الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للشافعي] (1)، وطائفة خصته بالقوت وما يصلحه، وهو قول مالك (2)، وهو أرجح هذه الأقوال كما ستراه.
[علة تحريم ربا الفضل في الدراهم والدنانير]
وأما الدراهم والدنانير، فقالت طائفة: العلة فيهما كونهما موزونين، وهذا مذهب أحمد (3) في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة (4)، وطائفة قالت: العلة فيهما الثمنية، وهذا قول الشافعي (5) ومالك (6) وأحمد (7) في الرواية الأخرى، وهذا هو الصحيح بل الصواب، فإنهم أجمعوا على جواز إسلافهما (8) في الموزونات من النحاس والحديد وغيرهما؛ فلو كان النحاس والحديد ربويين لم يجز بيعهما إلى أجل بدراهم نقدًا؛ فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز التفاضل فيه دون النَّسَاء، والعلة إذا انتقضت من غير فرق مؤثر دل على بطلانها. [وأيضًا](9) فالتعليلُ بالوزن ليس فيه مناسبة، فهو طَرْدٌ محض، بخلاف التعليل بالثمنية، فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي به يُعرف تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدودًا مضبوطًا لا يرتفع ولا ينخفض؛ إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة،
(1) انظر: "مغني المحتاج"(2/ 22)، و"المحلى"(8/ 472)، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"(3/ 47)، و"جواهر الإكليل"(2/ 17).
(3)
انظر: "المغني"(4/ 126).
(4)
انظر "المبسوط"(12/ 113، و 14/ 25)، و"عمدة القاري"(11/ 253)، و"رؤوس المسائل"(279)، و"الاختيار"(2/ 30 - 31)، و"فتح القدير"(7/ 4)، و"البحر الرائق"(6/ 137)، و"تبيين الحقائق"(3/ 317 و 4/ 85)، و"بدائع الصنائع"(5/ 187)، و"حاشية ابن عابدين"(5/ 175، 180).
(5)
انظر: "المهذب"(1/ 359)، و"المجموع"(9/ 445)، و"روضة الطالبين"(3/ 378)، و"مغني المحتاج"(2/ 25)، و"الفتاوى الكبرى"(2/ 182) لابن حجر الهيتمي.
(6)
"بداية المجتهد"(2/ 130، 132)، و"الخرشي"(3/ 412)، و"الفواكه الدواني"(2/ 240)، و"المعونة" (2/ 960) وانظر:"الإشراف"(2/ 451 - بتحقيقي) للقاضي عياض. وتعليقي عليه.
(7)
انظر: "لمغني"(4/ 126).
(8)
في (ق) و (ك): "إسلامهما".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
وذلك لا يمكن إلا بسعر تُعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تُقوَّم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يُقوم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخلف ويشتد الضرر، كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذوا (1) الفلوس سلعة تُعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم، ولو جُعلت ثمنًا واحدًا لا يزداد (2) ولا ينقص بل تقوَّم به الأشياء ولا يقوم هو بغيرها (3) لصلح أمر الناس، فلو أُبيح ربا الفَضْل في الدراهم والدنانير -مثل أن يَعطي صحاحا ويأخذ مكسَّرة أو خفافًا ويأخذ ثقالًا أكثر منها- لصارت متجرًا، وجر (4) ذلك إلى ربا النسيئة فيها ولابد؛ فالأثمان لا تُقصد لأعيانها، بل يُقصد التوسل (5) بها إلى السلع، فإذا صارت في أنفسها سلعًا (6) تُقصد لأعيانها فسد أمر الناس، وهذا [قولٌ](7) يختص بالنقود لا يتعدى إلى سائر الموزونات.
فصل (8)[حكمة تحريم ربا النساء في المطعوم]
وأما الأصناف الأربعة المطعومة فحاجة الناس إليها أعظم من حاجتهم إلى غيرها؛ لأنها أقواتُ العَالَم، وما يصلحها؛ فمن رعاية مصالح العباد أن مُنعوا من بيع بعضها ببعض إلى أجل، سواء اتحد الجنس أو اختلف، ومُنِعُوا من بيع بعضها ببعض حالًا متفاضلًا وإن اختلفت صفاتها؛ وجوز لهم التفاضل فيها مع اختلاف أجناسها.
وسر ذلك -واللَّه أعلم- أنه لو جوز بيع بعضها ببعض نساء لم يفعل ذلك أحد إلا إذا رَبح، وحينئذ تشحُّ (9) نفسُه ببيعها حَالة لطمعه في الربح، فيعز الطعام على المحتاج، ويشتد ضرره. وعامة أهل الأرض ليس عندهم دراهم ولا دنانير،
(1) في (د): "اتخذت".
(2)
في (ق) و (ك): "يزاد".
(3)
في هامش (ق): "لعله: بها". قلت: ولعله كذلك فعلًا، وفي المطبوع:"ولا تقوم هي بغيرها".
(4)
في المطبوع و (ك): "أوجر".
(5)
في المطبوع: "التوصل".
(6)
في (ق): "مبلغًا" وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة ما أثبتناه.
(7)
في (ك) و (ق): "معنى معقول".
(8)
ما تحته في "تفسير آيات أشكلت" لابن تيمية (2/ 616 وما بعده) بنحوه.
(9)
في المطبوع و (ق) و (ك): "تسمح".
لا (1) سيما أهل العمود والبوادي، وإنما يتناقلون الطعام بالطعام؛ فكان من رحمة الشارع بهم وحكمته أن منعهم من ربا النساء فيها كما منعهم من ربا النساء في الأثمان؛ إذ لو جوَّز لهم النَّساء فيها لدخلها:"إما أن تَقْضي وإما أن تُرْبي" فيصير الصاع الواحد [لو أخذ](2) قُفزانًا كثيرة، ففُطِموا عن النساء، ثم فُطموا عن بيعها متفاضلًا يدًا بيد؛ إذ تجرهم حلاوة الربح وظفر الكسب إلى التجارة فيها نساء وهو عين المفسدة، وهذا بخلاف الجنسين المتباينين؛ فإن حقائقهما وصفاتهما ومقاصدهما (3) مختلفة؛ ففي إلزامهم المساواة في بيعها إضرارٌ بهم، ولا يفعلونه، وفي تجويز النساء بينها ذريعة إلى "إما أن تقضي وإما أن تُرْبي" فكان من تمام رعاية مصالحهم أن قصرهم على بيعها يدًا بيد كيف شاءوا، فحصلت لهم مصلحة المناقلة (4)، واندفعت عنهم مفسدة "إما أن تقضي وإما أن تُرْبي" وهذا بخلاف ما إذا بيعت بالدراهم أو غيرها من الموزونات نساء فإن الحاجة داعية إلى ذلك، فلو منعوا منه لأَضرَّ بهم، ولامتنع السَّلَم الذي هو من مصالحهم فيما هم محتاجون إليه أكثر من غيره، والشريعة لا تأتي بهذا، وليس بهم حاجة في بيع هذه الأصناف بعضها ببعض نساء وهو ذريعة قريبة إلى مفسدة الربا، فأبيح لهم في جميع ذلك ما تدعو إليه حاجتهم وليس بذريعة إلى مفسدة راجحة [ومنعوا مما لا تدعو الحاجة إليه ويتذرع به غالبًا إلى مفسدة راجحة](5).
يوضح ذلك أن من عنده صنف من هذه الأصناف وهو محتاج إلى الصنف الآخر فإنه يحتاج إلى بيعه بالدراهم ليشتري الصنف الآخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"بع الجَمْع (6) بالدَّراهم ثم اشتر بالدراهم جَنيبًا"(7) أو يبيعه بذلك الصنف نفسه بما
(1) في (ك): "ولا".
(2)
ما بين المعقوفتين من المطبوع.
(3)
في (ق) و (ك): "في مقاصدها".
(4)
في المطبوع: "المبادلة".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(6)
"الجمع -فتح الجيم، وسكون الميم-: كل لون من النخيل لا يعرف اسمه، وقيل: هو تمر مختلط من أنواع متفرقة، وليس مرغوبا فيه، وما يخلط إلا لرداءته، والجنيب: نوع جيد من التمر"(و).
قلت: قال ابن حجر في "الفتح"(4/ 400): "و. . . الجمع" -بفتح الجيم وسكون الميم-: التمر المختلط، و"الجنيب" -بجيم ونون وتحتانية وموحدة، وزن عظيم-، قال مالك:"هو الكبيس"، وقال الطحاوي:"هو الطيب"، وقيل: الصلب، وقيل: الذي أخرج منه حشفه ورديئه، وقال غيرهم: هو الذي لا يخلط بغيره بخلاف الجمع".
(7)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع): باب إذا أراد بيع تمر بتمرٍ خير منه =
يساوي (1)، وعلى كلا التقديرين يحتاج إلى بيعه حالًا، بخلاف ما لو مُكِّن (2) من النساء، فإنه حينئذ يبيعه بفَضْل، ويحتاج أن يشتري الصنف الآخر بفضل؛ لأن صاحب ذلك الصنف يُرْبي عليه كما أربى هو على غيره، فينشأ من النساء تضرر بكل واحد منهما، والنساء هاهنا في صنفين، وفي النوع الأول في صنف واحد، وكلاهما منشأ الضرر والفساد.
وإذا تأملت ما حرم فيه النساء رأيته إما صنفًا واحدًا أو صنفين مقصودهما واحد أو متقارب، كالدراهم والدنانير؛ والبر والشعير، والتمر والزبيب، فإذا تباعدت المقاصد لم يحرم النساء كالبر والثياب والحديد والزيت.
يوضح ذلك أنه لو مكن من بيع مُدّ حنطة بمدين كان ذلك تجارة حاضرة، فتطلب النفوس التجارة المؤخرة للذة الكسب وحلاوته؛ فمنعوا من ذلك حتى منعوا من التفرق قبل القبض إتماما لهذه الحكمة، ورعاية لهذه المصلحة؛ فإن المتعاقدين قد يتعاقدان على الحلول، والعادة جارية بصَبْر أحدهما على الآخر، وكما يفعل أرباب الحيل: يُطلقون العقد وقد تواطئوا على أمر آخر، كما يطلقون عقد النكاح وقد اتفقوا على التحليل، ويطلقون بيع السلعة إلى أجل وقد اتفقوا على أنه يعيدها إليه بدون ذلك الثمن؛ فلو جوز لهم التفرق قبل القبض لأطلقوا البيع حالًا وأخروا الطلب لأجل الربح، فيقعوا في نفس المحذور. وسر المسألة أنهم مُنعوا من التجارة في الأَثْمان بجنسها؛ لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأثمان، ومنعوا من التجارة في الأقوات بجنسها؛ لأن ذلك يُفسد عليهم مقصود الأقوات، وهذا المعنى بعينه موجود في بيع التبر والعين؛ لأن التبر ليس فيه صنعة (3) يقصد لأجلها؛ فهو بمنزلة الدراهم التي قصد الشارع ألا يفاضل بينها، ولهذا قال:"تِبْرُها وعينُها سواء"(4) فظهرت حكمةُ تحريم ربا النساء في الجنس
= (4/ 399 - 400/ رقم 2201، 2202)، وفي (كتاب الوكالة): باب الوكالة في الصرف والميزان (4/ 481/ رقم 2302، 2303)، وفي (كتاب المغازي): باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر (7/ 4244 - 4247)، وفي (كتاب الاعتصام): باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ (13/ 7350، 7351)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة): باب بيع الطعام مثلا بمثل (3/ 1215/ رقم 1593 بعد 95)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1)
كذا في الأصول ولعل الصواب: "يساويه".
(2)
في (د): "ما إذا مكن"، وفي (ك):"ما لو أمكن".
(3)
في (ق) و (ك): "صيغة".
(4)
رواه أبو داود (3349) في (البيوع): باب في الصرف، والنسائي في (البيوع): باب بيع =
والجنسين، وربا الفَضْل في الجنس الواحد، وأن تحريم هذا تحريم المقاصد وتحريم الآخر تحريم الوسائل وسد الذرائع، ولهذا لم يُبَحْ شيءٌ من ربا النسيئة.
فصل (1)[حكمة إباحة العرايا ونحوها]
وأما ربا الفضل فأبيح منه ما تدعوا إليه الحاجة كالعرايا (2)؛ فإن ما حُرِّم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد. وعلى هذا فالمصوغ والحلية إن كانت صياغته (3) محرمة كالآنية حرم بيعه بجنسه وغير جنسه، وبيع هذا هو الذي أنكره عبادة على معاوية (4)؛ فإنه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان، وهذا لا يجوز كآلات الملاهي. وأما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحِلية النِّساء وما أُبيح من حلية السلاح وغيرها، فالعاقل لا يبيع هذه بوزنها من جنسها
= الشعير بالشعير (7/ 277) وفي "الكبرى"(4/ 28 رقم 6156)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 66)، والشاشي في "مسنده"(1244، 1249)، والدارقطني (3/ 18)، والبيهقي (5/ 277، 282 - 283، 291) من طريق همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة مرفوعًا.
ورواه أبو داود (3350) من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة مرفوعًا. وهذا حديث إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وحديث عبادة في "صحيح مسلم"(1587)(81) دون قوله: "تبرها وعينها".
(1)
ما تحته في "تفسير آيات أشكلت"(2/ 680 وما بعد).
(2)
انظر في هذا الموافقات (3/ 201 - 202 - بتحقيقي) بنوع تصرف.
(3)
في (ق) و (ن): "صناعته"، وفي (ك):"وإن كانت صاغة".
(4)
روى مسلم (1587) في (المساقاة): باب الصرف وبيع الذهب بالورق عن أبي قلابة قال: "كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس فقلت له: حَدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم. غزونا غزاة -وعلى الناس معاوية- فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلًا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد، أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبًا فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه. فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة. ثم قال: لنحدِّثن بما سمعنا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية أو قال: وإن رَغِمَ -ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء".
فإنه سَفَهٌ وإضاعة للصنعة (1). والشارع أحكم من أن يُلْزم الأُمَّة بذلك، فالشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إلى ذلك (2)؛ فلم يبق إلا أن يُقال: لا يجوز بيعها بجنسها ألبتَّة، بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا (3) من الحرج والعُسْر والمشقة ما تتقيه (4) الشريعة؛ فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائعُ لا يسمحُ ببيعه ببُر وشعير وثياب؛ وتكليف الاستنصاع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر، والحِيَلُ باطلة في الشرع وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب (5)، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؛ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تُباع السلع؛ فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس، والنصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما هو صريح في المنع، وغايتها أن تكون عامة أو مطلقة، ولا ننكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس الجلي، وهي بمنزلة نصوص وجوب الزكاة في الذهب والفضة، والجمهور يقولون: لم تدخل في ذلك الحلية، ولا سيما فإن لفظ النصوص في الموضعين قد ذكر تارة بلفظ الدراهم والدنانير كقوله:"الدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار"(6) وفي الزكاة قوله: "وفي الرِّقَةِ رُبْع العشر"(7)،
(1) انظر: "الصواعق المرسلة"(1/ 145)، و"إغاثة اللهفان"(1/ 369) حديث القلادة وقارن بـ "الاعتصام"(2/ 601 - ط ابن عفان).
(2)
في المطبوع و (ك) و (ق): "لحاجة الناس إليه".
(3)
في (ق): "وهذا فيه".
(4)
في (ك) و (ق): "تنفيه".
(5)
يريد أحاديث جواز العرايا، وقد وردت عن جمع في الصحابة، منها: حديث سهل بن أبي حثمة: رواه البخاري (2191) في (الببوع): باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة، و (2383 و 2384) في (المساقاة): باب الرجل يكون له ممرٌّ أو شِربٌ في حائط أو نخل، ومسلم (1540) في (البيوع): باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرية يبيعها أهلها بخرصها يأكلونها رُطبًا".
وحديث زيد بن ثابت: رواه البخاري (2172 و 2184 و 2188 و 2192 و 2380)، ومسلم (1539).
وحديث جابر رواه مسلم (1536)(85).
(6)
أخرجه مسلم (1588)(85) في (المساقاة): باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، ولفظه:"الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ووقع في المطبوع بلفظ الجمع: "الدراهم بالدراهم، والدنانير بالدنانير".
(7)
تقدم تخريجه.
والرِّقة: هي [الوَرِق وهي](1) الدراهم المضروبة، وتارة بلفظ الذهب والفضة؛ فإن حمل المطلق على المقيد كان نهيًا عن الربا في النقدين وإيجابًا للزكاة فيهما، ولا يقتضي ذلك نفي الحكم عن جملة ما عداهما، بل فيه تفصيل؛ فتجب الزكاة ويجري الربا في بعض صوره لا في كلها، وفي هذا توفية الأدلة حقها، وليس فيه مخالفة بشيء لدليل منها (2).
يوضحه أن الحلية المُباحة صارت بالصّنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان، وأُعدِّت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها، ولا يدخلها "إما أن تقضي وإما أن تُرْبِي" إلا كما يدخل في سائر السِلَع إذا بِيعت بالثمن المؤجل، ولا ريب أن هذا قد يقع فيها (3)، لكن لو سُدَّ على الناس ذلك لسُدَّ عليهم باب الدَّيْن، وتضرروا بذلك غاية الضرر.
يوضحه أن الناس على عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم كانوا يتخذون الحلية، وكانت النساء تلبسها، وكُنَّ يتصدقن بها في الأعياد وغيرها (4)؛ ومن المعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج، ويعلم أنهم يبيعونها؛ ومعلوم قطعًا أنها لا تُباع بوزنها فإنه سفه، ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة (5) لا تساوي دينارًا، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى للَّه وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يُعلِّموها الناس (6).
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
في (ك): "مخالفة للدليل بشيء منها".
(3)
في (ن): "قد ارتفع فيها".
(4)
رواه البخاري (98) في (العلم): باب عظة الإمام النساء وتعليمهن -وأطرافه هناك وهي كثيرة جدًا-، ومسلم (884) في أول صلاة العيدين، من حديث ابن عباس.
ورواه البخاري (961) في (العيدين): باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة، و (978) في باب موعظة النساء يوم العيد، ومسلم (885)، من حديث جابر.
(5)
"بسكون التاء وفتحها، خاتم كبير يكون في اليد والرجل، أو حَلقة من فضة كالخاتم"(و).
(6)
قال في هامش (ق): "في"الموطأ" عن حميد بن قيس المكي عن مجاهد أنه قال: كنت [أطوف] مع عبد اللَّه بن عمر، فجاءه صائغ، فقال: يا أبا عبد الرحمن! إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي؟ فنهاه عبد اللَّه بن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يرد عليه المسألة، وعبد اللَّه ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابة يريد أن يركبها، ثم قال عبد اللَّه: الدينار بالدينار، =
يوضحه أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه نَهى أن يُباع الحلي إلا بغير جنسه [أو بوزنه](1)، والمنقول عنهم إنما هو في الصرف.
يوضحه أن تحريم ربا الفضل إنما كان سدا للذريعة كما تقدَّم بيانه، وما حُرِّم سدًا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة (2)، كما أُبيحت العَرَايا من ربا الفَضْل، وكما أُبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أُبيح النَّظرُ للخاطبِ والشاهدِ والطبيب والمعاملِ من جملة النَّظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجالَ حُرِّم [لسدِّ ذريعة التشبيه](3) بالنساء الملعون فاعله، وأبيح [منه](4) ما تدعو إليه الحاجة، وكذلك ينبغي أن يُباح بيع الحلية المصوغةِ صياغةً مباحةً بأكثر من وزنها؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، وتحريم التفاضل إنما كان (5) سدًا للذريعة؛ فهذا محض القياس ومقتضى أصول الشرع، ولا تتم مصلحة الناس إلا به أو بالحيل (6)، والحيل باطلة في الشرع، وغاية ما في ذلك جعل الزيادة في مقابلة الصياغة المباحة (7) المتقوَّمة بالأثمان في الغصوب وغيرها، هاذا كان أرباب الحيل يجوزون بيع عشرة بخمسة عشر في خِرْقة تساوي فلسًا ويقولون: الخمسة في مقابلة الخرقة، فكيف ينكرون بيع الحلية بوزنها وزيادة تساوي الصياغة؟ (8) وكيف تأتي الشريعة الكاملة الفاضلة التي بهرت العقول حكمةً ورحمةً وعَدلًا وجَلَالَةً بإباحة هذا وتحريم ذلك؟ وهل هذا إلا عكس للمعقول (9) والفِطَر والمصلحة؟ والذي يقضى منه العجب مبالغتهم في ربا الفضل أعظم مبالغة، حتى منعوا بيع رطل زيت برطل زيت، وحرموا بيع الكشك (10) بالسمسم، وبيع النشا
= والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا، وعهدنا إليكم". اهـ. وما بين المعقوفتين من "الموطأ" (2/ 334/ رقم 2540). وإسناده جَيّد.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
انظر كلامًا طيبًا حول هذه القاعدة للمؤلف رحمه الله في "زاد المعاد"(3/ 88)، و"روضة المحبين"(ص 93).
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "سدًا لذريعة التشبه".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
في (ق): "حرم".
(6)
في هامش (ق): "يقال: بل لهم طريق سهل، وهو بيع الحلية بغير جنسها من أحد النقدين".
(7)
في (ن) و (ك): "وغاية ما في ذلك فعل الزيادة في مقابلة الصناعة المباحة".
(8)
في المطبوع و (ن): "الصناعة".
(9)
في (ق) و (ك): "عكس العقول".
(10)
في المطبوع و (ن): "بيع الكسب"، وأشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة:"بيع الكُشب" وكذا أثبتت في (د) و (ك).