الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روايتان عن أحمد (1)، فمن جعله مستحقًا بالشرط جعله من هذا الباب، ومن ذلك إذا جعل للطبيب جُعْلًا على الشفاء جاز، كما أخذ أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم القطيع من الشَّاءِ الذي جعله لهم سَيِّدُ الحي، فَرَقَاه أحدُهم حتى برئ (2)، والجُعْل كان على الشفاء لا على القراءة، ولو استأجر طبيبًا إجارة لازمة على الشفاء لم يصح؛ لأن الشفاء غير مقدور له (3)، فقد يشفيه اللَّه وقد لا يشفيه، فهذه ونحوه مما تجوز فيه الجَعَالة، دون الإجارة اللازمة.
فصل
وأما النوع الثالث فهو: ما لا يُقْصَد فيه العمل، بل المقصود فيه المال، وهو المضاربة، فإن ربَّ المال ليس له قصدٌ في نفس العمل كما للجاعل (4)، والمستأجر [له](5) قصد في عَملِ العامل، ولهذا لو عمل ما عمل ولم يربح شيئًا لم يكن له شيءٌ، وإن سَمَّى هذا جَعَالة بجزء مما يحصل من العمل كان [هذا](6) نزاعًا لفظيًا، بل هذه مشاركة: هذا بنفعِ ماله، وهذا بنفع بدنه (7)، وما قسم اللَّه من ربح كان بينهما على الإشاعة؛ ولهذا لا يجوز أن يختص أحدُهما بربح مقدر؛ لأن هذا يخرجهما عن العَدْل الواجب في الشركة، وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المزارعة، فإنهم كانوا يشترطون لربِّ الأبيض زرعَ بقعة بعينها، وهو ما نبت على الماذياناتِ (8) وأقبال الجداول ونحو ذلك، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه (9)، ولهذا قال الليث بن سعد وغيره: " [إن](5) الذي نَهَى عنه النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ لو نَظرَ فيه ذو البصيرة
(1) انظر: "المغني"(13/ 64)، "المبدع"(3/ 370)، "المحرر"(2/ 174)، "الإنصاف"(4/ 148)، "منتهى الإرادات"(1/ 635)، "كشاف القناع"(3/ 70).
(2)
أخرجه البخاري (2276)(كتاب الإجارة): باب ما يُعطى في الرُّقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، عن أبي سعيد الخدري رفعه، ووقع في (ق):"فرقاه بعضهم حتى برأ".
(3)
في (ن): "لأنه غير مقدور له".
(4)
في المطبوع: "في نفس عمل العامل كالمجاعل"، وفي (ن) و (ك):"في نفس عمل العامل كالجاعل".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق) و (ك).
(7)
في (ن): "هذا ينفع بماله، وهذا ينفع ببدنه"، وفي (ق):"هذا لنفع ماله، وهذا لنفع بدنه".
(8)
"بكسر الذال وفتحها: مسائل الماء، أو ما ينبت على حافتي مسيل الماء، أو حولي السواقي"(و). قلت: وهي لفظة معربة، وليست عربية.
ووقع في (ك): "وهو ما ينبت على الماذيانات"
(9)
أخرج البخاري (2332)(كتاب الحرث والمزارعة): باب ما يكره من الشروط في =
بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز" (1)، فتبين (2) أن النهي عن ذلك مُوجَبُ القياس، فإن هذا لو شرط في المضاربة لم يجز، فإن مبنى المشاركات (3) على العدل بين الشريكين، فإذا خُصَّ أحدهما بربح دون الآخر لم يكن ذلك عدلًا، بخلاف ما إذا كان لكل منهما جزء مشاع (4) فإنهما يشتركان في المَغْنَمِ والمَغْرم، فإن حصل ربح اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في المغرم، وذهب نفعُ بَدَنِ هذا كما ذهب نفعُ مال هذا، ولهذا كانت الوضيعة على المال؛ لأن ذلك في مقابلة ذهاب نفع المال، ولهذا كان الصواب أنه يجب في المضاربة الفاسدة ربح المثل (5)، فيُعْطَى العامل ما جرت العادة أن يُعطاه (6) مثله إما نصفه أو ثلثه، فأما أن يُعطى شيئًا مقدَّرًا مضمونًا في ذمة المالك كما يُعطى في الإجارة والجَعَالة فهذا غلط ممن قاله، وسببُ غلطه (7) ظنُّه أن هذه إجارة فإعطاءه في فاسدها عوضَ المثلِ كما يعطيه في الصحيح المُسمَّى، ومما يبين غلط هذا القول أن العامل قد يعمل عشر سنين أو أكثر، فلو أُعطي أجرة أُعطي (8) أضعاف رأس المال، وهو في الصحيح (9) لا يستحق إلا جزءًا من الربح إن كان هناك ربح، فكيف يستحق في الفاسدة أضعاف ما يستحقه في الصحيحة؟ وكذلك الذين أبطلوا المزارعة والمساقاة (10) ظنوا أنهما إجارة بعوض مجهول فابطلوهما، وبعضُهم صحَّح منهما (11)
= المزارعة، ومسلم (1547) (كتاب البيوع): باب كراء الأبيض بالذهب والوَرِق عن رافع قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلًا، وكان أحدنا يكري أرضه، فيقول هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أخرجت ذه، ولم تخرج ذه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم. لفظ البخاري.
وأخرج مسلم (1536)(96) عن جابر بن عبد اللَّه قال: كُنّا في زمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فلْيُمسِكها".
(1)
علق البخاري في "الصحيح"(كتاب الحرث والمزارعة): (قبل رقم 2346، 2347) عن الليث بن سعد قوله: "وكان الذي نُهي عن ذلك، ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه، لما فيه من المخاطرة".
ووقع في (ك) و (ق): "إذا نظر فيه ذو البصر".
(2)
في (ن): "فبين".
(3)
في (ن): "الشركات" وفي (ق): "بناء المشاركات".
(4)
في المطبوع: "شائع".
(5)
زاد هنا في (ك): "لا أجرة المثل".
(6)
في (ك) و (ق): "يُعطى".
(7)
في (ن): "وسببه".
(8)
في (ق): "فلو أُعطي أجرة المثل أعطي".
(9)
في (د) و (ك): "الصحيحة".
(10)
في (ق): "المساقاة والمزارعة".
(11)
في (ق): "منها".