الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخ الإسلام (1): وهذا الحديث يستقيم على القياس مع ثلاثة أصول صحيحة، كلٌّ منها قول طائفة من الفقهاء:
أحدهما: أن من غيَّر مال غيره بحيث فوّت مقصوده عليه فله أن يَضمنه بمثله، وهذا كما لو (2) تصرّف في المغصوب بما أزال اسمه ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد (3) وغيره:
أحدها: أنه باقٍ على مُلكِ صاحبه، وعلى الغاصبِ ضمانُ النقص، ولا شيء عليه في الزيادة كقول الشافعي (4).
والثاني: يملكُه الغاصبُ بذلك، ويضمنُه لصاحبه كقول أبي حنيفة (5).
الثالث: يُخيَّر المالك بين أخذه وتضمين النقص وبين المطالبة بالبَدَل، وهذا أعدل الأقوال وأقواها؛ فإن فوّت (6) صفاته المعنوية -[مثل أن](7) ينسيه صناعته أو يضعف قوته، أو يُفسد عقله أو دينه- فهذا أيضًا يخيَّر المالك فيه بين تضمين النَّقص وبين المطالبة بالبدل، ولو قطع ذَنَبَ بغلة القاضي فعند مالك يضمنها بالبدل ويملكها لتعذر مقصودها على المالك في العادة؛ أو يُخيَّر المالك (8).
فصل [المتلفات تضمن بالجنس]
الأصل الثاني: أن جميع المُتْلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة، حتى الحيوان فإنه إذا اقترضه رُدّ مثله، كما اقترض النبي صلى الله عليه وسلم بَكْرًا وردَّ خيرًا منه (9)، وكذلك المغرُور يضمن ولده بمثله (10) كما قَضت به
(1) الكلام بطوله بتصرف يسير في "مجموع الفتاوى"(20/ 562 - 566) لابن تيمية رحمه الله انظر منه (20/ 162 - 167، 562 - 566)، وانظر:"المعدول به عن القياس وموقف ابن تيمية منه"(ص 166 - 169)، و"تيسير الفقة الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية"(2/ 1070 - 1074)، و (3/ 1145 - 1146).
(2)
في (ق): "إذا".
(3)
انظر: "المغني"(5/ 403 - 404).
(4)
انظر: "المهذب"(1/ 484 - 485).
(5)
انظر: "حاشية ابن عابدين"(6/ 190 - 191).
(6)
في (ق) و (ك): "فوات".
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "بأن".
(8)
انظر: "الإشراف"(3/ 119 - 120)، و"الموافقات"(5/ 196) وتعليقي عليهما.
(9)
رواه مسلم (1600) في (المساقاة): باب من استسلف شيئًا فقضى خيرًا منه، من حديث أبي رافع.
(10)
في المطبوع و (ق): "بمثلهم".
الصَّحابة (1)، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وقصة داود وسليمان صلى الله عليه وسلم (2) من هذا الباب؛ فإن الماشية كانت قد أتْلفت حرْث القوم فقضى داودُ بالغنم لأصحاب الحرْث كأنه ضمَّنهم ذلك بالقيمة (3)، ولم يكن لهم مال إلا الغَنَم فأعطاهم الغنم بالقيمة (4)، وأما سليمان فحكم (5) بأن أصحاب الماشية يقومون على الحرث حتى يعود كما كان فضمّنهم إياه بالمِثْل، وأعطاهم الماشية يأخذون منفعتها عوضًا عن المنفعة التي فاتت من غلّة الحرث إلى أن يعود، وبذلك أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز فيمن أتلف له شجر، فقال الزهري: يغرسُه حتى يعود كما كان، وقال ربيعة وأبو الزناد: عليه القيمة، فغلَّظ الزهري القول فيهما، وقول الزهري: وحكم سُليمان هو موجب الأدلة (6)؛ فإن الواجب ضمان المُتْلف (7) بالمثل بحسب الإمكان كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وإن كان مثل [هذا](8) الحيوان والآنية والثياب من كل وجه متعذرًا فقد دار الأمر بين شيئين: الضمان بالدراهم المخالفة للمثل في الجنس والصفة [والماهية](8) والمقصود والانتفاع وإن ساوت
(1) الذي وجدته في هذا: ما رواه مالك في "الموطأ"(1/ 741)، ومن طريقه البيهقي (7/ 219) أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان قضى أحدهما في امرأة غَرَّت رجلًا بنفسها، وذكرت أنها حُرَّة فتزوّجها فولدت له أولادًا، فقضى أن يفدي ولده بمثلهم ثم ذكر مالك كلامًا، وهو غير الذي نقله عنه البيهقي!
ونقل نحو مذهب عمر، عن علي، وهو مشهور في كتب الفقه، انظر:"المحلى"(8/ 565) مسألة (1259)، و"المغني"(5/ 238 - 307)، و"المجموع"(13/ 292 - 329)، و"سبل السلام"(3/ 70)، و"نيل الأوطار"(5/ 362)، و"معجم فقه السلف"(5/ 47 - 49).
وانظر بحث ابن القيم في: "تهذيب السنن"(6/ 340 - 341)؛ فإنه مهم، و"الداء والدواء"(ص 213 - 214) في مبحث التوبة من الظلامات المالية.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ن): "ضمنه إياه بالقيمة".
(4)
في المطبوع و (ق): "فأعطاهم القيمة".
(5)
في (ن): "وحكم سليمان".
(6)
انظر: "مفتاح دار السعادة"(ص 62)، و"تهذيب السنن"(6/ 341)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(20/ 563 - 564)، و"تيسير الفقة الجامع للإختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية"(2/ 1070 - 1074)، "التقريب لفقه ابن القيم"(1/ 170) للشيخ الفاضل بكر أبو زيد.
(7)
في (ن): "المتلفات".
(8)
ما بين المعقوفتين من (ق).
[المضمون](1) في المالية، والضمان بالمثل بحسب الإمكان المساوي للمُتلف في الجنس والصفة والمالية والمقصود والانتفاع، ولا ريب أن هذا أقربُ إلى النص (2) والقياس والعدل، ونظير هذا ما ثبت بالسنة (3) واتفاقِ الصحابة من القصاص في اللّطْمة والضربة (4) وهو منصوصُ أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، وقد تقدم
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ن)، وفي (ق) و (ك):"ومن تساوت المضمونات" وفي (ق): "وأن" بدل "ومن".
(2)
في المطبوع: "النصوص".
(3)
في (ن): "بالنص".
(4)
أما السنة في القصاص من اللطمة فلم أجد حديثًا صريحًا إلا في "مصنف ابن أبي شيبة"(9/ 446) من طريق الحكم أن العباس بن عبد المطلب لطم رجلًا فأقاده النبي صلى الله عليه وسلم من العباس فعفا عنه.
والحكم هذا هو ابن عتيبة لم يدرك العباس، والحديث المشهور أن مسلمًا لطم يهوديًا فجاء اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيه أنه أقاده منه، وهو حديث ثابت في "صحيح البخاري"(3398 و 4638 و 6916 و 7427)، و"صحيح مسلم"(2374) من حديث أبي سعيد، وفي "صحيح البخاري"(2411)، ومسلم (2373) من حديث أبي هريرة.
وترجم النسائي في "سننه"(7/ 33): باب القود من اللطمة ثم ذكر حديثًا لابن عباس فيه لطمة العباس لرجل، فجاء أهله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ذكر القصاص.
وروى أبو الفتح الأزدي في "ذكر اسم كل صحابي. . . "(رقم 349) من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد من خَدَش، وسنده مظلم.
وأما القصاص من الضربة ففي ذلك أحاديث منها: حديث أبي سعيد الخدري، رواه أحمد (3/ 28)، وأبو داود (4536) في (الديات): باب القود من الضربة، والنسائي (8/ 32) في (القسامة): باب القود من الطعنة، والبيهقي (8/ 43)، وابن حبان (6434) من طريق بكير بن الأشج عن عبيد بن مسافع عنه قال: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقسم شيئًا أقبل رجل. . . فطعنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرجون معه فجُرح بوجهه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"تعال فاستقده"، ورجاله ثقات، غير عبيدة بن مسافع لم يوثقه إلا ابن حبان.
وحديث سواد بن عمرو: رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"(3/ 1404 رقم 3550)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(6/ 2193، 2194 رقم 637، 638)، والبيهقي (8/ 48)، والبغوي في "معجم الصحابة"(ق 144/ ب) -وكما في "الإصابة"(2/ 95) -، واختلف هل القصة مع سواد بن عمرو أو ابن غزية، فانظر:"الإصابة"، وانظر شواهده في "سنن البيهقي"(8/ 49).
وأما ما ورد عن الصحابة في اللطمة، فقد ورد عن أبي بكر: رواه ابن أبي شيبة (9/ 446)، وعن ابن الزبير: رواه ابن أبى شيبة (9/ 446)، والبيهقي (8/ 65).
وعن علي بن أبي طالب: رواه ابن أبى شيبة (9/ 446)، ومسدد في "مسنده" -كما في "تغليق التعليق"(5/ 253)، وعن المغيرة أيضًا: رواه ابن أبي شيبة (9/ 446)، وأما ما ورد عن الصحابة في الضربة. فقد ورد ذلك عن عمر أخرجه عبد الرزاق- كما قال =