الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على هذا الوجه، ولا تتميز اللّقطة المبيعةُ من (1) غيرها، ولا تقوم المصلحة ببيعها كذلك، ولو كُلِّف الناس به لكان أشقّ شيءٍ عليهم وأعظمه ضررًا، والشريعة لا تأتي به، وقد تقدم أن ما لا يُباع (2) إلا على وجْه واحد لا يَنْهى الشارع عن بيعه، وإنَّما نَهى الشَّارعُ عن بج الثمار قبل بدو صلاحها (3) لإمكان تأخير بيعها إلى وقت بُدُوِّ الصلاح (4)، ونظير ما نَهى عنه وأَذن فيه سوى (5) بيع المقاثي إذا بدا فيها الصلاح ودخول الإجزاء والأعيان التي لم تخلق بعد كدخول أجزاء الثمار وما يتلاحق في الشجر منها، ولا فرق بينهما البتة (6).
فصل [ضمان الحدائق والبساتين]
وبنوا على هذا الأصل الذي لم يدل عليه دليل شرعي، بل دل على خلافه، وهو بيع المعدوم [بطلان](7) ضمان الحدائق والبساتين، وقالوا: هو بيعٌ للثمرِ قبل ظهوره أو قبل بدو صلاحه؛ ثم منهم من حكى الإجماع على بطلانه (8)، ولَيس مع المانعين [حجةٌ على ما](9) ظنّوه، فلا النص يتناوله ولا معناه، ولم تجمع (10) الأمة على بطلانه، فلا نص مع المانعين ولا قياس ولا إجماع (11)؛ ونحن نبين انتفاء هذه الأمور الثلاثة:
= وقارن ما عند المصنف بـ "مجموع فتاوى ابن تيمية"(29/ 484، 485، 489).
(1)
في المطبوع: "عن".
(2)
في (ن): "أنها لا تباع".
(3)
سبق تخريجه قريبًا.
(4)
في (ق): "صلاحها".
(5)
قال (د) و (ح): "هكذا في النسختين، والكلام غير تام، فليتدبر".
قلت: وعلق (و) و (ط) بنحو هذا التعليق.
(6)
انظر: "زاد المعاد"(4/ 267) فإنه مهم، و"بدائع الفوائد"(4/ 15، 74).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(8)
هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وهو منصوص عن أحمد في بعض الروايات انظر:"المبسوط"(16/ 32)، و"روضة الطالبين"(5/ 78)، و"الفروع"(4/ 416).
(9)
بدل ما بين المعقوفتين في (ط): "كما"، وأشار إليها في الحاشية، وقال:". . . وربما كان صواب الجملة هكذا: "وليس مع المانعين دليل على ما ظنوه" أو نحو ذلك انظر: "إعلام الموقعين" - ط المطبعة المنيرية (1/ 361)، وطبعة فرج اللَّه الكردي (2/ 118) " ا. هـ.
قلت: والجملة في (ق) و (ن) و (ك): "وليس كما ظنوه".
(10)
في (ن): "ولا تجمع".
(11)
انظر: حول تقدير ابن القيم جواز ضمان الحدائق والبساتين (القبالات) سواء مع الأرض =
أما الإجماع، فقد صح عن عمر [بن الخطاب](1) رضي الله عنه أنه ضَمَّن حديقة أُسيد بن حُضير ثلاث سنين وتسلَّف الضَّمان فقضى به دينًا كان على أُسيد (2)، وهذا بمشهد من الصحابة، ولم ينكره منهم رجل واحد، ومَنْ جعل مثل هذا إجماعًا فقد أجمع الصحابة على جواز ذلك، وأقلُّ درجاته أن يكون قول صحابي، بل قول الخليفة الراشد، ولم ينكره منهم مُنْكِر، وهذا حجة عند جمهور العلماء، وقد جوز بعض أصحاب أحمد ضمان البساتين مع الأرض المؤجرة؛ إذ لا يمكن إفراد إحداهما عن الأخرى (3)، [و](1) اختاره ابنُ عقيل، وجوَّز بعضهم ضمان الأشجار مطلقًا مع الأرض وبدونها، [و](1) اختاره شيخنا وأفرد فيه مصنفًا (4)؛ ففي مذهب أحمد ثلاثة أقوال، وجَوَّز مالك ذلك تبعًا للأرض في قدر الثلث (5).
= أو بدونها: "أحكام أهل الذمة"(1/ 108، 112)، وقارن بما في "مجموع فتاوى ابن تيمية"(30/ 283).
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
أخرجه حرب بن إسماعيل الكرماني، قال: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسيد بن حُضير توفي وعليه ستة آلاف درهم دينًا، فدعى عمر بن الخطاب غرماءه، فقبلهم أرضه سنين، وفيها النخل والشجر. وهكذا ذكره ابن كثير في "مسند الفاروق"(1/ 358)، وبَوَّب عليه (أثر في ضمان البساتين) وقال:"هذا إسناد جيد، وإن كان فيه انقطاع، وقال: "ومعنى: قبلهم: أي ضمنهم. وقد ذهب إلى معناه بعض العلماء، ونصره ابن عقيل وغيره من متأخري أصحاب الإمام أحمد رحمه الله".
أقول: وسبب انقطاعه هو عدم سماع عروة من عمر.
وأخرجه ابن سعد في "طبقاته"(3/ 606) بإسناد ضعيف، وانظر:"سير أعلام النبلاء"(1/ 342، 343)، و"أسد الغابة"(1/ 113).
(3)
في (ق): "أحدهما عن الآخر" وكذا في (ك) إلا أنه قال: "الأخرى". وانظر: "الفروع"(4/ 416) لابن مفلح.
(4)
ذكر ابن رشيق في رسالته: "أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية"(ص 27): "قواعد في مسائل في النذور والضمان" وفي مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله مجموع برقم (271) فيه (23 رسالة) لابن تيمية، منها برقم (14):(فصل في الضمان) وفي جامعة برنستون - جاريت (رقم 1521) من (ق 46 - 52): (مسائل في الإجارة ونقص بعض المنفعة والجوائح والفرق بين الجانحة في الزروع والثمار وغير ذلك" فلعل بعضها المرادة هنا، واللَّه أعلم.
(5)
انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"(4/ 21)، و"القوانين الفقهية"(238)، وانظر لمذهب الحنفية "المبسوط"(16/ 32)، ومذهب الشافعية في "روضة الطالبين"(5/ 178).
قال شيخنا (1): والصواب ما فعله عمر رضي الله عنه؛ فإن الفرق بين البيع والضمان (2) هو الفرق بين البيع والإجارة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد (3) ولم ينه عن إجارة الأرض للزراعة مع ان المستأجر مقصودُه الحبّ بعمله فيخدم الأرض ويحرثها ويسقيها ويقوم عليها، وهو نظيرُ مستأجر البستان ليخدم شجره ويسقيه ويقوم عليه، والحبُّ نظيرُ الثمر، والشجر نظير الأرض (4)، والعملُ نظير العمل؛ فما الذي حرَّم هذا وأحلَّ هذا؟ [وهذا] (5) بخلاف المشتري؛ فإنه يشتري ثمرًا وعلى البائع [المؤنة: مؤنة] (6) الخدمة والسَّقي والقيام على الشجر؛ فهو (7) بمنزلةِ الذي يشتري الحبّ وعلى البائع مؤونة (8) الزرع والقيام عليه؛ فقد ظهر انتفاءُ القياس والنص، كما ظهر انتفاءُ الإجماع، بل القياس الصحيح مع المجوِّزين، كما معهم الإجماع القديم.
فإن قيل: فالثمر أعيان، وعقد الإجارة إنما يكون على المنافع!
قيل: الأعيان هنا حَصلَت بعمله في الأصل المستأجر، كما حصل الحبُّ بعمله في الأرض المستأجرة.
فإن قيل: الفرق أن الحبَّ حصل من بَذْرِه، والثمر حصل من شجر المؤجِّر (9). قيل: لا أثر لهذا الفرق في الشرع، بل قد ألغاه الشارع في المساقاة والمزارعة فسوَّى بينهما؛ والمُساقي يستحقُّ جزءًا من الثمرة الناشئة من أصل [الملك؛ والمزارع يستحق جزءًا من الزرع النابت في أرض](10) المالك، وإن كان البذرُ منه، كما ثبت بالسنة الصحيحة الصريحة (11) وإجماع الصحابة، فإذا لم يؤثر هذا الفرق في المساقاة والمزارعة التي يكون النماء فيها مشتركًا لم يؤثر في
(1) في "مجموع الفتاوى"(30/ 283) نحوه، وانظر:"الجامع للإختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية"(3/ 1115 - 1119).
(2)
في (ق): "الضمان والبيع" وسقطت "البيع" من (ك).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
وقع في (ن): "والحب نظير الثمرة، والشجرة نظير الأرض".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
في المطبوع و (ن) و (ك): "مؤونة" وسقطت "وعلى البائع" من (ق) واحتملها في الهامش.
(7)
في (ن): "وهو".
(8)
في (ق): "مؤنة".
(9)
في (ق): "الشجر المؤجر".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(11)
سبق تخريجه.