الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَدًى أو على ضلالة؟ فلا بد من أن تُقِرُّوا بأنهم كانوا على هدى، فيقال لهم: فما الذي كانوا عليه غير اتباع القرآن (1) والسنن والآثار، وتقديم قول اللَّه ورسوله وآثار أصحابه (2) على ما يخالفها، والتحاكم إليها دون قول فلان أو رأي فلان، وإذا كان هذا هو الهدى فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنَّى تؤفكون؟ فإن قالت كل فرقة من المقلدين، وكذلك يقولون:[صاحبنا](3) هو الذي ثبت على ما مضى عليه السلف، واقتفى منهاجهم (4)، وسلك سبيلهم، قيل لهم: فمن سواه من الأئمة هل شارك صاحبكم في ذلك أو انفرد صاحبكم بالاتباع وحُرِمَهُ مَنْ عَدَاه؟ فلا بد من واحد من الأمرين، فإن قالوا بالثاني فهم أضَلُّ سبيلًا من الأنعام، وإن قالوا بالأول فيقال: فكيف وفقتم (5) لقبول قول صاحبكم كله، ورد قول من هو مثله أو أعلم منه كله، فلا يردُّ لهذا قول، ولا يقبل لهذا قول، حتى كأن الصواب وَقْفٌ على صاحبكم والخطأ وَقْفٌ على من خالفه، ولهذا أنتم موكلون بنُصْرَته في كل ما قاله، وبالرد على مَنْ خالفه في كل ما قاله. وهذه حال الفرقة الأخرى معكم، ويقال:
[نقول عن الأئمة في النهي عن تقليدهم]
ثالث عشر: فمن قلدتموه من الأئمة قد نهوكم عن تقليدهم فأنتم أول مخالف لهم.
قال الشافعي: مثل الذي يطلب العلم بلا حُجَّة كمثل حاطب ليل، يحمل حُزْمَة حَطَب، وفيه أفعى تَلْدغه، وهو لا يدري (6). وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يحل لأحد أن يقول بقولنا، حتى يعلم من أين قلناه (7). وقال أحمد: لا تقلد دينك أحدًا (8).
[عودة إلى محاجة دعاة التقليد]
ويقال: رابع عشر: هل أنتم مُوقِنُونَ بأنكم غَدًا موقوفون بين يدي اللَّه، وتسألون عما قضيتم به في دماء عباده وفروجهم وأبْشَارهم وأموالهم، وعما أفتيتم
(1) تحرف في المطبوع إلى "الران"!
(2)
في المطبوع: "وآثار الصحابة".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
في (ق) و (ك): "مناهجهم".
(5)
تصحفت في المطبوع إلى: "وقفتم".
(6)
مضى تخريجه.
(7)
مضى تخريجه.
(8)
مضى تخريجه.
به في دينه محرمين ومحللين وموجبين؟ فمن قولهم: "نحن مُوقِنُونَ بذلك" فيقال لهم: فإذا سألَكم: "من أين قلتم ذلك" فماذا جوابكم؟ فإن قلتم: "جوابُنَا إنا حللنا وحَرَّمنا وَقَضَيْنا بما في كتاب "الأصل" لمحمد بن الحسن بما رواه عن أبي حنيفة وأبي يوسف من رأي واختيار، وبما في "المُدَوَّنة" من رواية سحنون عن ابن القاسم من رأي واختيار، وبما في "الأم" من رواية الربيع من رأي واختيار، وبما في جوابات غير هؤلاء من رأي واختيار، وليتكم اقتصرتم على ذلك أو صعدتم إليه أو سَمَتْ هممكم (1) نحوه، بل نزلتم عن ذلك طبقات، فإذا سُئلتم: هل فعلتم ذلك عن أمري أو أمر رسولي؟ فماذا يكون جوابكم إذًا؟ فإن أمكنكم حينئذٍ أن تقولوا: "فعلنا ما أمرتنا به وأمرَنا به رسولك" فُزتْمُ وتخلصتم، وإن لم يمكنكم ذلك فلا بد أن تقولوا: لم تأمرنا بذلك ولا رسولك ولا أئمتنا ولا بد من أحد الجوابين، وكأن قد.
ويقال خامس عشر: إذا نَزَلَ عيسى ابن مريم إمامًا عَدْلًا وحكمًا مقسطًا، فبمذهب من يحكم؟ وبرأي من يقضي؟ ومعلوم أنه لا يحكم و [لا](2) يقضي إلا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم التي شَرَعها [اللَّه](2) لعباده؟ فذلك الذي يقضي به أحق، وأولى الناس به عيسى ابن مريم هو الذي أوجب عليكم أن تَقْضُوا وتفتوا به (3)، ولا يحل لأحد أن يقضي ولا يفتي بشيء سواه البتة. فإن قلتم: نحن وأنتم في هذا السؤال سواء، قيل: أجل، ولكن نفترق في الجواب فنقول: يا ربنا إنك لتعلم أنا لم نجعل أحدًا من الناس عيارًا على كلامك وكلام رسولك (4)، ونرد ما تنازعنا فيه إليه ونتحاكم إلى قوله ونقدم أقواله على كلامك وكلام رسولك وكلام أصحاب رسولك، وكان الخلق عندنا أهون أن نُقَدِّم كلامهم وآراءهم على وَحْيِك، بل أفتينا بما وَجَدْناه في كتابك، وبما وَصَل إلينا من سنة رسولك وبما أفتى به أصحاب نبيك، وإن عَدَلْنا عن ذلك فخطأ منا لا عمد، ولم نتخذ من دونك ولا دون رسولك ولا المؤمنين وَليجَةً، ولم نفرق ديننا ونكون شِيَعًا، ولم نقطِّع (5) أمرنا بيننا زُبَرًا، وجعلنا أئمتنا قدوة لنا، ووسائط بيننا وبين رسولك في نقلهم ما بلَّغوه إلينا عن رسولك فاتبعناهم في ذلك، وقلدناهم فيه، إذ أمرتنا أنت وأمَرَنَا رسولك بأن
(1) في (ك): "همتكم".
(2)
ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ك).
(3)
في المطبوع: "تقضوا به وتفتوا".
(4)
بعدها في المطبوع: "وكلام أصحاب رسولك".
(5)
في (ق): "نتقطع".
نسمع منهم، ونقبل ما بلغوه عنك وعن رسولك، فسمعًا لك ولرسولك وطاعة، ولم نتخذهم أربابًا نتحاكم إلى أقوالهم، ونخاصم بها، ونوالي ونعادِي عليها، بل عرضنا أقوالهم على كتابك وسنة رسولك، فما وافقهما قبلناه، وما خالَفَهما أعرضنا عنه وتركناه، وإن كانوا أعلم منا بك وبرسولك، فمن وافق قوله قولَ رسولك كان أعلم منهم في تلك المسألة، فهذا جوابنا، ونحن نناشدكم اللَّه: هل أنتم كذلك حتى يمكنكم هذا الجواب بين يدي مَنْ لا يبدَّلُ القول لديه، ولا يروج الباطل عليه؟
ويقال سادس عشر: كل طائفة منكم معاشر طوائف المقلدين، قد أنزلت [جميعَ] الصحابة من أولهم إلى آخرهم وجميع التابعين من أولهم إلى آخرهم وجميع علماء الأمة من أولهم إلى آخرهم إلا مَنْ قلدتموه (1) في مكان مَنْ لا يعتد بقوله، ولا ينظر في فتاواه، ولا يشتغل بها، ولا يعتد بها، ولا وجه للنظر فيها إلا للتمحل (2) وإعمال الفكر (3) وكدّه في الرد عليهم إذا خالَفَ قولُهم قولَ متبوعهم، وهذا هو المسوغ للرد عندهم (4)، فإذا خالف قول متبوعهم نصًا عن اللَّه ورسوله فالواجب التمحُّلُ والتكلف في إخراج ذلك النص عن دلالته، والتحيل لدفعه بكل طريق حتى يصح قول متبوعهم، فياللَّه لدينه وكتابه وسنة رسوله لبدعة كادت تثل عرش الإيمان (5) وتهدُّ ركنه لولا أن اللَّه ضمن لهذا الدين أن لا يزال فيه من يتكلم بأعلامه ويذب عنه، فمَنْ أسوأ ثناء على الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين، وأشد استخفافًا بحقوقهم، وأقل رعاية لواجبهم (6)، وأعظم استهانة بهم، ممن لا يلتفت إلى قول رجل واحد منهم، ولا إلى فتواه غير صاحبه الذي اتخذه وَليجة من دون اللَّه ورسوله؟
ويقال سابع عشر: من عجيب (7) أمركم أيها المقلدون أنكم اعترفتم وأقررتم على أنفسكم بالعجز عن معرفة الحق بدليله من كلام اللَّه وكلام رسوله، مع سهولته وقرب مأخذه، واستيلائه على أقصى غايات البيان، واستحالة الاختلاف والتناقض
(1) في (ن): "قلد" وفي (ك): "قلدوه"، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
قال في هامش (ق): "يقال: تمحل، أي: احتال، والمحل: المكر، والكيد".
(3)
في (ن) و (ك): "وإعمال الفكرة".
(4)
في المطبوع: اللرد عليهم عندهم"، وقبلها في (ك) و (ق): "متبوعه" بدل "متبوعهم".
(5)
في هامش (ق): "يقال ثلهم ثلًا أهلكهم".
(6)
في (ت) و (ق) و (ك): "لواجبها".
(7)
في المطبوع: "من أعجب".