الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عثمان بن عفان:"إذا وقعت الحدود في الأرض فلا شفعة فيها"(1)، وهذا قول ابن العباس (2).
قالوا: ولا ريب أن الضرر اللاحق بالشركة هو ما توجبه من التزاحم في المرافق والحقوق والإحداث والتغيير والإفضاء إلى التقاسم الموجب لنقص قيمة ملكه عليه.
[الفرق بين الشريك والجار]
قالوا: وقد فَرَّق اللَّه بين الشريك والجار شرعًا وقدرًا؛ ففي الشركة حقوق لا توجد في الجوار؛ فإن الملك في الشركة مختلط وفي الجوار متميز، ولكل من الشريكين على صاحبه مطالبةٌ شرعية ومنعٌ شرعي؛ أما المطالبة ففي القسمة، وأما المنع فمن التصرف؛ فلما كانت الشركة محلًا للطلب و [محلًا للمنع كانت](3) محلًا للاستحقاق، بخلاف الجوار، فلم يجز إلحاق الجار بالشريك وبينهما هذا الاختلاف!
والمعنى الذي وجبت به الشفعة رفع مؤنة المقاسمة، وهي مؤنة كثيرة، والشريك لما باع حصته من غير شريكه فهذا الدخيل قد عَرَّضه لمؤنة (4) عظيمة، فمكنه الشارع من التخلص منها بانتزاع الشِّقص (5) على وجه لا يضر بالبائع ولا بالمشتري، ولم يمكنه الشارع من الانتزاع قبل البيع؛ لأن شريكه مثله ومُساو له في الدرجة، فلا يستحق عليه شيئا إلا ولصاحبه مثل ذلك الحق عليه، فإذا باع
(1) رواه مالك في "الموطأ"(2/ 717) -ومن طريقه عبد الرزاق (14393، 14426)، والبيهقي (6/ 105) وابن حزم (9/ 99) - عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم به.
وأبو بكر هذا لم يدرك عثمان مات سنة (120 هـ).
ورواه ابن أبي شيبة (5/ 328) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(10/ 4) - وأبو عبيد في "الغريب"(3/ 417)، وأحمد في "مسائل صالح"(3/ 185 رقم 1612)، وابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 479 رقم 1433)، والبيهقي (6/ 105) من طريق عبد اللَّه بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن حزم عن أبان عن عثمان. ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 125) بإسناد آخر عن عثمان وفيه هشيم وابن إسحاق وكلاهما مدلس وقد عنعنا، وفيه منظور بن ثعلبة لم يرو عنه إلا ابن إسحاق ولا يعرف بجرح ولا تعديل فهو في عداد المجاهيل.
(2)
في (ك) و (ق): "ابن عباس".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(4)
وفي (ق) و (ك): "مؤنة".
(5)
"القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء"(و).
صار المشتري دخيلًا، والشريكُ أصيل، فرُجِّح جانبه وثبت له الاستحقاق.
قالوا: وكما أن الشارع يقصد رفع الضرر عن الجار فهو أيضًا يقصد رفع الضرر عن المشتري، ولا يزيل ضرر الجار بإدخال الضرر على المشتري؛ فإنه محتاج إلى دار يسكنها هو وعياله، فإذا سُلِّط الجار على إخراجه وانتزاع داره منه أضر به إضرارًا بينًا، وأي دار اشتراها وله جار فحاله معه هكذا، وتطلُّبه دارًا لا جار لها كالمتعذر عليه أو كالمتعسر (1)؛ فكان من تمام حكمة الشارع أن أسقط الشفعة بوقوع الحدود وتصريف الطرق؛ لئلا يضر الناس بعضهم بعضًا، ويتعذر على من أراد شراء دار لها جار أن يتم له مقصوده، وهذا بخلاف الشريك، فإن المشتري لا يمكنه الانتفاع بالحصة التي اشتراها، والشريك يمكنه ذلك بانضمامها إلى ملكه، فليس على المشتري ضرر في انتزاعها منه وإعطائه ما اشتراها به.
قالوا: وحينئذ فتعين (2) حمل أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة؛ فيكون لفظ [الجار فيها](3) مرادًا به الشريك، ووجه هذا الإطلاق المعنى والاستعمال، أما المعنى فإن كل جزء من ملك الشريك مجاور لملك صاحبه، فهما جاران حقيقة، وأما الاستعمال فإنهما خليطان متجاوران، ولذا سميت الزوجة جارة كما قال الأعشى:
أجارتنا بِيني فإنك طالقه (4)
فتسمية الشريك جارًا أولى وأحرى، وقال حَمَل بن مالك:"كنت بين جارتين لي"(5)[ومثل](6) هذا إن لم يحتمل إلا إثبات الشفعة، [فأما إن](7) كان
(1) في (ك) و (ق): "المتعسر".
(2)
في (ق): "يتعين".
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ن) و (ك): "الجوار".
(4)
انظر: "ديوان الأعشى الكبير"(ص 313 ط: د. محمد محمد حسين). ولفظه فيه:
يا جارتي بيني فإنك طالقه
…
كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه
(5)
قطعة من حديث طويل، أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في "المسند"(2/ 103 - 104)، ومن طريقه البيهقي (8/ 114) -وتتمته:"يعني: ضرتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنينًا ميتا. . ." وفيه دية الجنين.
وأخرجه الدارمي (2386)، وأحمد (1/ 364 و 4/ 79)، وأبو داود (4572)، والنسائي (8/ 21)، وابن ماجه (2641)، وابن الجارود (779)، وابن حبان (6021)، والدارقطني (3/ 117)، والبيهقي (8/ 114). وهو صحيح.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (د) وفي (ك): "مثل".
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "وأما إذا"، وفي (ق):"وأما أن".