الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[هل هناك فرق بين الناسي والمخطئ]
فإن قيل: فأنتم تُفطِّرون المخطئ كمن أكل يظنه ليلًا فبَانَ نَهَارًا (1).
قيل: هذا فيه نزاعٌ معروف بين السَّلف والخلف، والذين فرَّقوا بينهما قالوا: فعل المُخطئ يمكن الاحتراز منه، بخلاف الناسي.
ونُقل عن بعض السلف أنه يفطر في مسألة الغروب دون مسألة الطلوع كما لو استمر الشك.
قال شيخنا (2): وحجةُ مَنْ قال لا يُفطر في الجميع أقوى، ودلالة الكتاب والسنة على قولهم أظهر؛ فإن اللَّه سبحانه سوَّى بين الخطأ والنسيان في عدم المؤاخذة. ولأن فِعلَ محظوراتِ الحجِّ يستوي فيه المخطئ والناسي، ولأن كلَّ واحد منهما غيرُ قاصدٍ للمخالفة، وقد ثبت في الصحيح أنهم أفْطرُوا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشَّمْسُ (3)، ولم يثبت في الحديث أنهم أُمِرُوا بالقضاء، ولكن هشام بن عُروة سُئِل عن ذلك فقال: لا (4) بدَّ من قضاء، وأبوه عروة أعلم منه، وكان يقول: لا قضاء عليهم (5)، وثبت في "الصحيحين" أن بعض الصحابة أكلوا حتى ظهر الخيطُ الأسودُ من [الخيط](6) الأبيض (7) ولم يُؤمر أحدٌ (8) منهم بقضاء وكانوا مخطئين، وثبت عن عمر بن الخطاب أنه أفطر ثم تبين النهار فقال:
= رواه أحمد (2/ 498)، وأبو داود (2380)، والترمذي (1/ 139) وغيرهم، وصححه شيخنا الألباني في "الإرواء"(923).
(1)
بعدها في المطبوع زيادة كلمة "أفطر".
(2)
انظر هذا الفصل من بدايته إلى آخر قول شيخ الإسلام هذا في "مجموع الفتاوى"(20/ 569 - 573).
(3)
رواه البخاري (1959) في (الصوم): باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس، من حديث أسماء.
(4)
في (ق): "و".
(5)
هكذا قال رحمه الله والذي وجدته عن عروة في "مصنف عبد الرزاق"(7390) عن معمر عن هشام عنه: "عليه القضاء".
وانظر: "فتاوى ابن تيمية"(25/ 232)، و"بدائع الفوائد"(3/ 272)، و"تهذيب السنن"(3/ 236 - 239) مهم جدًا.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ك) و (ط) و (ق)، وفي الأخيرتين قبلهما:"الحبل" بدل "الخيط".
(7)
سبق تخريجه.
(8)
في المطبوع: "ولم يأمر أحدًا".
لا نقضي؛ لأنا لم نتجانفْ لإثم، وروي عنه أنه قال: نقضي (1)، وإسناد الأول أثْبتُ، وصحَّ عنه أنه قال: الخطْبُ يسيرٌ (2)؛ فتأوَّل ذلك من تأوله على أنه أراد خفة أمر القضاء، واللفظ لا يدل على ذلك.
قال شيخنا (3): وبالجملة فهذا القول أقوى أثرًا ونظرًا، وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس.
قلت له: فالنبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل يحتجم فقال: "أفطرَ الحاجمُ والمحجوم"(4) ولم يكونا عالمين بأن الحجامة تُفَطّر، ولم يبلغهما قبل ذلك قوله:
(1) الذي وجدته في عدم القضاء عن عمر: ما رواه عبد الرزاق (7395)(4/ 179)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 217) من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: "أفطر الناس في زمان عمر. . . ثم طلعت الشمس من سحاب. . فقالوا نقضي هذا اليوم فقال عمر: ولم؟ فواللَّه ما تجنفنا لإثم.
ورواه شيبان عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن زيد بن وهب، روى ذلك البيهقي.
أقول: لكن الروايات الصحيحة عن عمر هي وجوب القضاء.
وهي في "مصنف عبد الرزاق"(7392 و 7393 و 7394)، و"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 440)، و"السنن الكبرى"(4/ 217).
لذلك نقل البيهقي عن يعقوب بن سفيان الفارسي أنه كان يحمل على زيد بن وهب بهذه الرواية المخالفة للروايات المتقدمة ويعدها مما خولف فيه.
(2)
رواه مالك في "الموطأ"(1/ 303)، ومن طريقه البيهقى في "السنن الكبرى"(4/ 217) عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر. . .
فقال: الخطب يسير وقد اجتهدنا، وخالد بن أسلم لم يدرك عمر.
ورواه ابن أبي شيبة (2/ 441) من طريق سفيان بن عيينة لكن قال: عن زيد بن أسلم عن أخيه عن أبيه به. فصح الإسناد واتصل بذكر أسلم العدوي مولى عمر وهو ثقة مخضرم.
قال مالك في تفسير (الخطب يسير): القضاء فيما نرى واللَّه أعلم وخفة مؤونته ويساره، يقول: أصوم يومًا مكانه.
ورواه عبد الرزاق (7392) عن ابن جريج قال حدثني زيد بن أسلم عن أبيه. . . لكن فيه: فقال عمر: الخطب يسير وقد اجتهدنا نقضي يومًا!
وانظر مفصلًا: "مصنف عبد الرزاق"(4/ 178 - 179)، و"سنن البيهقي"(4/ 217)، و"فتح الباري"(4/ 200).
(3)
المصدر السابق.
(4)
رواه أحمد (4/ 122، 123، 124، 125)، وعبد الرزاق (7519 و 7520)، وابن أبي شيبة (3/ 49)، وأبو داود في الصوم (2368) و (2369) باب في الصائم يحتجم، وابن =
"أَفطرَ الحاجمُ والمحجوم" ولعل الحكم إنما شرع ذلك اليوم.
فأجابني بما مضمونه [أن الحديث](1) اقتضى أنَّ ذلك الفعل مُفَطِّر، وهذا كما لو رأى إنسانًا يأكل أو يشرب فقال: أفطر الآكل والشارب؛ فهذا فيه بيانُ السبب المقتضي للفطر، ولا تعرُّضَ فيه للمانع.
وقد علم أن النسيان مانع للفطر بدليل خارجٍ، فكذلك الخطأ والجهل، واللَّه أعلم.
فصل (2)[الحكم في امرأة المفقود على وفق القياس]
ومما ظُن (3) أَنه على خلاف القياس ما حكم به الخلفاء الراشدون في امرأة المفقود؛ فإنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم أنه أجّل امرأته أربع سنين وأمرها أن تتزوج، فقدم المفقود بعد ذلك فخيَّره عمر بين امرأته وبين مهرها (4)؛
= ماجه (1681) في (الصوم): باب ما جاء في الحجامة للصائم، والدارمي (2/ 14)، والطيالسي (1118)، والطبراني في "الكبير"(7124 و 7127 و 7128 و 7129 و 7130 و 7131 و 7132 و 7147 و 7149 و 7150 و 7153 و 7154 و 7184 و 7188)، والبيهقي (4/ 265)، والحاكم (1/ 429)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 99) من حديث شداد بن أوس، وكذا جاء من حديث ثوبان، يرويه عنهما أبو أسماء الرحبي قال البخاري -كما نقله عنه الترمذي في "علله الكبير" (1/ 362 - 364) -: ليس في الباب أصح من حديث ثوبان وشداد بن أوس، فذكرت له الاضطراب، فقال: كلاهما عندي صحيح. وكذا ذكر الترمذي عن ابن المديني كذلك. وانظر مفصلًا "نصب الراية"(4/ 472)، و"إرواء الغليل"(4/ 65).
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
هذا الفصل مأخوذ برُمَّته بتصرف يسير جدًا، وبدون ذكر مسألة أبي داود الآتية من "مجموع الفتاوى"(20/ 576 - 582) لشيخ الإسلام رحمه الله.
(3)
في (ق): "وما يظن".
(4)
روى ذلك عبد الرزاق في "مصنفه"(12317) عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن عمر وعثمان، وإسناده صحيح.
وله إسناد آخر وفيه قصة في "المصنف" أيضًا (12321)، ورواه أيضًا وفيه قصة عبد الرزاق (12322)، وفيه رجل مبهم، لكنه سُمّي عند البيهقي (7/ 446)، وسعيد بن منصور في "سننه"(رقم 1752)، ورجاله ثقات أيضًا.
وفي "موطأ مالك"(2/ 576) قال: وأدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب أنه قال:. . . وانظر -لزامًا-: "مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 238)، =