الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ماء البئر والعيون التي في الأرض المستأجرة، وقالوا: يدخل (1) ضمنًا [وتبعًا](2)، فإذا وقعت الإجارة على نفس العين والبئر لسقي الزرع والبستان قالوا: إنما وردت الإجارة على مجرد إدلاءِ الدَّلو في البئر وإخراجه، [و](3) على مجرد إجراء العين في أرضه (4)، مما هو قلب الحقائق، وجعلُ المقصودِ وسيلةً والوسيلة مقصودةً، إذ من المعلوم أن هذه الأعمال إنما هي وسيلة إلى المقصود بعقد الإجارة، وإلا فهي بمجردها ليست مقصودة، ولا معقودًا عليها، ولا قيمة لها أصلًا، وإنما هي كفتح الباب وكقَوْد الدابة لمن اكترى دارًا أو دابة.
ونحن نتكلم على هذين الأصلين الباطلين: على أصل من جعل الإجارة على خلاف القياس، وعلى أصل من جعل إجارة الظِّئر ونحوها على خلاف القياس، فنقول وباللَّه التوفيق (5).
أما الأصل الأول فقولهم: "إن الإجارة بيعُ معدومٍ، وبيعُ المعدوم باطل" دليلٌ مبني على مقدمتين مجملتين غير مُفَصَّلتين (6)، قد اختلط في كل منهما الخطأ بالصواب، فأما المقدمة الأولى -هي كون الإجارة بيعًا- إن أردتم [به](7) البيع الخاصّ الذي يكون العقد فيه على الأَعيانِ لا على المنافعِ فهو باطلٌ، وإن أردتم به البيعَ العامَّ الذي هو مُعاوضةٌ إما على عينٍ وإما على منفعة فالمقدمة الثانية باطلة، فإن بيع المعدوم ينقسم إلى بيعِ الأعيانِ وبيع المنافع (8)، ومن سلّم بطلان بيع المعدوم فإنما يُسلِّمه في الأعْيان، ولما كان لفظُ البيع يحتمل هذا وهذا تنازَعَ الفقهاء في الإجارة: هل تنعقد بلفظ البيع؟ على وجهين.
[ليس للعقود ألفاظ محدودة]
والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت (9) بأي لفظ من الألفاظ عَرفَ به المُتعاقدانِ مقصودَهما، وهذا حكمٌ شاملٌ لجميع العقود، فإن الشارع لم
(1) في (ن): "وأما كونه يدخل. .".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في (ن): "على أرضه".
(5)
قارن بما في: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(20/ 546).
(6)
في (ن): "منفصلتين".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(8)
انظر كلام المصنف رحمه الله حول بيع المعدوم في: "الزاد"(4/ 262 - 266)، و"تهذيب السنن"(5/ 158).
(9)
في (ق): "انعقد". وانظر: "الإنصاف"(6/ 4 - 5).
يَحُدَّ لألفاظ العقود حدًا، بل ذكرها مُطلقةً، فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية والرومية والتركية فانعقادها بما يدل عليها من الألفاظ العربية أولى وأخرى، ولا فرق بين النكاح وغيره، وهذا قول جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة، وهو أحد القولين في مذهب أحمد. قال شيخنا (1): بل نصوص أحمد لا تدل إلا على هذا القول، وأما كونه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج، فإنما هو قول ابن حامد والقاضي وأتباعه (2)، وأما قدماء أصحاب أحمد فلم يشترط أحدٌ منهم ذلك، وقد نص أحمد على أنه إذا قال:"أعْتَقت أمَتي وجعلتُ عتِقَها صداقها" أنه ينعقد (3) النكاح، قال ابن عقيل: وهذا يدلُّ على أنه لا يختص النكاح بلفظ (4)، وأما ابن حامد فطرد أصْله وقال: لا ينعقد حتى يقول مع ذلك: "تزوجتها" وأما القاضي فجعل هذا موضع استحسان خارجًا عن القياس، فجوَّز النكاحَ في هذه الصورة خاصة بدون لفظ الإنكاح والتزويج وأصول الإمام أحمد ونصوصه تخالف هذا؛ فإنَّ من أصوله أن العقودَ تنعقد بما يدل على مقصودها من قولٍ أو فعلٍ ولا يَرى اختصاصها بالصيغ. ومن أصوله أن الكناية مع دلالة الحال كالصريح كما قاله في الطلاق والقذْف وغيرهما، والذين اشترطوا لفظ الإنكاح والتزويج قالوا: ما عداهما كناية فلا يثبت حكمها إلا بالنية وهي أمر باطن لا اطلاع للشاهد عليه، إذ الشهادة إنما تقع على المسموع، لا على المقاصد والنيات، وهذا إنما يستقيم إذا كانت ألفاظ الصريح والكناية ثابتة بعُرف الشرع وفي عرف المتعاقدين، والمقدمتان غير معلومتين، أما الأولى (5) فإن الشارع استعمل لفظ التمليك في النكاح فقال:"ملكْتكها بما معك من القرآن"(6) وأعتق
(1) يقول ابن تيمية: "وينعقد النكاح بما عدّه الناس نكاحًا بأي لغة وفعل كان، ومثله: كل عقد، والشرط بين الناس ما عدوه شرطًا"(4/ 29) من "الفتاوى الكبرى"(ط): "دار الكتب الحديثة"(و). قلت: وهذا ما قرره في "مجموع الفتاوى"(32/ 133)، و"الاختيارات الفقهية"(ص 438)، وقال عنه (32/ 15):"وهو الأشبه بالكتاب والسنة وآثار الصحابة" وانظر: "ترجيحات شيخ الإسلام ابن تيمية في النكاح"(ص 87 وما بعد)، و"الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية"(2/ 593).
(2)
انظر: "الإنصاف"(8/ 45 - 46)، "الفروع"(5/ 169)، "كشاف القناع"(5/ 38).
(3)
في المطبوع: "بعقد".
(4)
انظر: "القواعد الفقهية"(1/ 65 - بتحقيقي) لابن رجب.
(5)
في (ق): "الأول".
(6)
رواه البخاري (5030) في (فضائل القرآن): باب القراءة عن ظهر قلب، و (5087) في =