في "تفسير آيات أشكلت"(2/ 598 وما بعده) وبعضه من كلامه بالنص والحرف وكلمة فنقول سقطت من (ك).
(2)
في (ق): "فتحريم الأول قصد، والثاني وسيلة".
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (د): "آفالًا"!.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(5)
روى مسلم في (المساقاة): (1598) باب لعن آكل الربا وموكله، من حديث أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لعن اللَّه آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه"، وفيه عنعنة أبي الزبير.
وفي "صحيح البخاري"(2086) -وأطرافه هناك- من حديث أبي جُحيفة: "ولعن آكل الربا وموكله".
وله شواهد -أيضًا- بطوله، انظرها في "إرواء الغليل"(5/ 183 - 185).
(6)
انظر حول وعيد المرابي بالمحاربة: "طريق الهجرتين"(ص 659 - 660)، و"الكبائر"(ص 49 - بتحقيقنا) للذهبي و"المجالسة"(2767 - بتحقيقي).
(7)
نقل المصنف عن شيخه ابن تيمية في "تفسير آيات أشكلت"(2/ 597) سؤال أحمد وجوابه وكذا الكلام اللاحق مع الآيات والأحاديث والآثار، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
جعل اللَّه سبحانه الربا ضد الصدقة، فالمُرابي ضد المُتصدِّق، قال اللَّه تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] وقال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39] وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 130 - 131] ثم ذكر الجنة التي أُعدت [للمتقين الذين](1) ينفقون في السَّراء والضَّرَّاء، [والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس](2) وهؤلاء ضد المرابين، فنهى سبحانه عن الربا الذي هو ظلم للناس، وأمر بالصدقة التي هي إحسان إليهم.
وفي "الصحيحين" من حديث ابن عباس، عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الرِّبا في النَّسيئة"(3) ومثل هذا يراد به حصر الكمال وأن الربا الكامل إنما هو في النسيئة، كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 2 - 4] وكقول ابن مسعود: "إنما العالم الذي يخشى اللَّه"(4).
فصل (5)[ربا الفضل]
وأما [تحريم](6) ربا الفَضْل فتحريمه من باب سد الذرائع، كما صَرَّح به
(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "للذين".
(2)
ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق) فقط.
(3)
رواه البخاري في "الصحيح"(رقم 2178 و 2179)(كتاب البيوع): باب بيع الدينار بالدينار نساء، ومسلم في "الصحيح" (رقم 1596) (كتاب المساقاة): باب بيع الطعام مثلًا بمثل.
(4)
ذكره ابن عبد البر (1221) دون إسناد، وروى أحمد في "الزهد"(2/ 106)، وأبو داود في "الزهد"(182)، والطبراني في "الكبير"(9/ 105) رقم (8534)، وابن بطة في "إبطال الحيل"(ص 21)، والبيهقي في "المدخل"(رقم 486)، وابن عبد البر في "الجامع"(رقم 1400، 1401)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 131) عن عبد الرحمن حدثنا قرة عن عون بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن مسعود قال: ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية.
وعون بن عبد اللَّه لم يدرك ابن مسعود، فهو منقطع، وانظر:"مجمع الزوائد"(10/ 235)، وعزاه في "الدر المنثور"(7/ 20) لابن أبي شيبة وعبد بن حميد.
(5)
ما تحته في "تفسير آيات أشكلت" لابن تيمية (2/ 609 وما بعد).
(6)
ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك).