الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النِّسَاءِ} [النساء: 24] ولا من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: 23] بل هذا من عُرْف الشارع، حيث يُعبِّر باللفظ الخاص عن [المعنى](1) العام، وهذا غير باب القياس؛ وهذا تارة يكون لكون اللفظ الخاص صار في العُرف عامًّا كقوله:{لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} (2)[النساء: 53]{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3)[فاطر: 13]{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (4)[النساء: 49، الإسراء: 71] ونحوه، وتارة لكونه قد عُلم بالضرورة من خطاب الشارع تعميمُ المعنى لكل ما كان مماثلًا للمذكور، وأن التَّعيين في اللفظ لا يُراد به التخصيص بل التمثيل، أو لحاجة المخاطب إلى تعيينه بالذكر، أو لغير ذلك من الحِكَم.
فصل [مسألة ميراث الأخوات مع البنات]
المسألة الثالثة: ميراث الأخوات مع البنات وأنهن عصبة؛ فإن القرآن يدل عليه كما أوجبته السنة الصحيحة (5)، فإن اللَّه سبحانه قال:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وهذا دليل على أن الأختَ ترثُ النِّصف مع عدم الولد، وأنه هو يرث المال كله مع عدم ولدها، وذلك يقتضي أن الأخت مع الولد لا يكون لها النِّصفُ مما ترك؛ إذ لو كان كذلك لكان قوله:{لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] زيادة في اللفظ، ونقصًا (6) في المعنى، وإيهامًا لغير المراد، فدل على أنَّها مع الولد لا ترثُ النصفَ، والولد إما ذكر وإما أنثى، [فأما
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (د) و (ط): "لا يكون نقيرًا"!، وفي (و):"لا يظلمون نقيرًا"، وما أثبتناه من (ق).
(3)
في (ق) و (د) و (ط) -أيضًا-: "وما يملكون من قطمير"! بزيادة الواو.
(4)
وردت مرتين في [النساء: 149]، و [الإسراء: 71] " (و).
(5)
أخرج البخاري (6741)(كتاب الفرائض): باب ميراث الأخوات مع البنات عَصَبة بسنده إلى سليمان عن إبراهيم عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم النصفُ للابنة، والنصف لأُخت، ثم قال سليمان: قضى فينا، ولم يذكر: على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
وأخرج (6742) عن ابن مسعود قال: لأقضين فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، وما بقي فللأخت.
(6)
في (ق): "ونقص".
الذكر] (1) فإنه يُسْقطها كما يُسقط الأخ بطريق الأولى، ودل قوله:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] على أن الولدَ يُسقطه كما يسقطها، وأما الأنثى فقد دلَّ القرآنُ على أنها إنما تأخذ النصفَ ولا تمنع الأخ عن النصف الباقي إذا كانت بنت وأخ، بل دل القرآن مع السنة والإجماع أن الأخ يفوز بالنصف الباقي، كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألْحِقُوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأوْلى رجلٍ ذكرٍ"(2) وليس في القرآن ما ينفي ميراث الأخت مع إناث الولد بغير جهة الفرض، وإنما صريحُه ينفي أن يكون فرضُها النصفَ مع الولد (3)، فبقي ههنا ثلاثة أقسام: إما أن يُفرضَ لها أقل من النصف، وإما أن تُحرمَ بالكلية، وإما أن تكون عَصَبة، والأولُ مُحَال، إذ ليس للأخت فرضٌ مُقدر غير النصف، فلو فرضنا لها أقلَّ منه لكان ذلك وضع شرع جديد، فبقي إما الحِرمانُ وإما التعصيبُ (4)، والحرمانُ لا سبيل إليه؛ فإنها وأخاها في درجة واحدة، وهي لا تُزاحم البنت (5)، فإذا لم يسقط أخوها بالبنت لم تسقط هي بها أيضًا، فإنها لو سَقَطت بالبنت ولم يسقط أخوها بها لكان أقوى منها وأقربَ إلى الميت، وليس كذلك، وأيضًا فلو أسقطتها البنتُ إذا انفردت عن أخيها لأسقطتها مع أخيها، فإن أخاها لا يزيدُها قوةً، ولا يحَصِّلُ لها نفعًا في موضع واحد، بل لا يكون إلا مضرًا لها ضررَ نقصان أو ضرر حرمان، كما إذا خلَّفت زوجًا وأمًا وأخوين لأم وأختًا لأب وأم، فإنها يُفرض لها النصفُ عائلًا، وإن كان معها أخوها سَقَطَا معًا، ولا تنتفع به في الفرائض في موضع واحد؛ فلو أسقطتها البنتُ إذا انفردت لأسقطتها بطريق الأولى مع من يضعفها ولا يقويها؛ وأيضًا فإن البنت إذا لم تُسْقط ابنَ الأخ وابن العم [وابن عم الأب](6) والجد وإن بَعُد فأنْ (7) لا تُسْقِطَ الأخت مع قربها بطريق الأولى، وأيضًا فإن قاعدة الفرائض إسقاط البعيد بالقريب، وتقديم الأقرب على الأبعد، وهذا عكس ذلك فإنه يقتضي (8) تقديم الأبعد جدًا الذي بينه وبين الميت وسائط كثيرة على الأقرب الذي ليس بينه وبين الميت إلا واسطة الأب وحده، فكيف يرثُ ابنُ عمِّ جَدِّ الميت مثلًا
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في (ق) و (ك): "وإنها صريحة أن يكون فرضها مع عدم الولد".
(4)
في (ق): "أو التعصيب".
(5)
في (ن): "البنين".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(7)
في (ق): "فلأن".
(8)
في المطبوع و (ك): "يتضمن".
مع البنت وبينه وبين الميت وسائط كثيرة وتُحرم الأخت القريبة التي ركَضَتْ معه في صُلْب أبيه ورحم أمه؟ هذا من المحال الممتنع شرعًا؛ فهذا من جهة الميزان. وأما من جهة فهم النص فإن اللَّه سبحانه قال في الأخ: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] ولم يمنع ذلك ميراثه منها إذا كان الولد أنثى، فهكذا قوله:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] لا ينفي أن ترث غيرَ النصف مع إناث الولد أو ترث (1) الباقي إذا كان نصفًا؛ لأن هذا غير الذي أعطاها إياه فرضًا مع عدم الولد، فتأمله فإنه ظاهر جدًا؛ وأيضًا فالأقسام ثلاثة:
* إما أن يقال: يُفرضُ لها النصف مع البنت.
* أو يقال: تَسقطُ معها بالكلية.
* أو يقال: تأخذ ما فَضَلَ بعد فَرْضِ البنت أو البنات.
والأول ممتنع للنص والقياس، فإن اللَّه سبحانه إنما فرض لها النصفَ مع عدم الولد، فلا يجوز إلغاءُ هذا الشرط وفَرْضُ النصف لها مع وجوده، واللَّه سبحانه إنما أعطاها النصف إذا كان الميتُ كَلَالة لا ولدَ له ولا والد، فإذا كان له ولد لم يكن الميتُ كلالةً فلا يفرض لها معه [منه](2)؛ وأما القياس فإنها لو فُرض لها النصف مع وجود البنت لنقصت البنت عن النصف إذا عالت الفريضة [كزوجة أو زوج](3) وبنت وأخت [وإخوة](4)، والإخوة لا يزاحمون الأولاد لا بفرضٍ ولا تعصيب، فإن الأولاد أولى منهم، فبطل فرض النصف، وبطل سقوطها بما ذكرناه؛ فتعين القسم الثالث وهو أن تكون عصبة لها ما بقي، وهي أولى به من سائر العصَبَات الذين هم أبعد منها؛ وبهذا جاءت السنة الصحيحة الصريحة التي قضى بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ فوافَقَ قضاؤه كتابَ ربه والميزانَ الذي أنزله (5) مع كتابه؛ وبذلك قضى الصحابةُ بعده كابن مسعود ومُعاذ بن جبل وغيرهما.
فإن قيل: لكن خرجتم عن قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقُوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فلأوْلى رجلٍ ذكرٍ"(6) فإذا أعطينا البنت فرضها وجب أن يُعطى الباقي لابن الأخ
(1) في (ق) و (ك): "وترث".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "كزوج".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق): "لكتاب ربه وللميزان الذي أنزل".
(6)
سبق تخريجه.
أو العم أو ابنه دون الأخت؛ فإنه رجل ذكر، فأنتم عدَلتم عن هذا النص وأعطيتموه الأنثى، فكنا أسعدَ بالنص منكم، وعملنا به وبقضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيث أعطى البنتَ النصفَ وبنتَ الابن السدسَ والباقي للأخت إذا لم يكن هناك أولى رجل ذكر (1)، فكانت الأختُ عصبةَ، وهذا توسط بين قولكم و [بين](2) قول من أسقط الأخت بالكلية، وهذا مذهب إسحاق بن راهويه، وهو اختيار أبي محمد بن حزم (3)، وسقوطها بالكلية مذهب ابن عباس كما قال عبد الرزاق: أنبا معمر، عن الزُّهريِّ، عن أبي سلمة: قيل لابن عباس: رجلٌ تَركَ ابنته وأخته لأبيه وأمه، فقال: لابنته (4) النصفُ ولأمهِ السدسُ وليس لأخته شيءٌ مما ترك، وهو لعصبته، فقال له السائل: إنّ عُمر قضى بغير ذلك، جَعلَ للبنتِ النصفَ، وللأختِ النصفَ، فقال ابنُ عباس: أأنتم أعلم أم اللَّه؟ قال معمر: فذكرت ذلك لابن طاوس، فقال [لي] (2): أخَبَرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول: قال اللَّه عز وجل: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فقلتم أنتم: لها النصفُ، وإن كان له ولد (5)، وقال ابنُ أبي مُليكة، عن ابن عباس: أَمرٌ ليس في كتاب اللَّه ولا في قضاءِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وستَجِدُونه في الناس كُلِّهم: ميراثُ الأخت مع البنت (6).
فالجواب أن نصوص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلها حق يُصدِّقُ بعضُها بعضًا ويجب الأخذُ بجميعها، ولا يُترك له نصٌ إلا بنص آخر ناسخ له، لا (7) يُترك بقياسٍ ولا رأي ولا عملِ أهلِ بلدٍ ولا إجماع، ومحال أن تُجمعَ الأمةُ على خلاف نص له إلا أن يكون له نص آخر ينسخه؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "فما أبْقَتِ الفرائضُ فلأوْلى رجلٍ
(1) أخرجه البخاري (6742)(كتاب الفرائض): باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة عن ابن مسعود، ومضى لفظه قريبًا.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
انظر: "المحلى"(9/ 256 - 257) لابن حزم، ونقله عن ابن راهويه.
(4)
في (ق): "لبنته".
(5)
رواه عبد الرزاق (19023)(10/ 254)، ومن طريقه البيهقي (6/ 233)، وابن حزم (9/ 257) عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة قال جاء ابن عباس. . . وإسناده صحيح.
(6)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4/ 337)، والقاضى إسماعيل في "أحكام القرآن"، ومن طريقه ابن حزم (9/ 257) من طريق مصعب بن عبد اللَّه عن ابن أبي مليكة به، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(7)
في (ق): "ولا".
ذكرٍ" (1) عامٌّ قد خص منه قوله: "تَحُوزُ المرأة ثلاثَ مواريث: عتيقَها، ولقيطَها، وولدَهَا الذي لاعَنَتْ عليه" (2) وأجمع الناسُ على أنها عَصبة عتيقها، واختلفوا في كونها عصبة لقيطها وولدها المنفي باللعان، وسُنَّةُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم تقضي (3) بين المتنازعين، فإذا خُصَّت منه هذه الصور بالنص (4) وبعضها مجمعٌ عليه خصت منه هذه الصورة لما ذكرناه من الدلالة (5).
فإن قيل: قولُه: "فلأولى رجل ذكر" إنما هو في الأقارب الوارثين بالنسب وهذا لا تخصيص فيه (6).
قيل: فأنتم تقدمون المعتق على الأخت مع البنت، وليس من الأقارب، فخالفتم النصين معًا، وهو صلى الله عليه وسلم قال:"فلأولى رجل ذكر" فأكده بالذكورة ليبين أن العاصب بنفسه المذكور هو الذكر دون الأنثى، وأنه لم يرد بلفظ الرجل ما يتناول الذكر والأنثى كما في قوله:"مَنْ وَجَدَ متاعَهُ عند رجل قد أفلس"(7) ونحوه مما يُذكر فيه لفظ الرجل والحكمُ يعمُّ النوعين، وهو نظير قوله في حديث الصدقات:"فابْنُ لَبُونٍ ذكر"(8) ليبين أن المراد الذكر دون الأنثى، ولم يتعرض في الحديث
(1) سبق تخريجه قريبًا.
(2)
رواه أحمد (3: 106، 490 و 4/ 107)، وأبو داود (2906) (الفرائض): باب ميراث ابن الملاعنة، والترمذي (2115) في (كتاب الفرائض): باب ما جاء في ما يرث النساء من الولاء، وابن ماجه (2742) في (الفرائض): باب تحوز المرأة ثلاث مواريث، والنسائي في "الكبرى"(ق 83، 84) -وكما في "التحفة"(9/ 78) - والطحاوي في "المشكل"(7/ 309 رقم 2870)، والدارقطني (4/ 89، 90)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 1707)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 340 - 341)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(6/ 240) كلهم من طريق عمر بن رؤبة عن عبد الواحد بن عبد اللَّه عن واثلة، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه"، وفي كلامه نظر.
فقد قال ابن عدي عن عمر بن رؤبة: "وإنما أنكروا عليه أحاديثه عن عبد الواحد النصري".
وصححه الحاكم في "المستدرك" وسكت الذهبي، مع أنه ذكر عمر بن رؤبة في "الميزان"، وقال: ليس بذاك، وليس له في "السنن" إلا هذا الحديث، فالحديث ضعيف.
انظر: "الإرواء"(1576)، وتعليقي على "سنن الدارقطني"(رقم 4049، 4050).
(3)
في المطبوع: "تفصل".
(4)
في (ق) و (ك): "بالنصوص".
(5)
في (ق): "بما ذكرناه من الأدلة".
(6)
في (ن): "وهذا لا يخص منه".
(7)
مضى تخريجه، ووقع في (ق):"من وجد متاعه بعينه عند رجل".
(8)
هو في "صحيح البخاري"(1448) في (الزكاة): باب الفرض في الزكاة، وانظر أطرافه هناك، وقال فيه:"وعنده ابن لبون فإنه بقبل منه" من حديث أنس عن أبي بكر، وقوله:"فابن لبون ذكر" وارد في طرق الحديث الأخرى منها عن أبي داود (1567) وغيره.