الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الغنيمة فلأن يُحرق مالُه إذا حَرقَ مالَ المسلم المعصوم أولى وأحرى، وإذا شُرعت العقوبة المالية (1) في حَقِّ اللَّه الذي مسامحته به أكثر من استيفائه فلأن تُشرع في حق العبد الشحيح أولى وأحرى، ولأن اللَّه سبحانه شرع القصاص زجرًا للنفوس عن العدوان، وكان من الممكن أن يوجبَ الدية استدراكًا لظلامة المجني عليه بالمال، ولكن ما شرعه أَكمل وأَصلح للعباد، وأشفى لغيظ المجني عليه (2)، وأحفظ للنفوس والأطراف، وإلا فمن كان في نفسه من الآخر مِنْ قَتْله وقَطْع (3) طرفه قَتَله وقَطَع (3) طَرَفَه وأعطى ديته، والحكمة والرحمة والمصلحة تأبى ذلك، وهذا بعينه موجود في العدوان على المال.
فإن قيل: فهذا ينجبرُ (4) بأن يعطيه نظيرَ ما أتلفه عليه.
قيل: إذا رضي المجني عليه بذلك فهو كما لو رضي بدية طرفه، [فهذا هو محض القياس](5)، وبه قال الأحمدان: أحمد بن حنبل وأحمد ابن تيمية (6)، قال في رواية موسى بن سعيد: وصاحب الشيء مُخيَّر (7)، إن شاء شَقَّ الثوبَ، وإن شاء [أخذ](8) مثله.
[كيف يُجزى الجاني على العرض
؟]
المسألة الثالثة: الجناية على العِرْض، فإن كان حرامًا في نفسه كالكذب عليه وقَذفهِ وسَبِّ والديه فليس له أن يَفعل به كما فُعل به اتفاقًا، وإن سَبَّه في نفسه أو
= وروى أيضًا (رقم 2715) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه، قال أبو داود وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد -ولم أسمعه منه-:
"ومنعوه سهمه"، وصالح بن محمد بن زائدة أبو واقد الليثي، وهو ليس ممن يحتج به، ورواه مرفوعًا، وهذا الذي ذكره عن الوليد -وهو ابن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم- أصح من المرفوع، كما قال أبو داود، وانظر:"عون المعبود"(7/ 383)، "تفسير القرطبي"(4/ 259). وهذا أحد الروايتين عن أحمد، انظر:"تقرير القواعد"(2/ 404 - بتحقيقي) لابن رجب.
(1)
كما هو مبسوط في "الطرق الحكمية". وانظر: "العقوبة بالغرامة المالية" للدكتور ماجد أبو رخية، منشورات مكتبة الأقصى، عمان.
(2)
في (ق) و (ك): "وأشفى للغيظ عليه".
(3)
في المطبوع: "أو قطع".
(4)
في (ق): "تخيير".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(6)
انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(18/ 167 - 169).
(7)
في (د): "يخير" وفي (ك): "مختار".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
سَخِرَ به أو هزأ به أو بال عليه أو بصق عليه أو دعا عليه فله أن يفعل به نظير ما فعل به متحريًا للعدل، وكذلك إذا كسعه أو صفعه فله أن يستوفيَ منه نظير ما فعل به سواء، وهذا أَقرب إلى الكتاب والميزان وآثار الصحابة من التعزير المخالف للجناية جنسًا ونوعًا (1) وقدرًا وصفة، وقد دلّت السنّة الصحيحة الصريحة على ذلك، فلا عبرة بخلاف من خالفها؛ ففي "صحيح البخاري":"أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أَرسلنَ زَيْنب بنت جحش إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكلمه في شأن عائشة، فأتته فأغلظت، وقالت: إن نساءَك يَنْشُدنك العَدْلَ في بنت (2) ابن أبي قُحافة، فرَفَعت صوتَها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة، فسبَّتها، حتى إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم، فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها، قالت: فنظر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال: إنها بنتُ أبي بكر"(3)، وفي "الصحيحين"[في](4) هذه القصة، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم-وهي التي كانت تُساميني في المنزلة عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث، وقالت: ثم وقعت فيَّ، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقبُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأرقبُ طَرفَه: هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أَنتصر، فلما وقعت بها لم أَنْشَبها حتى أنحيت عليها (5)، قالت: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتبسَّم: "إنها ابنةُ أبي بكر"، وفي لفظ [فيهما]:"فلم أنشبها أن أثخنتها غلبة"(6) وقد حكى اللَّه سبحانه عن يوسف الصديق إنه قال لإخوته: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ] (7)} [يوسف: 77] لما قالوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} (8)[يوسف: 77]
(1) في (ق): "نوعًا وجنسًا".
(2)
في (ق): "ابنة".
(3)
أخرجه البخاري (2581) في (الهبة): باب من أهدى إلى صاحبه وتَحرَّى بعض نسائه دون بعض، ومسلم (2442) في (فضائل الصحابة): باب في فضل عائشة، من حديث عائشة، ووقع في (ق):"ابنة".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (د).
(5)
"تريد كلام عائشة رضي الله عنها أنها لما خاصمتها؛ لم تزل بها حتى غلبتها"(ط)، وفي (ك) و (ق):"أثخنت".
(6)
انظر الحديث السابق، ووقع في (ق):"أثخنتها عليه"، وما بين المعقوفتين قبلها سقط من (ق).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
أول الآية: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} ، وختامها {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف: 77] " (و).