الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاسمعوا الآن هدْم الأصول الفاسدة التي يُعترض بها على النصوص الصحيحة: أما قولكم: "إنه تضمّن الرد من غير عيب ولا فوات صفة" فأين في أصول الشريعة المُتلقّاة عن صاحب الشرع ما يدل على انحصار الرد بهذين الأمرين؟ وتكفينا هذه المطالبة، ولن تجدوا إلى إقامة الدليل على الحصر سبيلًا؛ ثم نقول: بل أصول الشريعة توجبُ الرد بغير ما ذكرتم، وهو الرد بالتدليس والغش، فإنه هو والخلف في الصفة من باب واحد، بل الرد بالتدليس أولى من الرد بالعيب، فإن البائع يُظهر صفة المبيع تارة بقوله وتارة بفعله، فإذا أظهر للمشتري أنه على صفة فبان بخلافها كان قد غشه ودلّس عليه، فكان له الخيار بين الإمساك والفسخ، ولو لم تأت الشريعة بذلك لكان هو محْض القياس وموجب العدل فإن المشتري إنما بَذل ماله [في المبيع](1) بناء على الصفة التي أظهرها له البائع، ولو علم أنه على خلافها لم يبذل له فيها ما بذل، فإلزامه للمبيع (2) مع التدليس والغش من أعظم الظلم الذي تتنزّه الشريعة عنه، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الخيار للركبان إذا تُلُقُّوا واشتُرِيَ منهم قبل أن يهبطوا السوق ويعلموا السِّعْر (3)، وليس ههنا عيبٌ ولا خلف في صفة، ولكن فيه نوع تدليس وغش.
فصل [الخراج بالضمان]
وأما قولكم: "الخراج بالضمان"(4) فهذا الحديث وإن كان قد رُوي فحديث
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
في (ق): "بالمبيع".
(3)
رواه مسلم (كتاب البيوع): باب تحريم تلقي الجلب (1519)(17)، من حديث أبي هريرة.
(4)
رواه أحمد (6/ 80 و 116)، وأبو داود (3510) في (البيوع): باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا، والترمذي تعليقًا، بإثر حديث (1285) في (البيوع): باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا، وابن ماجه (2243) في (التجارات): باب الخراج بالضمان، والدارقطني (3/ 53)، والطحاوي (4/ 21 - 22)، وابن الجارود (626)، والحاكم (2/ 14 - 15) من طرق عن مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا، وقال أبو داود: إسناده ليس بذلك، وأما الحاكم فصححه ووافقه الذهبي.
قلت: مسلم بن خالد ضعيف سيء الحفظ، ولكه توبع.
فرواه: الترمذي (1286)، وابن عدي (5/ 1702)، والبيهقي (5/ 322) من طريق عمر بن علي المقدمي عن هشام به. =
المُصَرّاة (1) أصحُّ منه باتفاق أهل الحديث قاطبة، فكيف يُعارض به مع أنه لا تعارض بينهما بحمد اللَّه؟ فإن الخراج اسم للغلَّة مثل كسب العبد وأجرة الدابة ونحو ذلك، وأما الولد واللبن (2) فلا يُسمَّى خراجًا، وغايةُ ما في الباب قياسُه عليه بجامع كونهما من الفوائد، وهو من أفسد القياس؛ فإنّ الكسْب الحادث
= وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من حديث هشام بن عروة، واستغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث من حديث عمر بن علي. قلت: عمر بن علي ثقة لكنه مدلس فلا يبعد أن يكون أخذه من مسلم بن خالد؛ لذلك قال ابن عدي: وهذا يعرف بمسلم بن خالد.
ورواه ابن عدي (7/ 2605)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (8/ 297) وابن الجوزي في "العلل" (482) من طريق خالد بن إبراهيم المكفوف عن هشام به. وزاد ابن عدي: ويعقوب بن الوليد، وقال: هذا حديث مسلم بن خالد عن هشام بن عروة سرقه منه يعقوب هذا، وخالد بن مهران وهو مجهول. وله طريق آخر عن عروة.
رواه الشافعي (2/ 143 - 144)، والطيالسي (1464)، وأحمد (6/ 49 و 160 و 208 و 237)، وأبو داود (3508)، والترمذي (1285)، والنسائي (7/ 254 - 255) في (البيوع): باب الخراج بالضمان، وابن ماجه (2242)، والدارقطني (3/ 35)، وابن الجارود (627)، والعقيلي (4/ 231)، وأبو يعلى (4537 و 4575 و 4614)، والحاكم (2/ 15)، والبيهقي (5/ 321) من طرق عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف عن عروة به وفيه قصة، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
أقول: ومخلد بن خفاف هذا قال فيه أبو حاتم: لم يرو عنه غيره (أي ابن أبي ذئب) وليس هذا إسناد تقوم بمثله حجة. وقال ابن عدي: لا يعرف له غير هذا الحديث. وقال البخاري: فيه نظر. ووثقه ابن حبان وابن وضاح!!.
أقول: ذكر الحافظ في "التهذيب" أنه روى عنه أيضًا يزيد بن عياض لكنه متروك.
والحديث صححه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(5/ 494 رقم 2718) وأقره ابن حجر في "التلخيص"(3/ 22)، وقواه شيخنا الألباني أيضًا في "إرواء الغليل"(1446، 1521).
وفسره الترمذي بأن يشتري الرجل العبد يستغله ثم يظهر به عيب فيرده، فالغلة للمشتري لأن العبد لو هلك هلك في ضمانه، ونحو هذا يكون في الخراج بالضمان. اهـ. يعنى: وهو يقتضي أن اللبن للمشتري؛ فكيف يرد عنه الصاع من التمر؟ وقد أجيب عنه أولًا بأن حديث المصراة أقوى من حديث الخراج بالضمان، وثانيًا بأن اللبن المصَّرى كان حاصلًا قبل الشراء في ضرعها؛ فليس من الغلة التي إنما تحدث عند المشتري، فلا يستحقه المشتري بالضمان؛ فلا بد من قيمته، انظر:"نيل الأوطار"(5/ 245) للشوكاني، و"الموافقات"(3/ 204، 427، 430، 455 بتحقيقي)، و"تهذيب السنن" للمصنف (5/ 158 - 159).
(1)
سبق تخريجه.
(2)
في (ق): "اللبن والولد".