الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقرب منه إذا لم يكن له فرضٌ، كما إذا كان بناتٌ وبناتُ ابنِ وأسفل منهن ابنُ ابنِ ابنٍ فإنه يعصبُهن فيحصل (1) لهن الميراث بعد أنْ كُنَّ محروماتٍ، وأما أن البعيد من العَصَبَات يمنع الأقرب من الميراث بعد أن كان وارثًا فهذا ممتنع شرعًا وعقلًا، وهو عكس قاعدة الشريعة، واللَّه الموفق.
وفي الحديث مسلك آخر، وهو، أن قولَه:"ألحقوا الفرائض بأهلها" المراد به من كان من أهلها في الجملة، وإن لم يكن في هذه الحال من أهلها كما في اللفظ الآخر:"اقْسِمُوا المالَ بين أهل الفرائض"(2) وهذا أعم من كونه من أهل الفرائض بالقوة أو بالفعل، فإذا كانوا كلهم من أهل الفرائض بالفعل كان الباقي للعصبة، وإن كان فيهم مَنْ هو من أهلِ الفرائضِ بالقوةِ وإن حُجب عن الفرضِ بغيره دَخَلَ في اللفظ الأول وإن لم يكن لأولى رجلٍ ذكر معه شيءٌ، وإنما يكون له إذا كان أهل الفرائض مطلقًا معدومين، واللَّه أعلم.
فصل [ميراث البنات]
المسألة الرابعة: ميراث البنات، وقد دلَّ صريحُ النص على أن للواحدة النصف ولأكثر من اثنتين الثلثين، بقي الثِّنْتان (3)، فأشْكَلَ دلالة القرآن على حكمهما على كثير من الناس، فقالوا: إنما أثبتناه بالسنة الصحيحة، وقالت طائفة: بالإجماع، وقالت طائفة: بالقياس على الأختين.
قالوا: واللَّه سبحانه نصَّ على الأختينِ دون الأَخوات، ونص على البنات دون البنتين، فأخذنا حكم كل واحدة من الصورتين المسكوت عنها من الأخرى.
وقالت طائفة: بل أُخذ من نص (4) القرآن، ثم تنوعت طرقهم في الأخذ: فقالت طائفة: أخذناه من قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فإذا أخذ الذكرُ الثلثين والأنثى الثلثَ عُلم قطعًا أن حظ الأنثيين الثلثان، وقالت طائفة: إذا كان للواحدة مع الذكر الثلثُ، لا الربع،
(1) في (ق): "ويحصل".
(2)
أخرجه مسلم في "الصحيح"(كتاب الفرائض): باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر، (3/ 1234 / رقم 1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
في (ن): "بقي البنتان".
(4)
في (د): "نصوص".
فلأن (1) يكون لها الثلث مع الأنثى أوْلى وأحْرَى، وهذا من تنبيه النص بالأدنى على الأعلى، وقالت طائفة: أخذناه من قوله سبحانه (2): {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فقيد النِّصفَ بكونها واحدةً، فدل بمفهومه على أنه لا يكون لها إلا في حال وَحْدَتها، فإذا كان معها مثلُها فإما أن تُنقصَها عن (3) النصفِ وهو محالٌ أو يشتركان فيه وذلك يُبطلُ الفائدةَ في قوله:{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: 11]، ويجعلُ ذلك لغوًا مُوهِمًا خلافَ المراد به وهو محال، فتعين القسم الثالث وهو انتقالُ الفرضِ من النصف إلى ما فوقه وهو الثُلثان.
فإن قيل: فأيُّ فائدةٍ [في التقييد بقوله](4): {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] والحكمُ لا يختص بما فوقهما؟
قيل: حسنُ ترتيب الكلامِ وتأليفهِ ومطابقةِ مضمرِه لظاهره أوجبَ ذلك؛ فإنه سبحانه قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]، فالضمير في {كُنَّ} مجموعٌ يطابق الأولاد، أي: فإن كان الأولادُ نساءً فذكر لفظ الأولاد وهو جمع {كُنَّ} (5) وهو ضمير جمع، و {نِسَاءً} وهو اسم جمع، فلم يكن بد من فوق اثنتين، وفيه نكتة أخرى، وهي (6) أنه سبحانه قد ذكر ميراثَ الواحدةِ نصًا وميراث الثنتين تنبيهًا كما تقدم، فكان في ذكر العدد الزائد على الاثنتين دلالة على أن الفرضَ (7) لا يزيدُ بزيادتِهنَّ على الاثنتين كما زاد بزيادة الواحدة على الأخرى. وأيضًا فإن ميراثَ الاثنتين قد عُلم من النص، فلو قال:{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النساء: 176] كان تكرارًا (8) ولم يُعلم منه حكم ما زاد عليهما، فكان ذكر الجمع في غاية البيان والإيجاز، ومطابقة أولُ الكلام وآخرُه وحسن تأليفه وتناسبه. وهذا بخلاف سياق آخر السورة فإنه قال:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176]، فلم يتقدم اسمُ جمعٍ ولا ضميرُ جمع يقتضي أن يقول: فإن كُنَّ [نساءً](9) فوق اثنتين.
(1) في (د) و (ك): "فأن".
(2)
في (ق): "تعالى".
(3)
في (ق): "من".
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "بالتقييد بقوله له".
(5)
في (د): "وضمير كُنَّ" وفي (ق): "وكن".
(6)
في المطبوع و (ق) و (ك): "وهو".
(7)
في (ن): "النص".
(8)
في المطبوع و (ق) و (ك): "تكريرًا".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).