الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحق به من الأجنبي؛ إذ في ذلك إزالة ضرره مع عدم تضرر صاحبه، فإنه يصل إليه حقه من ذلك الثمن (1)، ويصل هذا إلى استبداده بالبيع (2)، فيزول الضرر عنهما جميعًا، وهذا مذهب من يرى الشفعة في الحيوان والثياب والشجر والجواهر والدور الصغار التي لا يمكن قسمتها، وهذا قول أهل مكة وأهل الظاهر، ونصَّ عليه الإمام أحمد في "رواية حنبل"، قال: قيل لأحمد: فالحيوان دابة تكون بين رجلين أو حمار أو ما كان (3) من نحو ذلك، قال: هذا كله أوْكدُ؛ لأن خليط الشريك أحق به بالثمن (4)، وهذا لا يمكن قسمته؛ فإذا عرضه على شريكه وإلا باعه بعد ذلك (5).
[فيم تكون الشفعة]
وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يَعرضُ على شريكه عقارًا بينه وبينه أو نخلًا، فقال الشريك: لا أريد، فباعه، ثم طلب الشفعة بعد، قال: له الشفعة في ذلك. واحتج لهذا القول بحديث جابر [الصحيح](6): "قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشُّفعة في كل ما لم يُقسم"(7) وهذا يتناول المنقول والعقار، وفي
(1) في المطبوع: "فإنه يصل إلى حقه من الثمن"، وفي (ق):"فإنه يصل إلى حقه من ذلك الثمن".
(2)
في (ك) و (ق): "بالمبيع".
(3)
في (ق) و (ك): "فالحيوان دابة أو حمار بين الرجلين وما كان".
(4)
في المطبوع: "لأن خليطه الشريك أحق به بالثمن"، وفي (ق):"لأنه خليط الشريك أحق به بالثمن".
(5)
هو قول أحمد في رواية أبي الخطاب، انظر "المغني"(5/ 312).
وقال به ابن حزم، انظر "المحلى"(9/ 82 - 83) ونسب لعطاء بن أبي رباح، كما في "الشرح الكبير"(5/ 472)، و"فتح الباري"(4/ 436) ونسب أيضًا لابن أبي ليلى، وهو رواية عن مالك، انظر:"المنتقى"(6/ 222)، "حلية العلماء"(5/ 263 - 264)، "شرح معاني الآثار"(2/ 269)، "إعلاء السنن"(17/ 3)، "الإشراف"(3/ 141 مسألة 995 - بتحقيقي) للقاضي عبد الوهاب.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(7)
هو الحديث الذي يرويه مسلم في "صحيحه"(1608) في (المساقاة): باب الشفعة، من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه قال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم. . . لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك. فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به.
وخرجته بإسهاب في تعليقي على "القواعد" لابن رجب (1/ 423) فانظره غير مأمور.
كتاب "الخراج" عن يحيى بن آدم، عن زهير، عن أبي الزُّبير، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان له شِرْكٌ في نخل أو ربْعة (1) فليس له أن يبيع حتى يؤْذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك"(2)، وهذا الإسناد على شرط مسلم؛ وفي الترمذي من حديث عبد العزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الشريكُ شفيعٌ (3)، والشُّفعة في كُلِّ شيء"(4) تفرّد به أبو
(1)"الربع: المنزل ودار الإقامة، والربعة: أخص منه"(و).
(2)
رواه مسلم (1608) في (المساقاة): باب الشفعة، من طريق أحمد بن يونس ويحيى بن يحيى عن زهير به، وهو في "الخراج"(رقم 253) ليحيى بن آدم.
(3)
وقع في (ن) و (ق): "الشفيع شريكٌ"!!
(4)
رواه إسحاق بن راهوية في "مسنده" -كما في "نصب الراية"(4/ 177) -، والترمذي (1371) في (الأحكام): باب ما جاء في أن الشريك شفيع، والدارقطني في "سننه"(4/ 222)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 125)، والطبراني في "الكبير"(رقم 11244)، وأبو الشيخ في "أخبار أصبهان"(2/ 260)، والبيهقي (6/ 109) من طريق أبي حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفيع به.
وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرف مثل هذا إلا من حديث أبي حمزة السكري. وقد روى هذا الحديث عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهذا أصح".
ثم رواه ابن حزم في "المحلى"(9/ 102) من طريق ابن أبي مليكة مرسلًا، وقال الدارقطني: خالفه شعبة وإسرائيل (1) وعمرو بن أبي قيس وأبو بكر بن عياش، فرووه عن عبد العزيز بن رفيع بن أبي مليكة مرسلا، وهو الصواب، ووهم أبو حمزة في إسناده.
ووَهَّم البيهقيُّ أبا حمزة، ونقل الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 190) عن صالح بن محمد:"أخطأ فيه أبو حمزة" وقال عن الحديث: "باطل". وقال ابن حجر في "الفتح"(4/ 436): ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالإرسال.
أقول: أبو حمزة السكري على ثقته إلا أنه فقد بصره في آخر عمره.
ورواه ابن عدي (6/ 2113)، والبيهقي (6/ 109) من طريق أبي حمزة عن محمد بن عبيد اللَّه العرزمي عن عبد العزيز بن رفيع به، فزاد محمد بن عبيد اللَّه وهو متروك.
وقال ابن عدي: وقوله: والشفعة في كل شيء منكر.
وله إسناد آخر عن ابن عباس: رواه أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"(250)، ومن طريقه الخطيب في "تالي التلخيص"(رقم 81 بتحقيقي)، وابن عساكر (13/ 185)، والبيهقي (6/ 110)، وابن عدي (5/ 1689).
وفيه عمر بن هارون وهو ضعيف لا يحتج به. وله شاهد يأتي بعد هذا. وانظر: "بيان =
_________
(1)
روايته في "مصنف عبد الرزاق"(8/ 87، 88 رقم 14425، 14430)، والبيهقي (6/ 109).
حمزة السكري عن عبد العزيز بهذا الإسناد، ورواه أبو الأحوص سَلَّام بن سُليم عن عبد العزيز ولم يذكر ابن عباس، ولفظه:"قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء: الأرض والدار والجارية والخادم"، وكذلك رواه أبو بكر بن عَيّاش وإسرائيل بن يونس عن عبد العزيز مرسلًا؛ فهذا علة هذا الحديث، على أن أبا حمزة السكري ثقة احتجّ به صاحبا "الصحيح"(1)، وإن قلنا:"الزيادة من الثقة مقبولة"(2) فرفع الحديث إذن صحيح، وإلا فغايته أن يكون مرسلًا قد عضدته الآثار المرفوعة والقياس الجلي. وقد روى أبو جعفر الطحاوي: عن محمد بن خُزيمة، عن يوسف (3) بن عديِّ، عن عبد اللَّه (4) بن إدريس، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن جابر قال:"قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء"(5) ورواة هذا الحديث ثقات، وهو غريب بهذا الإسناد.
قالوا: ولأن الضررَ بالشركة فيما لا ينقسم أبلغ من الضرر [بالعقار](6) الذي يقبل القسمة؛ فإذا كان الشارع مُريدًا لرفع الضرر الأدنى فالأعلى أولى بالرفع، قالوا: ولو كانت الأحاديثُ مختصةً بالعقار والأرض (7) المنقسمة فإثباتُ الشفعة فيها تنبيه على ثبوتها فيما لا يقبل القسمة.
= الوهم والإيهام" (2/ 495)، "السلسلة الضعيفة" (1009)، تعليقي على "سنن الدارقطني" (رقم 4434).
(1)
انظر ترجمته في "الجمع بين رجال الصحيحين"(2/ 620)، و"تهذيب الكمال"(26/ 544 رقم 5652)، وفي (ق):"صاحب الصحيح".
(2)
في (ك) و (ق): "وإن قبلنا الزيادة في الثقة، صح".
(3)
في (ك) و (ق): "يونس".
(4)
كذا في (ق) وهو الصحيح، وفي سائر النسخ "عُبيد اللَّه -بالتصغير-"!!
(5)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 125) حدثنا محمد بن خزيمة بن راشد به.
وقال الحافظ في "الفتح"(4/ 436): لا بأس برواته.
أقول: لكن فيه عنعنة ابن جريج؛ فإنه مدلس مشهور التدليس عن الضعفاء والمتروكين.
وله علة أخرى: فقد رواه جماعة من الثقات الأثبات عن عبد اللَّه بن إدريس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: "قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شِرك ما لم يقسم" وهو في "صحيح مسلم"(1608) وغيره، ويثبت من هذا أن هذا الشاهد عن جابر لا يصلح شاهدًا لحديث ابن عباس السابق، لثبوت خطأ الراوي في قوله:"شيء" بدل "شريك" فهو شاذ، ومقابله هو المحفوظ. وانظر لمزيد بيان "السلسلة الضعيفة"(رقم 1009).
(6)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "بالشركة في العقار".
(7)
في المطبوع: "والعروض".
وقال الآخرون: الأصل عدم انتزاع المال من غيره (1) إلا برضاه، ولكن تركنا ذلك في [الأرض و](2) العقار لثبوت النص (3) فيه، وأما الآثار المتضمنة لثبوتها في المنقول فضعيفة معلولة؛ وقوله في الحديث الصحيح:"فإذا وقعتِ الحدودُ وصُرِفت الطُّرق فلا شفعة"(4) يدل على اختصاصها بذلك، وقول جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم:"الشفعةُ في كلِّ شِرْك (5) في أَرضٍ أو رَبْعٍ أو حائطٍ"(6) يقتضي انحصارها في ذلك، قالوا: وقد قال عثمان [بن عفان](7) رضي الله عنه: "لا شفعة في بئرٍ ولا فَحْلٍ، والأُرَفُ (8) يقطع كلَّ شفعة"(9)، والفَحْل: النخل، والأُرَف -بوزن الغُرف-: المعالم والحدود (10)، وقال أحمد: ما أصحه من حديث (11)!
(1) في المطبوع: "عدم انتزاع الإنسان مال غيره".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن)، وقبلها في (ق):"شركنا" بدل "تركنا".
(3)
في (د): "لثبوت هذا النص".
(4)
رواه البخاري (2213) في (البيوع): باب بيع الشريك من شريكه، و (2214) في (بيع الأرض والدور)، و (2257) في (الشفعة): باب الشفعة فيما لم يقسم، و (2495) في (الشركة): باب الشركة في الأرضين وغيرها، و (2496) باب إذا قسم الشركاء الدور أو غيرها فليس لهم رجوع ولا شفعة، و (6976) في (الحيل): باب في الهبة والشفعة، من حديث جابر.
(5)
في (ق): "شيء".
(6)
رواه مسلم (1608)(135).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(8)
في (ق): "ولا أرف".
(9)
رواه ابن أبي شيبة (5/ 328 أو 7/ 172 - ط الهندية) -ومن طريقة ابن حزم في "المحلى"(10/ 4)، وأبو عبيد في "الغريب"(3/ 417)، وأحمد في "مسائل صالح"(3/ 185 رقم 1612) وابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 479) رقم (1433)، والبيهقي في "السنن"(6/ 105) من طريق عبد اللَّه بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن حزم، -وفي "السنن الكبرى": أو عن عبد اللَّه بن أبي بكر- عن أبان بن عثمان عن عثمان به فذكره.
ورواه أيضًا مالك في "الموطأ"(2/ 717) -ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 105)، وابن حزم في "المحلى"(9/ 99) - وعبد الرزاق (8/ 80 رقم 14393 و 8/ 87)(14426) عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عثمان. . . فذكره ولم يذكر (أبان).
وله طريق أخرى عن عثمان عند الطحاوي (4/ 125) وفيه منظور بن ثعلبة وهو مجهول، وعنعنة هشيم وابن إسحاق.
وقد روي مرفوعًا ولا يصح، قاله الدارقطي في "علله"(3/ 15) سؤال (257).
(10)
انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 355)، و"النهاية"(3/ 416 - 417)، و"لسان العرب"(14/ 31 - 32).
(11)
انظر: "مسائل الإمام أحمد"(3/ 958) لابنه عبد اللَّه، و"المغني"(5/ 233)، و"الإنصاف"(6/ 257)، و"العدة شرح العمدة"(1/ 276).