الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنَّها لا ترث مفردةٌ (1) فلا ترث مع أخيها، كالمحجوبة برقِّ أو كفرٍ، بخلاف ما إذا كانت وارثةً كبنتٍ وبنتِ ابنٍ معها أخوها فإنه يعصبها اتفاقًا لأنها وارثةٌ. وقولُ الجمهور (2) أصحُّ، فإنها وارثة في الجملة، وهي ممن يستفيدُ التعصيب بأخيها. وهنا إنَّما سقط ميراثها بالفرض لاستكمال من فوقها الثلثين، ولا يلزم من سقوطِ الميراثِ بالفرض سقوطه بالتعصيب مع قيام مُوجبهِ وهو وجودُ الأخِ، [وإذا كان وجودُ الأخِ](3) يجعلُها عصبةً فيمنعها الميراثَ بالكلية ولولاه وَرِثت بالفرضِ وهو الأخُ المشئوم فالعَدْل يقتضي أن يجعلَها عصبةً فيورِّثَها إذا لم ترث بالفرض وهو الأخُ النافعُ، فهذا محض القياس والميزان، وقد فهمت دلالة الكتاب عليه.
والنزاعُ في الأختِ للأب مع الأختِ أو الأخواتِ للأبوين كبنتِ الابنِ مع البنتِ والبناتِ (4) سواء، وباللَّه التوفيق.
فصل [ميراث الجد مع الإخوة]
المسألة السادسة: ميراث الجد مع الإخوة، والقرآن يدل على قول (5) الصدِّيق ومَنْ معه من الصحابة كأبي موسى وابن عباس وابن الزبير وأربعة عشر منهم رضي الله عنهم (6)، ووجه دلالة القرآن على هذا القول قوله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ]} (7)[النساء: 176] إلى آخر الآية، فلم يجعل للإخوة ميراثًا إلا في الكلالة.
= 271) وفيه: "وهو قول ابن مسعود وعلقمة وأبي ثور وأبي سفيان"، والسرخسي في "المبسوط"(29/ 142)، والشاشي في "حلية العلماء"(6/ 838)، والكلوذاني في "التهذيب في الفرائض"(ص 206)، ونقله عن علقمة وأبي ثور، وقال:"وكان جمهور العلماء من الصحابة وغيرهم يجعلون الباقي بين الذكور والإناث".
(1)
في (ق): "منفردة".
(2)
انظر: "الذخيرة"(13/ 42)، "عقد الجواهر الثمينة"(3/ 442)، "المعونة"(3/ 1671)، "جامع الأمهات"(ص 551)، "حلية العلماء"(6/ 838)، "التهذيب في الفرائض"(206)، "التحقيقات المرضية"(ص 109 - 110).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(4)
في (ق): "أو البنات".
(5)
في المطبوع: "يدل لقول".
(6)
تقدم تخريج هذه الآثار في ميراث الجد.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
وقد اختلف الناس في الكلالة، والكتابُ يدل على قول الصِّدِّيق أنها ما عدا الوالد والولد (1)، فإنه سبحانه قال في ميراثِ وَلدِ الأم:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] فسَوَّى بين ميراث الإخوة في الكَلالةِ وإنْ فرَّق بينهم في جهةِ الإرثِ ومقداره، فإذا كان وجودُ الجدِّ مع الإخوة للأم لا يُدْخِلهم في الكلالة، بل يمنعهم من صِدْقِ اسم الكلالة على الميت أو عليهم أو على القرابة، فكيف أُدخل ولد الأب في الكلالة ولم يمنعهم وجودُه صدقَ اسمها؟ وهل هذا إلا تفريقٌ محض بين ما جمع اللَّه بينه؟
يوضحه الوجه الثاني، وهو أن ولد الولد يمنع الإخوة من الميراث، ويخرج المسألة عن كونها كلالة؛ لدخوله في قوله:{لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] ونسبة أبي (2) الأبِ إلى الميت كنسبةِ ولدِ ولده إليه، فكما أن الولَد وإن نَزَلَ يُخرج المسألة عن الكلالة فكذلك أبو (2) الأب وإن علا، ولا فرق بينهما ألبتة.
يوضحه الوجه الثالث، [وهو](3) أن نسبة الإخوة إلى الجد كنسبة الأعمام إلى أبي الجد، فإن الأخَ ابنُ الأب والعم ابن الجد، فإذا خَلَفَ عَمَّه وأبا جده فهو كما لو خلف أخاه وجدَّه سواء، وقد أجمع المسلمون على تقديم أبي (2) الجد على العم، فكذلك يجب تقديم الجد على الأخ، وهذا من أبين القياس وإن لم يكن هذا قياسًا جليًا فليس في الدنيا قياسٌ جلي!
يوضحه الوجه الرابع، وهو أن نسبة ابن الأخ إلى الأخ كنسبة أبي (2) الجد إلى الجد، فإذا قال الأخ: أنا أرِثُ (4) مع الجد لأني ابنُ أبي (2) الميت والجد أبو أبيه (5) فكِلانا في القُرب إليه سواء، صاحَ ابنُ الأخِ مع أبي (2) الجد (6) وقال: أنا ابنُ ابنِ أبي (2) الميت فكيف حَرَمتموني مع أبي أبي أبيه ودرجَتُنا واحدة؟ وكيف
(1) سبق تخريج قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الكلالة.
(2)
في المطبوع: "أب".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
في (ق): "وارث".
(5)
في أصول هذا الكتاب: "والجد ابن أبيه" تحريف (ظاهر عما أثبتناه)[لا يستقيم المعنى المراد، انظر: "إعلام الموقعين" (1/ 328 - الطبعة المنيرية) (2/ 72 - مطبعة: فرج اللَّه زكي الكردي)]، كذا في (د)، و (ط)، وما بين القوسين زيادة (د) على (ط)، وما بين المعقوفتين زيادة (ط) على (د).
(6)
في (ق): "مع ابن الجد".
سمعتم قول أبي مع الجدِّ ولم تسمعوا قولي مع أبي الجد؟
فإن قيل: أبو الجدِّ جَدٌ وإنْ علا، وليس ابنُ الأخ أخًا.
قيل: فهذا حجةٌ عليكم؛ لأنه إذا كان أبو الأب أبًا، و [أبو] الجدِّ جدًا، فما للإخوة ميراثٌ مع الأب بحال.
فإن قلتم: نحن نجعل أبا الجَدِّ جدًا، ولا نجعل أبا الأب أبًا.
قيل: هكذا فعلتم، وفرَّقتم بين المتماثلين، وتناقضتم أبين تناقض، وجعلتموه أبًا في موضع وأخرجتموه عن الأبوة في موضع.
يوضحه الوجه الخامس، وهو أن نسبة الجد إلى الأب في العَمُود الأعلى كنسبة ابنِ الابنِ إلى الابن في العمود الأسفل، فهذا أبو أبيه، وهذا ابنُ ابنهِ، فهذا يُدْلي إلى الميت بأبي الميت (1)، وهذا يُدلي إليه بابنهِ، فكما كان ابنُ الابنِ ابنًا فكذلك يجب أن يكون أبو الأب أبًا، فهذا هو الاعتبار الصحيح من كل وجه وهذا معنى قول ابن عباس: ألَا يَتَّقي اللَّه زيدٌ؟ يجعل ابنَ الابن ابنًا ولا يجعل أبا الأب أبًا؟ (2)
يوضحه الوجه السادس، وهو أن اللَّه سبحانه سَمَّى الجَدَّ أبًا في قوله:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وقوله: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] وقوله: {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)} [الشعراء: 76] وقول يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] وفي حديثِ المعراج: "هذا أبوك آدم، وهذا أبوك إبراهيم"(3) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: "مَنْ أبوكم؛ قالوا: فلانٌ، قال: كذبتم، بل أبوكم فلانٌ، قالوا: صدقتَ"(4) وسَمَّى ابنَ الابنِ ابنًا كما في قولهْ {يَابَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] و {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 47] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا"(5) والأبوةُ والبنوةُ من الأمور المتلازمة المتضايفة
(1) في المطبوع: "باب الميت".
(2)
سبق تخريجه.
(3)
هذا ثابت في حديث أنس عن مالك بن صعصعة: رواه البخاري (3207) في (بدء الخلق): باب ذكر الملائكة، و (3887) في (مناقب الأنصار): باب المعراج، ومسلم (164) في (الإيمان) باب الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السماوات.
(4)
رواه أحمد (2/ 451)، والبخاري (3169) في (الجزية): باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يُعفى عنهم، و (5777) في (الطب): باب ما يذكر في سَمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي هريرة.
(5)
رواه البخاري (2899) في (الجهاد): باب التحريض على الرمي، و (3373) في =
يمتنع ثبوت أحدهما بدون الآخر، فيمتنع ثبوتُ بنوَّةِ الابنِ (1) إلا مع ثبوت الأبوَّةِ لأبي الأب.
يوضحه الوجه السابع، وهو أن الجد لو مات ورثه بنو بنيه دون إخوته باتفاق الناس، فهكذا الأب إذا مات يرثه أبو أبيه دون إخوته، وهذا معنى قول عمر بن الخطاب لزيد: كيف يرثني أولادُ عبدِ اللَّه دون إخوتي ولا أرثهم دون إخوتهم؟ (2) فهذا هو القياس الجلي والميزان الصحيح الذي لا مغمزَ فيه ولا تطفيف.
يوضحه الوجه الثامن، [وهو](3) أن قاعدة الفرائض وأصولها [أنه](4) إذا كان
= (الأنبياء): باب قول اللَّه تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} ، و (3507) في (المناقب): باب نسبة اليمن إلى إسماعيل، من حديث سلمة بن الأكوع. وانظر:"الفروسية"(ص 91 - بتحقيقي).
(1)
في المطبوع: "ثبوت البنوة لابن الابن" وفي (ق): "فيمتنع بثبوت بنوة الابن".
(2)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(6/ 248) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كتب إلى معاوية في شأن الجد؛ قال: "وجرى بيني وبين عمر كلام في الجد مع الإخوة، وكنت أرى يومئذٍ أن الأخوة أقرب حقًا إلى أخيهم من الجد، وكان يرى أن الجد أقرب".
وحسنه ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر"(1/ 160)، وأخرج الدارمي (رقم 2910، 2911) مذهب أبي بكر، وقال ابن حجر عنه:"هذا موقوف صحيح، وثبت عن أبي بكر من طرق أخرى من رواية ابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وغيرهم، وبعضها في البخاري".
قلت: قال البخاري في "صحيحه"(كتاب الفرائض): باب ميراث الجد مع الأب والإخوة (8/ 18 - الفتح): "وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير: الجد أب، وقرأ ابن عباس: {يَابَنِي آدَمَ. . . وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}، ولم يذكر أن أحدًا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون، وقال ابن عباس: يرثني ابن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا ابن ابني"، قال:"ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة".
قلت: وسيذكرها المصنف قريبًا، وانظرها مع الكلام عليها في "تغليق التعليق"(5/ 214 - 222)، وخلاصة ما في هذا الباب أن المال للجد ثابت عن أبي بكر، وتابعه عمر وعثمان وابن عباس وابن الزبير وغيرهم، ثم رجع بعضهم إلى القول بالمقاسمة، وهو قول الأكثر، وأما القول بحرمان الجد؛ فجاء عن زيد وعلي وعبد الرحمن بن غنم، ثم رجع علي وزيد الى المقاسمة. وانظر:"الموافقات"(5/ 160 - 162) و"الإشراف"(5/ 212 رقم 1961) وتعليقي عليهما -ففيه تخريج ما ورد عن المذكورين- و"حلية العلماء"(6/ 305) و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(31/ 342)، و"التحقيقات المرضية"(ص 138 - 139).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
قرابةُ المُدْلي من الواسطة من جنس قرابة الواسطة كان أقوى مما إذا اختلف جنس القرابتين، مثال ذلك أن الميت يُدْلي إليه ابنُه بقرابة البنوَّة، وأبوهُ يُدْلي إليه بقرابة الأبوة، فإذا أدلى إليه واحد ببنوَّةِ البنوة وإنْ بعُدت كان أقوى ممن يدلي إليه بقرابة بنوة الأبوة وإن قربت، فكذلك قرابةُ أبوة الأبوة وإن عَلَتْ أقوى من قرابة بنوة الأب وإنْ قرُبت، وقد ظهر اعتبار هذا في تقديم جَدِّ الجد، وإن عَلا على ابنِ الأخِ وإن قَرُب وعلى العم؛ لأن القرابة التي يُدْلي بها الجد من جنسٍ واحد وهي الأبوة، والقرابة التي يدلي بها الأخ وبَنُوه من جنسين وهي بنوة الأبوة، ولهذا قُدِّمت قرابةُ ابنِ الأخ على قرابة ابن الجد؛ لأنها قرابةُ بنوةِ أبٍ، وتلك قرابةُ بنوةِ أبي أب، فبين ابنُ (1) الأخ فيها وبين الميت جنسٌ واحد وهي الأخوةُ، فبواسطتها وَصَل إليه، بخلاف العم فإن بينه وبينه جنسين (2) أحدهما الأبوة والثاني بنوتها، وعلى هذه القاعدة بناء [باب](3) العَصَبات.
يوضحه الوجه التاسع، وهو أن كُلَّ بني أبٍ أدنى وإن بَعدُوا عن الميت يُقَدَّمون في التعصيب على بني الأبِ الأعلى وإن كانَوا أقربَ إلى الميت، فابنُ ابنِ ابنِ الأخ يُقدَّم على العَمِّ القريب، وابنُ ابنِ ابنِ العَمِّ وإن نزل يُقدَّم على عَمّ الأبِ، وهذا مما يبين أن الجنس الواحد يقومُ أقصاه مقام أدناه، ويقدَّم الأقصى على من يقدم عليه الأدنى، فيُقدم ابنُ ابنِ الابنِ على من يقدم عليه الابنُ، وابن ابن الأخ على من يُقدَّم عليه الأخُ، وابن ابن العم على من يقدم عليه العم، فما بال أبي (4) الأب وحدَه خرج عن (5) هذه القاعدة ولم يقدم على من يقدم عليه الأب؟
وبهذا يظهر بطلان تمثيل الأخ والجد بالشجرة التي خرج منها غصنان والنهر الذي خرج منه ساقيتان (6)، فإن القرابة التي من جنس واحد أقوى من القرابة المركبة من جنسين؛ وهذه القرابة البسيطة مقدمة على تلك المركبة بالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار الصحيح، ثم قياس القرابة على القرابة والأحكام الشرعية على مثلها أولى من قياس قرابة الآدميين على الأشجار والأنهار مما ليس في الأصل حكم شرعي، ثم نقول: بل النهر الأعلى أولى بالجَدْول من الجدول التي (7) اشتق
(1) زاد هنا في (ك): "أب".
(2)
في (ق): "جنسان"!
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في المطبوع: "أب".
(5)
في (د): "من".
(6)
تقدم وتخريجه.
(7)
في (ق) و (ك): "الذي".
منه، وأصل الشجرة أولى بغصنها من الغصن الآخر، فإن هذا صِنْوه ونظيره الذي لا يحتاج إليه، وذلك أصله وحاكمله الذي يحتاج إليه، واحتياج الشيء إلى أصله أقوى من احتياجه إلى نظيره، فاصلُه أولى به من نظيره.
يوضحه الوجه العاشر، [وهو](1) أن هذا القياس لو كان صحيحًا لوجَبَ طَرْدُه، ولما انتقض، فإن طرده تقديم الإخوة على الجد، فلما اتفق المسلمون على بطلان طَرْده علم أنه فاسد في نفسه.
يوضحه الوجه الحادي عشر، [وهو](1) أن الجد يقوم مقام الأب في التعصيب في كل سورة من صُوره، ويُقدَّم على كل عصبة يقدم عليه الأب، فما الذي أوجب استثناء الإخوة خاصة من هذه القاعدة؟
يوضحه الوجه الثاني عشر، [وهو](1) أنه إن كان الموجِبُ لاستثنائهم قربهم (2) وجب تقديمهم عليه، وإن كان مساواتهم له في القرب وجب اعتبارهم (3) في بنيهم وآبائه لاشتراكهم في السبب الذي اشترك فيه هو والإخوة، وهذا مما لا جوابَ [لهم](4) عنه.
يوضحه الوجه الثالث عشر، وهو أنه قد اتفق الناس على أن الأخَ لا يُساوي الجد، فإن لهم قولين: أحدهما: تقديمُه (5) عليه، والثاني: توريثُه معه، والمورِّثون لا يجعلونه كأخ مطلقًا، بل منهم مَنْ يقاسم به الإخوة إلى الثلث (6)، ومنهم من يُقاسمهم به إلى السدس (7)، فإن نَقَصَتْه المقاسمةُ عن ذلك أعطوه إياه فرضًا
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
في المطبوع: "قوتهم".
(3)
في (ك) و (ق): "اعتبارها".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ك) و (ق): "وتقديم الجد عليه".
(6)
هذا مذهب جماهير العلماء، انظر:"قوانين الأحكام الشرعية"(332، 335)، "الموافقات"(5/ 160 - 162)، "الإشراف"(5/ 212 رقم 1961).
(7)
هذا مذهب علي رضي الله عنه.
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(11/ 293)، والدارمي (2917، 2918)، والبيهقي (6/ 249)، في "سننهما" والطحاوي في "اختلاف العلماء"(4/ 462 - مختصره)، وابن حجر في "تغليق التعليق"(5/ 219، 221)، من طرق عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى على، وابن عباس بالبصرة: إني أتيتُ بجد وستة إخوة، فكتب إليه علي: أن أعطِ الجدّ سُبُعًا، ولا تعطه أحدًا بعده. وإسناده قوي.
وفي مطبوع "سنن الدارمي": "سدسًا" بدل "سبعًا"، وهو خطأ، وصوابه ما في المصادر الأخرى، وهو على الجادة في "سنن الدارمي"(10/ 76 - مع "فتح المنان").
وأخرج يزيد بن هارون في "الفرائض" عن الشعبي، قال: كان علي يشرك بين الجد =
وأدخلوا النقصَ عليهم أو حَرموهم، كزوجٍ وأمٍ وجدٍّ وأخٍ، فلو كان الأخُ مساويًا للجد وأولى منه كما ادَّعى المورثون أنه القياس لساواه في هذا السدس أو قُدِّم عليه (1)، فعُلم (2) أنَّ الجدَّ أقوى، وحينئذ فقد اجتمع عَصَبتان وأحدهما أقوى من الآخر فيقدم عليه.
يوضحه الوجه الرابع عشر، [وهو](3) أن المورِّثين للإخوة لم يقولوا في التوريث قولًا يدل عليه نصٌ ولا إجماعٌ ولا قياسٌ مع تناقضهم، وأما المقَدِّمون له على الإخوة فهم أسْعَدُ الناس بالنص والإجماع والقياس وعدم التناقض، فإن من المورثين مَنْ يُزاحِم به إلى الثلث، ومنهم من يزاحم به إلى السدس، وليس في الشريعة مَنْ يكون عَصَبة يُقاسم عصبة نظيره إلى حد ثم يُفرض له بعد ذلك الحد، فلم يجعلوه معهم عصبةً مطلقًا، ولا ذا فرض مطلقًا، ولا قدموه عليهم مطلقًا، ولا ساوَوْهُ بهم مطلقًا، ثم فرضوا له سدسًا أو ثلثًا بغير نص ولا إجماع ولا قياس، ثم حَسَبُوا عليه الإخوة من الأب ولم يعطوهم شيئًا إذا كان هناك إخوة لأبوين، ثم جعلوا الأخواتِ معه عصبةً إلا في سورة واحدة فرضوا فيها للأخت، ثم لم يهنوها بما فرضوا لها (4)، بل عادوا عليها بالإبطال فأخذوه وأخذوا ما أصابه فقسموه بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم أعالوا هذه المسألة خاصةً من مسائل الجد والإخوة، ولم يُعِيلوا غيرها، ثم ردُّوها بعد العَوْل إلى التعصيب، وسَلِم المُقدِّمون له على الإخوة من هذا كله (5) مع فَوْزهم بدلالة الكتاب والسنة والقياس ودخولهم في حزب الصِّدِّيق.
يوضحه الوجه الخامس عشر، [وهو](3) أن الصِّديقَ لم يَختلف عليه أحدٌ من
= والإخوة إلى السدس، يجعله كأحدهم، أفاده ابن حجر في "التغليق"(5/ 220).
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(11/ 293/ رقم 11267)، والدارمي (2919، 2921)، والبيهقي (6/ 249) في "سننهما"؛ عن عبد اللَّه بن سَليمة أن عليًا كان يجعل الجد أخًا حتى يكون سادسًا.
وإسناده ضعيف.
وله طرق أخرى عن علي انظرها في: "سنن الدارمي"(2120، 2122)، "مصنف عبد الرزاق"(10/ 268)، "مصنف ابن أبي شيبة"(11/ 292، 295، 298 - 299)، "سنن سعيد بن منصور"(1/ 53)، "سنن البيهقي"(6/ 249)، "تغليق التعليق"(5/ 225).
(1)
في المطبوع: "وقدم عليه".
(2)
في (ق): "وعلم".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
في (ق) و (ك): "فرض لها".
(5)
في المطبوع و (ق): "والمقدم له على الإخوة سلم من هذا كله".
الصحابة في عهده أنه مقدَّم على الإخوة، قال البخاري في "صحيحه" في [باب] (1) ميراث الجد مع الإخوة:"وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير: "الجَدُّ أبٌ"، وقرأ ابنُ عباس: {يَابَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] ولم يذكر أن أحدًا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون، وقال ابن عباس: يرثني ابنُ ابني دون إخوتي ولا أرث أنا ابنَ ابني؟ ويُذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت أقاويل مختلفة"(2)، انتهى، وقال عبد الرزاق: ثنا ابنُ جُرَيج قال: سمعتُ ابنَ أبي مليكة يحدث أن ابنَ الزُّبير كتب إلى أهل العراق: إن الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا حتى ألقى اللَّه سِوى اللَّه لاتخذتُ أبا بكر خليلًا" كان يجعل الجدَّ أبًا (3)، وقال الدارمي في "صحيحه": ثنا مُسلم (4) بن إبراهيم: ثنا وُهَيبٌ: ثنا أيوب: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جعله الذي قال [له](5) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذته خليلًا ولكن أخوَّة الإسلام أفضل" يعني: أبا بكر جعله أبًا (6). ثنا محمد بن يوسف (7)، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بُرْدَةَ
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
انظره في "صحيح البخاري" قبل حديث (رقم 6737) في (كتاب الفرائض): باب ميراث الجد مع الأب والأخوة (8/ 18 - مع الفتح).
(3)
هو في "المصنف" لعبد الرزاق (19049)(2/ 263) لكن سنده هكذا: ابن جريج عن أبيه عن ابن الزبير.
ووالد ابن جريج هو عبد العزيز، وهو ليّن.
نعم رواه أحمد في "مسنده"(4/ 4 و 5)، والبيهقي (6/ 246) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة به.
ورواه البخاري (3658) في (الفضائل): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذًا خليلًا، والبيهقي (6/ 246) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير به.
(4)
في المطبوع والمخطوط: "سلم" وفي (ق): "سالم"، وصوابه ما أثبتناه، كما في "سنن الدارمي".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(6)
رواه الدارمي (2/ 353)، وإسناده صحيح، وهو في "صحيح البخاري"(6738) في (الفرائض) باب ميراث الجد مع الأب والإخوة، و"سنن سعيد بن منصور"(1/ 46 رقم 48)، و"سنن البيهقي"(6/ 246) من طرق عن أيوب به.
(7)
في (ق) و (ك): "محمد بن يونس".
قال: لقيتُ مروان بن الحكم بالمدينة فقال: يا ابن أبي موسى ألم أُخْبَرْ اْن الجدَّ لا ينزل فيكم منزلة الأب وأنت لا تنكر؟ قال: قلت: [ولو كنت](1) أنت لم تنكر، قال مروان: فأنا أشْهَدُ على عثمان بن عفان أنه شهد على أبي بكر أنه جعل الجدَّ أبًا، إذا لم يكن دونه أب (2). ثنا يزيد بن هارون: ثنا أشعث، [عن عروة](3)، عن الحسن قال: إن الجد قد مضت فيه سُنَّة، وإن أبا بكر جعل الجدَّ أبًا، ولكن الناس تحيَّروا (4)، وقال حماد بن سلمة: ثنا هشام بن عروة، عن عروة، عن مروان قال: قال لي عثمان بن عفان: قال لي عمر (5): إني قد رأيت في الجد رأيًا، فإن رأيتم أن تتَّبعوه فاتبعوه، فقال عثمان: إن نَتبعْ رأيَك فرأيك رشد (6)، وإن نتبع رأي الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان، قال: وكان أبو بكر يجعله أبًا (7)، والمورِّثون للإخوة
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
أخرجه الدارمي (2/ 353) ووقع متنه في المطبوعة بإسناد الذي قبله، والذي نقله المصنف صحيح يوافق النخ الخطية منه، وهو كذلك فيه (10/ 66 رقم 3088 - مع "فتح المنان").
ووقع اختلاف فيه على أبي إسحاق الشيباني.
فأخرجه سعيد بن منصور (44) -ومن طريقه ابن حزم (9/ 287) - والبيهقي (6/ 246) من طريق الشيباني به، ولكن زاد سعيد بعد أبي إسحاق:(سعيد بن أبي بردة).
وأخرجه الدارمي (3085 - مع "فتح المنان") عن أبي إسحاق عن كردوس عن أبي موسى عن أبي بكر أنه جعل الجدّ أبًا، و (رقم 3086) عنه عن أبي بردة عن كردوس عن أبي موسى به، وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 288).
وأخرجه الدارمي (3087) عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي بردة عن مروان عن عثمان أن أبا بكر كان يجعل الجد أبًا، وسنده صحيح، قاله ابن حجر في "الفتح"(12/ 20).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
رواه الدارمي (2/ 353) لكن ليس في إسناده "عروة" وكذا في الطبعة الأخرى (10/ 68 رقم 3092)، وفيها "سنته"، بدل "فيه سنة" ولا أدري أيها أصح اثبات عروة أم إسقاطه، فإن أشعث هو ابن سَوّار الكندي، وآخر من حدث عنه يزيد بن هارون، وأشعث هذا أدرك الحسن البصري، وروى عنه وعلى كل حال فهو ضعيف في الرواية.
وأخرج قوله سعيد بن منصور (1/ 46 رقم 45).
تنبيه: وقع في الطبعتين من "سنن الدارمي": ولكن الناس تخيروا، بالخاء وهو خطأ.
(5)
في المطبوع و (ك): "إن عمر قال لي"، وسقطت من (ك):"إن".
(6)
في (د): "فهو رشد"، وفي (ق):"فرأيك رشيد".
(7)
هو ينقل عن الدارمي، وليس فيه هذا من طريق حماد بن سلمة، وإنما رواه (2/ 354 أو 10/ 75 رقم 3096 - مع "فتح المنان") من طريق وهيب عن هشام بن عروة به. ثم وجدت نقل المصنف عن "المحلى" لابن حزم (9/ 287) بالحرف، ورواه =
بعدهم عمرُ وعثمانُ وعلي وزيد وابن مسعود (1)، فأما عمر فإن أقواله اضطربت فيه، وكان قد كتب كتابًا في ميراثه، فلما طُعِنَ دعا به فمحاه (2). وقال الخُشنيُّ: عن محمد بن بَشَّار (3)، عن محمد بن أبي عَدي، عن شُعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر حين طُعِنَ: إني لم أقض في الجد شيئًا (4). وقال وكيع: عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: مات ابنٌ لابن عمر بن الخطاب، فدعا زيدَ بن ثابت فقال: شَعِّبْ ما كنت تشعّب إني لأعلم (5) أنَّي أولى به منهم (6)، وأما علي فقال عبد الرزاق: عن معمر: ثنا أيوب، عن سعيد بن جبير،
= عبد الرزاق (19051 و 19052) من طريق ابن جريج ومعمر كلاهما عن هشام به.
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 246) من طريق موسى بن عقبة حدثنا عروة بن الزبير به.
وأسانيده صحيحة.
(1)
انظر: "المحلى"(9/ 287)، ووقع في (ق):"عمر وعلي وعثمان وزيد وابن مسعود".
(2)
أما اضطراب أقوال عمر في الجد، فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 363)، وعبد الرزاق (19043 و 19044)، ومن طريقه ابن حزم (9/ 295)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 245)، وابن حجر في "تغليق التعليق" (5/ 218 - 219) من طريق عَبَيدة السلماني قال: لقد حفظت من عمر بن الخطاب فيها مئة قضية مختلفة، وإسناده صحيح.
قال ابن حزم: "لا سبيل إلى وجود إسناد أصح من هذا".
وروى نحوه الدارمي (2/ 351) لكن قال: ثمانين قضية.
وأما أنه كتب كتابًا فلما طعن محاه.
فقد روى ذلك ابن أبي شيبة (7/ 363) من طريق معمر عن الزهري عن سعيد عن عمر. وسعيد لم يدرك عمر.
وروى الدارمي أيضًا (2/ 351) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي شيبة (11/ 320) عن الزهري كلاهما عن سعيد بن المسيب أن عمر كتب ميراث الجد. . . حتى إذا طعن دعا به فمحاه.
وله طريقان آخران عند البيهقي (6/ 245).
(3)
في المطبوع و (ك): "يسار"، وفي (ق):"سيار" وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة: "يسار"، وما أثبتناه من (ن)، هو الصواب كما في كتب الرجال.
(4)
رواته ثقات لكن في سماع سعيد من عمر نظر، وروى عبد الرزاق (19046) من طريق ابن سيرين عن عمر نحوه.
وابن سيرين لم يدرك عمر، وانظر:"المحلى"(9/ 294).
(5)
في المطبوع: "لأني أعلم".
(6)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(53) عن هشيم عن أبي بشر به. وفيه: "شغب. . . مشغبًا" بالغين المعجمة، وأخرجه أحمد في "العلل"(1868) من طريق شعبة عن أبي =
عن رجل من مراد قال: سمعت عليًا يقول: مَنْ سرَّه أن يتقحَّمَ (1) جراثيم جهنم فَلْيَقْضِ بين الجد والإخوة (2)، وأما عثمان وابن مسعود فقال البَغويُّ: ثنا حجَّاجُ بن المِنْهال: ثنا حماد بن سلمة: أخبرنا اللَّيث بن أبي سُلَيْم، عن طاوس أن عثمان وعبد اللَّه بن مسعود قالا: الجدُّ بمنزلةِ الأب (3).
فهذه أقوال المورثين كما ترى قد اختلفت في أصل (4) توريثهم معه، واضطربت في كيفية التوريث، وخالفت دلالة الكتاب والسنة والقياس الصحيح، بخلاف قول الصديق ومَنْ معه (5).
يوضحه الوجه السادس عشر، [وهو] (6) أن الناس اليوم قائلان: قائلٌ بقول أبي بكر، وقائل بقول زيد، ولكن قول الصديق هو الصواب وقول زيد بخلافه، فإنه يتضمن تعصيبَ الجَدِّ للأخوات وهو تعصيبُ الرجل جنسًا آخر ليسوا من جنسه، وهذا لا أصل له في الشريعة، إنما يُعْرَف في الشريعة تعصيب الرجال للنساء إذا كانوا من جنس واحد كالبنين والبنات والإخوة والأخوات، ولا يُنتقض هذا بالأخوات مع البنات فإن الرجال لم يعصبوهنَّ، وإنما عصبهن البناتُ، ولما كان تعصيبُ البنين أقوى كان الميراث لهم دون الأخوات، بخلاف قول من عصَّب الأخوات بالجد، فإنه عصبهنَّ بجنس آخر أقوى تعصيبًا منهن، وهذا لا عهد به في الشريعة البتة.
= بشر، وفيه:"شعث. . . مشعثًا". وقال: "وقال وكيع. . . شعب. . . وهو الصواب" قلت: وإسناده منقطع، سعيد لم يسمع عمر.
(1)
في (ق) و (ك): "يقتحم".
(2)
رواه عبد الرزاق (19048)، وابن أبي شيبة (7/ 363 - ط دار الفكر)، و (11/ 319 - ط الهندية)، وسعيد بن منصور في "السنن"(56، 57 - ط الأعظمي)، والدارمي (2/ 352)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 245 - 246) من طريق أيوب به، وفيه هذا الرجل المبهم.
(3)
قال الحافظ في "الفتح"(12/ 19): "وأخرج يزيد بن هارون من طريق ليث عن طاوس أن عثمان وابن عباس كانا يجعلان الجد أبًا" ويزيد بن هارون هذا أحد المشاهير له كتاب في "الفرائض" نقل عنه الحافظ في مواطن من "شرحه".
وأخرجه القاضي إسماعيل، ومن طريقه ابن حزم (9/ 288) عن حماد بن سلمة به. وفي إسناده ليث بن أبي سُليم وهو ضعيف.
(4)
في (ك) و (ق): "أصول"، ووقع في (ق):"واضطرب في كيفية التوريث".
(5)
سبق تخريجه تقريبًا.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (و) و (ق) و (ك).
يوضحه الوجه السابع عشر، [وهو](1) أن الجد والإخوة لو اجتمعوا في التعصيب لكانوا إما من جنس واحد أو من جنسين، وكلاهما باطل، أما الأول فظاهر البطلان لوجهين: أحدهما: اختلافُ جهة التعصيب، والثاني: أنهم لو كانوا من جنس واحد لاستووا في الميراث والحرمان كالإخوة والأعمام وبنيهم إذا انفردوا، وهذا هو التعصيب المعقول في الشريعة، وأما الثاني فبطلانُه أظهر، إذ قاعدة الفرائض أن العصبةَ لا يرثون في المسألة إلا إذا كانوا من جنس واحد، وليس لنا عصبة من جنسين يرثان مُجتَمِعيْن قط، بل هذا محال (2)، فإن العصبة حكمُه أن يأخذَ ما بقي بعد الفروض، فإذا كان هذا حكم هذا الجنس وجب أن يأخذَ دون الآخر، وكذلك الجنس الآخر فيفضي أحدهما (3) إلى حرمانهما، واشتراكهما ممتنع لاختلاف الجنس، وهذا ظاهر جدًا.
يوضحه الوجه الثامن عشر، [وهو](4) أن الجدَّ أبٌ في باب الشهادة وفي بابِ سقوط القصاص، وأبٌ في باب المنعِ من دفعِ الزكاة إليه، وأبٌ في باب وجوب إعتاقه (5) على ولد ولده، وأبٌ في باب سقوط القطع في السرقة، وأبٌ عند الشافعي في باب الإجبار في النكاح، وفي باب الرجوع في الهبة، وفي باب العتق بالملك، وفي باب الإجبار على النفقة، وفي باب إسلام ابن ابنهِ تبعًا لإسلامه، وأبٌ عند الجميع في باب الميراث عند عدم الأب فرضًا وتعصيبًا في غير محل النزاع، فما الذي أخرجه عن أبوَّته في باب الجد والإخوة؟ فإن اعتبرنا تلك الأبواب فالأمر في أبوته في محل النزاع ظاهر، وإن اعتبرنا باب الميراث فالأمر أظهرُ وأظهر.
يوضحه الوجه التاسع عشر، [وهو](6) أن الذين وَرَّثوا الإخوة معه إنما ورَّثوهم لمساواة تعصيبهم لتعصيبه (7)، ثم نقضوا الأصل، فقدَّموا تعصيبَهُم على تعصيبه في باب الوَلَاءِ وأسقطوه بالإخوة لقوة تعصيبهم عندهم، ثم نقضوا ذلك أيضًا فقدَّموا الجدَّ عليهم في باب ولاية النكاح، وأسقطوا تعصيبهم بتعصيبه، وهذا
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (د): "بل هو محال".
(3)
في (ق): "أخذهما".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
أشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة: "إعفافه".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (و) و (ق) و (ك).
(7)
في المطبوع و (ك): "تعصيبه لتعصيبهم".
غاية التناقض والخروج عن القياس لا بنص ولا إجماع.
يوضحه الوجه العشرون، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر"(1) فإذا خَلَّفت المرأةُ زوجَهَا وأمها وأخاها وجدها (2)؛ فإن كان الأخ أولى رجل ذَكَر فهو أحقُّ بالباقي، وإن كانا سواء في الأولوية وجَبَ اشتراكُهما فيه، وإن كان الجَدُّ أولى وهو الحق الذي لا ريب فيه فهو أولى به، وإذا كان الجد أولى رجل ذَكَر وجب أن ينفرد بالباقي بالنص، وهذا الوجه وحده كافٍ وباللَّه التوفيق.
وليس القصد هذه المسألة بعينها، بل بيان دلالة النص والاكتفاء به عما عداه، وأن القياسَ شاهدٌ وتابع، لا أنه مستقل في إثبات حكم من الأحكام لم تدل عليه النصوص.
ومن ذلك الاكتفاء بقوله: "كُلٌّ مسكرٍ خَمْر"(3) عن إثبات التحريم بالقياس في الاسم أو في الحكم كما يفعله مَنْ لم يحسن الاستدلال بالنص.
ومن ذلك الاكتفاء بقوله (4): {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] عن إثبات قطع النَّبَّاش بالقياس اسمًا أو حكمًا، إذ السارقُ يعمُّ في لغةِ العرب وعُرْفِ الشارع [سارقَ](5) ثياب الأحياء والأموات.
ومن ذلك الاكتفاء بقوله (4): {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ [لَكُمْ] (6) تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] في تناوله لكل يمينٍ منعقدةٍ يحلفُ بها المسلمون، من غير تخصيص إلا بنص أو إجماع، وقد بيَّن ذلك سبحانه (7) في قوله:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] (89)} (6)[المائدة: 89] فهذا صريحٌ في أنَّ كل يمين منعقدة فهذا كفارتها، وقد أدخلتِ الصحابةُ في هذا
(1) الحديث في "صحيح البخاري" و"صحيح مسلم"، وقد سبق مرارًا.
(2)
في (ق): "زوجها وأمها وجدها وأخاها".
(3)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الأشربة): باب بيان أن كل مسكر خمر، وأنَّ كل خمر حرام (3/ 1587/ رقم 2003)، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:"كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام"، وعن عائشة في "الصحيحين" وقد سبق.
(4)
في (ق): "بقوله تعالى".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في (ق): "وقد بين سبحانه ذلك".
النص الحلفَ بالتزام الواجباتِ والحلف بأحب القُرباتِ المالية إلى اللَّه وهو العتقُ، كما ثبت ذلك عن ستة (1) منهم ولا مخالف لهم من بقيَّتِهم (2)، وأدخلت فيه الحلفَ بالبغيض إلى اللَّه وهو الطلاق كما ثبت ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3) ولا مخالف له منهم (4)، فالواجبُ تحكيمُ هذا النص العام والعملُ بعمومه حتى يثبت إجماع الأمة إجماعًا متيفنًا (5) على خلافه، فالأمة لا تُجمِع على خطأ البتة.
ومن ذلك الاكتفاء بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ"(6) في إبطالِ كُلِّ عقدِ نهى اللَّه ورسوله عنه وحَرَّمه، وأنه لغوٌ لا يُعتدُّ به، نكاحًا كان أو طلاقًا أو غيرهما، إلا أن تُجمع الأمة إجماعًا معلومًا على أن بعض ما نهى اللَّه ورسوله عنه وحَرَّمه من العقود صحيحٌ لازم معتدّ به غير مردود، فهي لا تجمع على خطأ، وباللَّه التوفيق.
ومن ذلك الاكتفاء بقوله [تعالى](7): {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] مع قوله صلى الله عليه وسلم: "وما سكت عنه فهو مما عفا عنه"(8) فكل ما لم يبين اللَّه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم تحريمَه من المطاعم و [المشارب](7) والملابس والعقود والشروط فلا يجوز تحريمها، فإن اللَّه سبحانه قد فصَّل لنا ما حرم علينا، فما كان من هذه الأشياء حرامًا فلا بد أن يكون تحريمه مفصلًا، وكما أنه لا يجوز [إباحة ما حرّمه اللَّه، فكذلك لا يجوز تحريم ما عفا عنه ولم يحرمه](9)، وباللَّه التوفيق.
(1) في (د): "سنة" بالنون! والصواب أنه ثبت عن سبعة منهم، هم: ابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، انظر:"مجموع فتاوى ابن تيمية"(33/ 50) وأسند ذلك عنهم البيهقي: كتاب الأيمان: باب من جعل شيئًا من ماله صدقة أو في سبيل اللَّه. . . (10/ 65).
(2)
في (ق) و (ك): "من نفسهم".
(3)
مضى تخريجه.
(4)
"هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الثابت عنه: أن من كان حالفًا، فليحلف باللَّه، أو فليسكت وأن من حلف بغير اللَّه، فقد كفر، فلا يجوز الحلف بطلاق ولا عتاق ولا غيرهما مما ليس من هدي اللَّه"(و)، وانظر مذهب علي في الحلف بالطلاق:"المحلى"(10/ 211 - 213)، و"إغاثة اللهفان"(2/ 89)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(47/ 33 - 50).
(5)
في (ق) و (ك): "مستيقنًا".
(6)
الحديث في "الصحيحين"، وقد سبق تخريجه.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
سبق تخريجه.
(9)
في (ق): "وكما أنه لا يجوز تحريم ما عفا عنه لم نحرمه".